«الدستور» تتابع عودة السودانيين: 20 حافلة مجانية يوميًا تنقل 250 ألف شخص من مصر

«الدستور» تتابع عودة السودانيين: 20 حافلة مجانية يوميًا تنقل 250 ألف شخص من مصر

بعد نجاح الجيش السودانى فى استعادة العاصمة الخرطوم، وطرد ميليشيا «الدعم السريع»، يواصل آلاف السودانيين العودة إلى بلادهم، خاصة من الموجودين فى مصر، التى لجأ إليها ملايين منهم، ووجدوا فيها الملاذ الآمن والاستضافة الكريمة.ومنذ تحرير الخرطوم شهدت المعابر الحدودية بين مصر والسودان موجة عودة غير مسبوقة لمواطنين سودانيين قرروا العودة إلى وطنهم. هذه العودة الطوعية لم تكن مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل تمثل خطوة مليئة بالتحديات الإنسانية واللوجستية، فى ظل الظروف الصعبة التى يمر بها السودان جراء الأزمات المستمرة.«الدستور» تحاور فى السطور التالية القنصل العام لجمهورية السودان فى مصر، السفير عبدالقادر عبدالله محمد، وتلتقى عددًا من السودانيين فى مصر، للتعرف على آخر تطورات عودتهم إلى وطنهم من جديد.قال السفير عبدالقادر عبدالله محمد، القنصل العام لجمهورية السودان فى مصر، إن أكثر من ٢٤٢ ألف سودانى عادوا من مصر إلى بلادهم منذ مطلع عام ٢٠٢٤، من بينهم ١٦٧ ألف مواطن عادوا خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام ٢٠٢٥.ونبه القنصل العام السودانى، فى حواره مع «الدستور»، إلى أن كثيرًا من الأسر السودانية ينتظر من يتكفل بمصاريف رحلة عودتها الطويلة والشاقة، بعد نفاد مواردها، معربًا عن أمله فى إطلاق مبادرات من المنظمات الأهلية المصرية والجهات الدولية لمساعدتها.وأعرب عن شكره العميق للكنيسة المصرية، والأزهر الشريف وشيخه الدكتور أحمد الطيب، على ما قدموه للسودانيين طوال العامين الماضيين.

القنصل السودانى: الغالبية العظمى تريد العودة وكثير من الأسر ينتظر من يتكفل بـ«مصاريف الرجوع»

■ بداية.. كم تُقدّر أعداد السودانيين العائدين يوميًا عبر المعابر الحدودية مع مصر؟- فيما يتعلق بأعداد العائدين عبر المعابر البرية، فقد تم جمع الإحصاءات من معبرى قسطل- أشكيت، بالإضافة إلى معبر أرقين، وتُظهر الأرقام تفاصيل العودة الطوعية للسودانيين، منذ بداية عام ٢٠٢٤، وحتى الآن.فى العام الماضى، بلغ إجمالى السودانيين الذين عادوا إلى السودان عبر المنافذ البرية من مصر حوالى ٧٥ ألف شخص. أما فى عام ٢٠٢٥، فتوزعت أعداد العائدين شهريًا.. ففى يناير بلغ عددهم ٢١٫٥٨٤ شخص، أما فى فبراير فبلغ ٣٠٫٩٢٤ شخص، وفى مارس ١٩٫٩٦٣ شخص، وشهد شهر أبريل الماضى ذروة العودة الطوعية بعد رمضان المبارك، حيث وصل عدد العائدين إلى ٥٨٫٩٦٥ شخص، وهو أعلى رقم شهرى حتى الآن، ثم فى مايو الجارى ٢٠٢٥ وحتى ٢٧ من الشهر ذاته بلغ عدد العائدين ٣٥٫٩٩٢ شخص.بذلك، يكون إجمالى العائدين منذ بداية عام ٢٠٢٤ وحتى ٢٧ مايو ٢٠٢٥، حوالى ٢٤٢ ألفًا و٤٢٨ شخصًا، منهم ١٦٧ ألفًا و٤٢٨ شخصًا خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام ٢٠٢٥ فقط. هذه الأرقام تعكس حجم موجة العودة الطوعية الكبيرة للسودانيين من مصر إلى وطنهم خلال الفترة الماضية.■ هل يوجد تنسيق رسمى بينكم وبين السلطات السودانية لتأمين الاستقبال وتوفير الخدمات الأساسية لهم؟- نحن فى القنصلية السودانية بالقاهرة ننسق بشكل لصيق مع السلطات السودانية فى بورسودان وفى دنقلا وحلفا، والتنسيق مباشر وبشكل يومى لأنهم يستقبلون العائدين وييسرون لهم الحركة، سواء كان عن طريق معبرى قسطل- أشكيت أو أرقين، والسلطات السودانية تنتظر العائدين عند المعابر وتيسر دخولهم، كل إلى وجهته داخل السودان.وميدانيًا تسير حركة السودانيين العائدين إلى وطنهم بشكل طبيعى وسلس، بفضل التنسيق المستمر بين السلطات المصرية والسودانية، بدءًا من مناطق التجمعات الكبرى مثل الإسكندرية والقاهرة، ومرورًا بأسيوط والأقصر وأسوان، والسلطات المختصة تُسهل انتقال العائلات السودانية عبر الطرق المؤدية إلى المعابر الحدودية.وحركة العائدين تنساب بسلاسة بفضل الدعم اللوجستى من الجانبين المصرى والسودانى، حيث يتم تسهيل إجراءات المرور من خلال التنسيق بين مختلف الأجهزة الحكومية فى مصر، وعندما يصل العائدون إلى منطقة أبوسمبل يتم تقسيمهم بشكل منتظم؛ وفقًا لوجهاتهم المختلفة عبر المعابر الحدودية.وبمجرد الوصول إلى أبوسمبل، يتم تفويج العائلات السودانية إلى المعابر الحدودية، سواء معبر أرقين أو معبرى قسطل- أشكيت، حيث يتم توجيهها عبر المعابر المتجهة إلى مدينة حلفا السودانية، وهذا التنسيق المتكامل يسهم فى ضمان سير عملية العودة بسلاسة، مع تقليل أى عوائق أو صعوبات قد تواجه العائدين أثناء رحلتهم.■ ما أبرز الصعوبات التى يواجهها السودانيون أثناء رحلة العودة؟- من أبرز الصعوبات الإنسانية التى يواجهها العائدون أثناء رحلة العودة هو شُح الموارد، حيث تنفد موارد البعض تمامًا لأن الرحلة طويلة، ولأنهم يمضون وقتًا طويلًا للوصول إلى مدنهم وقراهم داخل السودان، مما يزيد من معاناتهم. بالإضافة إلى ذلك، يواجه العائدون صعوبة كبيرة فى الحصول على الوجبات أثناء الرحلة، وعند وصولهم إلى قراهم، يواجهون تحديات أكبر، لأن العديد من المناطق قد تعرضت للاحتلال من قبل المتمردين، ما أدى إلى نهب بيوتهم ومقتنياتهم، بما فى ذلك الأثاث. وفى بعض المناطق، تم نهب سقوف المنازل وبيعها كحطب وقود، ما يجعل العائدين فى موقف صعب لأنهم يحتاجون إلى تهيئة مساكنهم واستئناف حياتهم.■ فى ظل تزايد عدد العائدين.. كيف تتعامل الدولة السودانية مع هذا التدفق؟ وهل هناك خطط للاستيعاب فى مناطقهم الأصلية أو فى مناطق استقبال مخصصة؟- الحكومة السودانية، بالطبع، تستقبل العائدين بكل التسهيلات المتاحة، كما أن المنظمات الدولية والإقليمية والإنسانية والخيرية، إلى جانب الدول الصديقة، تقف دائمًا مع الحكومة السودانية فى إعادة الخدمات إلى المدن والقرى التى تعرضت للدمار جراء الاحتلال من قِبل المتمردين.والدمار طال الكثير من المرافق الحيوية، حيث نهبت المساكن، وتم تدمير محطات الكهرباء ومحطات المياه، وحتى شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحى فى المدن تم تدميرها بشكل عمدى من قِبل المتمردين.ورغم تلك التحديات الكبيرة، فإن الدولة السودانية تسعى، وبكل ما أوتيت من قوة، وبمساعدة الأصدقاء والأشقاء، لإعادة الحياة إلى طبيعتها فى المدن، خاصة الخرطوم والمدن الكبرى التى احتلها المتمردون. والسلطات تبذل جهدًا كبيرًا لإعادة التيار الكهربائى والتغذية ومحطات المياه، كما تعمل على تأهيل المستشفيات لتكون جاهزة لاستقبال العائدين، ولو بالحد الأدنى من الخدمات.■ هل لديكم معلومات عن أوضاع السودانيين على الجانب المصرى ممن لم يتمكنوا من العودة بعد؟- لم يتمكن العديد من السودانيين بعد من العودة إلى السودان، وما زالوا موجودين فى مصر، وفى الحقيقة، أوضاعهم مستقرة وأحوالهم جيدة بشكل عام، ولكن مع ذلك، نفدت مواردهم، ويواجهون صعوبات فى سداد الإيجارات وتلبية احتياجاتهم اليومية.ورغم تلك التحديات، فالمنظمات الإنسانية والمجتمع الأهلى والخيرون يقفون إلى جانبهم بشكل مستمر، كما أن معظم السودانيين ينتظرون تكفل الجهات الحكومية أو المنظمات أو المتطوعين بتنظيم رحلات عودة لهم، وتبقى رغبة الغالبية العظمى منهم فى العودة إلى ديارهم هى الهدف الرئيسى.حركة العودة تنساب بسلاسة بفضل الدعم اللوجستى من البلدينتقليل أى عوائق أو صعوبات قد تواجه العائدين أثناء رحلتهم

عماد السنوسى توفير الإعاشة والمرافق طوال الرحلات

أكد الإعلامى والكاتب السودانى عماد السنوسى، أن عمليات العودة الطوعية للسودانيين من مصر تتم وفق الخطط المحددة من قبل الجهات الرسمية، وعلى رأسها السفارة السودانية فى القاهرة، إلى جانب بعض الجهات الشعبية والأهلية التى تلعب دورًا فعالًا فى تسهيل العودة وتنظيم الرحلات حتى المعابر، بهدف توفير عودة آمنة، ودعم الأسر التى تواجه صعوبات مالية فى تغطية تكاليف السفر.وأضاف «السنوسى»: «الحكومة السودانية تبذل جهودًا كبيرة فى المعابر لضمان إنهاء إجراءات دخول العائدين بسرعة وسلاسة، عبر اتخاذ العديد من التدابير لرفع كفاءة المعابر، منها زيادة عدد الموظفين، وتوفير خدمات الرعاية الصحية، بالإضافة إلى تقديم الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والمياه النقية ومرافق الإيواء».وكشف عن أن عدد رحلات العودة اليومية يتراوح بين ٧ و١٠ حافلات مجانية، يتم تنظيمها من قبل رجال الأعمال السودانيين وبعض الجهات الأخرى، إضافة إلى ١٠ حافلات مدفوعة الأجر توفرها شركات النقل السودانية، مضيفًا: «العدد الإجمالى للعائدين تجاوز ربع مليون مواطن عادوا إلى ديارهم بعد فترة من اللجوء، حتى الآن».وشدد على ضرورة أن يكثف الجانب السودانى جهوده لمواكبة الإجراءات المصرية المتعلقة بالعائدين، خاصة أن العديد من السودانيين دخلوا مصر بطرق غير رسمية هربًا من الحرب، داعيًا إلى إعلان حالة استنفار عامة فى المعابر السودانية لضمان توفير الأمان للمواطنين، وتسهيل إجراءات دخولهم، نظرًا لأن الكثير منهم فقدوا ممتلكاتهم بسبب الحرب.ونبه إلى أن عمليات العودة تواجه تحديات عديدة تفوق إمكانات البلدين، من بينها الحالات الطارئة التى قد تحدث أثناء العودة، ما يتطلب استعدادات عاجلة من الجانبين السودانى والمصرى، مضيفًا: «السودان بحاجة إلى تعزيز التجهيزات الصحية، خاصة فى ظل تفشى وباء الكوليرا ببعض ولايات البلاد، والذى يشكل مصدر قلق للعائدين ويؤثر على سير عمليات العودة».ومن بين أبرز التحديات التى تواجه العائدين، قال الإعلامى والكاتب السودانى إن العديد من المناطق فى البلاد لا يزال تعانى نقصًا فى الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والمستشفيات، ما يزيد من صعوبة استقرار العائدين ويعيق العودة إلى بعض المناطق. كما أن العمليات العسكرية التى تشنها ميليشيا «الدعم السريع» فى بعض المناطق التى كانت تُعد آمنة أدت إلى تأجيل عمليات العودة، ما يعوق جهود استعادة الخدمات فى تلك المناطق.وأضاف: «التحديات الأمنية وتعقيدات ترتيب المناطق المحررة تحتاج إلى وقت لتتواءم مع حجم عمليات العودة من مختلف الدول»، مشددًا على أن «إعادة تأهيل هذه المناطق وضمان توفر الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية- يتطلبان جهودًا مكثفة لضمان عودة المواطنين السودانيين إليها بأمان واستقرار».

عثمان بخيت: مشاعر الفرح طاغية رغم التعب وفقدان الأقارب والممتلكات

قال الناشط السياسى السودانى عثمان بخيت، إن المشهد الميدانى للعائدين السودانيين من مصر يواجه تحديات كبيرة بعد العودة إلى ديارهم، مشيرًا إلى أن العودة حملت مشاعر مختلطة بين الفرح والألم، بعدما عانى العائدون فقدان أقاربهم وممتلكاتهم على يد الميليشيات، خاصة «الدعم السريع» التى لم تراعِ حتى الأطفال والنساء وكبار السن. وأضاف «بخيت»: «البعض فقد حياته أثناء رحلة العودة بسبب الإرهاق الشديد، بينما وصل آخرون إلى مناطق آمنة بعدما مروا بتجارب قاسية. ورغم أن الحديث مع العائدين يعكس التعب الواضح عليهم، تبقى مشاعر الفرح بالعودة إلى الوطن طاغية، وإن كان الفقدان الكبير يعكر صفو تلك الفرحة». وكشف عن أنه بعد تحرير ولايتى سنار والجزيرة، شهدت مناطق النزوح فى حلفا والفاو والقضارف موجة واسعة من العائدين، سواء من المعسكرات أو المدن المكتظة بالنازحين.

محمد عمر: طوابير فى معبر «أرقين».. ونحتاج لدعم أكبر من الحكومة لمساعدة العائدين 

هاجم الناشط السودانى محمد عمر ميليشيا «الدعم السريع» التى أدى تمردها على القوات المسلحة ومؤسسات الحكم الشرعية، فى أبريل ٢٠٢٣، إلى معاناة الملايين وتحويل حياتهم إلى جحيم، ما تسبب فى موجات نزوح جماعى داخلى وخارجى. وقال «عمر» إن معبر «أرقين» يشهد تكدسًا مستمرًا للعائدين، حيث يمر العديد من السودانيين الذين لجأوا إلى مصر بحثًا عن الأمان، عائدين إلى وطنهم، بعد استعادة الأمن فى بعض المناطق السودانية، مضيفًا: «المعبر الذى يعمل بإمكانات محدودة لم يعد قادرًا على استيعاب التدفق الكبير للعائدين، ما أدى إلى تشكّل طوابير طويلة وامتداد فترة الانتظار لأيام، وسط ظروف مناخية قاسية، ونقص شديد فى الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمياه». وتطرّق إلى التحديات الأمنية المحيطة بالمعبر، بداية من وقوعه بالقرب من مناطق قد تشهد امتدادًا للصراع المستمر بسبب التصعيد العسكرى من ميليشيا «الدعم السريع»، مع وجود مخاوف حقيقية من تكرار سيناريو الهجمات العشوائية، خاصة مع استمرار استخدام الطائرات المُسيّرة من المليشيات، داعيًا إلى تحرك مشترك بين الحكومة السودانية ومنظمات المجتمع المدنى، إلى جانب الدعم الإقليمى والدولى، لتأمين المعبر وتحويله إلى نقطة عبور آمنة تكفل العودة الكريمة للنازحين.