مَن يمكنه كبح جماح زيادة أسعار العقارات؟

مَن يمكنه كبح جماح زيادة أسعار العقارات؟

ارتفعت أسعار العقارات فى مصر بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، لتصبح واحدة من أهم القضايا المؤثرة على السوق العقارية وحركة البيع والشراء. هذا الصعود لم يكن وليد لحظة، بل جاء نتيجة تراكم مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية، التى تفاعلت معًا وأدت إلى وضع ضغوط كبيرة على أسعار الوحدات السكنية بمختلف أنواعها ومستوياتها.الغريب فى الأمر أن سعر الوحدة السكنية الذى كان منذ ٤ سنوات ٢٥٠ ألف جنيه، وصل حاليًا إلى نحو ٢.٥ مليون جنيه، ولعل من أبرز العوامل التى أسهمت فى ارتفاع الأسعار، تحرير سعر الصرف فى عام ٢٠١٦، الذى أدى إلى ارتفاع كبير فى تكلفة مدخلات البناء المستوردة مثل الحديد والأسمنت والأخشاب. كذلك أسهم التضخم العام فى زيادة تكاليف العمالة والنقل والخدمات المرتبطة بعملية التشييد والبناء، ما انعكس بدوره على الأسعار النهائية للعقارات. ومع استمرار الأوضاع الاقتصادية المتقلبة، زادت أسعار مواد البناء مجددًا خلال عامى ٢٠٢٣ و٢٠٢٤، لترتفع معها أسعار الوحدات المعروضة للبيع.أيضًا لعبت زيادة الطلب دورًا أساسيًا فى دفع الأسعار إلى الأعلى، خاصة مع اتساع الفجوة بين العرض والطلب ورغم جهود الدولة فى إنشاء العديد من مشروعات الإسكان الاجتماعى والمتوسط، ظلت الحاجة المتزايدة للسكن تفوق ما يتم إنتاجه، خصوصًا فى المدن الكبرى والمناطق الحضرية، كما أن التوجه نحو الاستثمار العقارى باعتباره ملاذًا آمنًا ضد تقلبات العملة والتضخم، أدى إلى ازدياد الإقبال على شراء العقارات، ما أسهم فى زيادة الأسعار بشكل إضافى.والمؤشرات الاقتصادية خلال عام ٢٠٢٤ كشفت عن توقعات بارتفاع إضافى فى أسعار العقارات خلال عام ٢٠٢٥ بنسبة قد تصل إلى ٢٠٪، مدفوعة بمزيد من ارتفاع التكاليف، واستمرار اعتبار العقار أداة لحفظ القيمة، وسط تقلبات سعر الصرف ومعدلات الفائدة المرتفعة. كل ذلك يفرض تحديات إضافية على الأفراد الباحثين عن مسكن مناسب، ويدفع الحكومة والقطاع الخاص للبحث عن حلول مبتكرة.فى المقابل، تسعى الحكومة عبر عدد من المبادرات إلى الحد من تأثير ارتفاع الأسعار، مثل مبادرات التمويل العقارى منخفض الفائدة لفئات محدودى ومتوسطى الدخل، والتوسع فى تنفيذ وحدات إسكان بأسعار معقولة فى المدن الجديدة.ويبقى مستقبل أسعار العقارات فى مصر مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بتحولات الاقتصاد الكلى، والسياسات الحكومية، ومدى قدرة السوق على تحقيق توازن بين العرض والطلب. ورغم التحديات، يظل العقار فى مصر جاذبًا للمستثمرين والأفراد، ليس فقط كوسيلة للسكن، بل أيضًا كأداة استثمارية قوية تحتفظ بقيمتها على المدى الطويل.وتشير تحليلات الخبراء إلى أن سوق العقارات فى مصر ستظل قوية خلال النصف الثانى من عام ٢٠٢٥، ولكن بوتيرة مختلفة بين القطاعات. ومن المتوقع أن تشهد العقارات السكنية التقليدية ارتفاعات سعرية طفيفة، مقارنة بالزيادات الحادة التى سادت فى السنوات الماضية، مع استمرار الطلب القوى من الشرائح المتوسطة والعليا. أما العقارات الفاخرة والمشروعات الكبرى فى المدن الجديدة، فتُواجه بعض التحديات المرتبطة بارتفاع الأسعار، ما قد يدفع الشركات إلى تقديم عروض ترويجية، مثل مد فترات السداد، أو تقديم خصومات محدودة لجذب المشترين.فى المقابل، من المرجح أن تزداد المنافسة فى قطاعات أخرى، مثل العقارات التجارية والإدارية، مع تصاعد حركة إنشاء المولات والمكاتب الذكية فى المدن الجديدة، وهذا قد يخلق نوعًا من التوازن السعرى مع ظهور خيارات متنوعة للمستثمرين والمستهلكين. ومع ارتفاع أسعار الأراضى ومواد البناء، بدأت بعض شركات التطوير العقارى فى الاتجاه نحو استخدام تكنولوجيا البناء الحديثة، مثل البناء الصناعى الجاهز، لتقليل التكاليف وضغط الأسعار.من ناحية أخرى، فإن قدرة السوق على استيعاب زيادات الأسعار تبقى مرتبطة بشكل مباشر بقوة القدرة الشرائية للمواطنين. وفى ظل الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة، من المتوقع أن تظل الفجوة قائمة بين الطموح فى التوسع العقارى والقدرة الحقيقية للمستهلك النهائى على الشراء، ما يجعل الابتكار فى أنظمة السداد وإعادة التفكير فى تصميم المساحات والوحدات السكنية جزءًا أساسيًا من خطط المطورين فى المرحلة المقبلة.