الذكاء الاصطناعي وتأثيره على المجتمع

عندما تم اختراع الفوتوشوب، وهو برنامج اليكتروني لتحرير الصور الأكثر رواجًا في السوق، ويُستخدم بشكل عام للتعديل على الصور وإنشاء رسومات رقميّة مشابهة لتلك المرسومة باليد، أحدث وقتها ثورة اجتماعية كبيرة وقتها، وتم تركيب صور ونشرها.
وإن كانت للفوتوشوب بعض الجوانب الإيجابية في تجميل صور بعض الشخصيات وخصوصا الفنانات، وإضفاء لمسات جمالية على بعض الصور الطبيعية، وعمل تشكيلات مضحكة، وهو ما أضاف تطورا خطير في نوعية من الجرائم الأخلاقية وتشويه الكثير من الحقائق، فقد تم أيضا استخدامه من قبل بعض المراهقين وضعاف النفوس، بنشر صورة مركبة لوجوه فتيات وسيدات على صور عارية، وتم ابتزازهن ومضايقتهن. وكان موقف الدولة حازما، عندما قام القضاء المصري بإنصافهن ومعاقبة الفاعلين. وعلى الجانب الآخر أدى إلى خلق معايير جمال غير واقعية، وتشويه صورة الجسم، وتعريض الأفراد للمخاطر القانونية.
ولعل أبشع مظاهر استغلال الفوتوشوب وهو الذي استخدمته المخابرات الامريكية لتوريط حكومتها في الحرب وغزو العراق عندما قدموا للرئيس وللمنظمات الدولية والمجتمع الدولي عبر مشاهد تم تركيبها معمليا واعدادها مسبقا، صورا وهمية لمعامل قيل إنها تنتج اسلحة الدمار الشامل. وقتها في عام 2003 حيث كانت أمريكا لازالت تعاني قسوة هجمات الإرهاب التي تعرضت لها في سبتمبر 2001.
وكذلك استخدمته الجماعات الإرهابية والمتطرفة في مصر في نشر صور وفيديوهات على غير الحقيقة لتشويه خصومهم، ونشر الإشاعات الكاذبة ضد الدولة.
ومع مطلع الألفية الثانية تطورت تقنيات الفوتوشوب الى ما يعرف بالذكاء الصناعي،
الذي يعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلا البيانات التي يتم ادخالها على برامج الذكاء الصناعي. ومن الجائز أن تحتوي هذه البيانات على مغالطات أو مغايرة للواقع، ومنها على سبيل المثال، تحيزات عرقية أو جنسية أو اجتماعية واقتصادية، فإن الذكاء الصناعي سيخرج تلك المغالطات ويكررها وربما يقوم بتضخيمها في مخرجاته.
شكل ذلك نقلة خطيرة في عالم الاستغلال الإليكتروني. وأصبح بالإمكان تشكيل مشاهد فيديو غير حقيقية.
هذا الذكاء الصناعي الجديد استغلته الجماعات الإرهابية المناوئة للحكومة المصرية في ترويج أكاذيب عديدة مثل افتعال فيديوهات لمظاهرات في الشوارع، وافتعال تعذيب.
ولعل أحدث تقاليع الذكاء الصناعي هو ما تداولته حسابات مقطع فيديو عبر الشبكات الاجتماعية لما زُعم أنه يُظهر شجارًا بين الرئيس الفرنسي وزوجته بريجيت ماكرون، لدى وصولهما إلى مطار هانوي في العاصمة الفيتنامية، هانوي مطار نوى باي بعد جدل أثارته لقطات حقيقية للحظة قيامها بما وُصف بأنه صفعة على وجهه.
بالبحث عن الفيديو وجدوا أنه لا يتسق مع المشاهد الأصلية للحظة نزول الرئيس إيمانويل ماكرون وزوجته سلم الطائرة، وهو ما يشير إلى أنه مُنتج عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي. ونشرت وسائل إعلام، بينها وكالة الأنباء الفرنسية، مقطعًا لتلك اللحظات في قناتها عبر موقع يوتيوب، والتي لم تحتوي أي مشاهد للشجار المزعوم بين ماكرون وبريجيت.
وقد شاهدت مؤخرا على شبكات التواصل الاجتماعي فيديوهات لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، وهي تغني داخل توكتوك، وهي المركبة المتواضعة التي وصلتنا بعد رحيل ام كلثوم بأربعين عاما. وسمعت أغاني للمطرب الراحل عبد الحليم حافظ وهو يغني اغنيات تغنيها مطربات حاليات. كان شاهدت اعلانا تقوم فيه ام كلثوم بعمل كعك العيد، كل هذا بفعل الذكاء الصناعي واستخداماته، بالطبع الأمر يشكل جريمة اعتداء على الملكية الفكرية لتراث وصوت ام كلثوم والراحل عبد الحليم حافظ، وهو ما يتعين على النقابات الفنية المختصة مواجهته.
هذا الأمر يفتح الباب واسعا أمام عمليات تشويه الرموز الوطنية، ونتمنى ان تسارع الدولة بتشريع يجرم تلك الأفعال.
وكعادة الاختراعات الحديثة، دائما يطل منها وجه آخر مظلم تستخدمه الجماعات الإرهابية، حيث نشأت علاقة معقدة بين الذكاء الاصطناعي والإرهاب يشكلان علاقة معقدة.
وفي الوقت نفسه، يمثل خطرًا حقيقيا ومؤكدا، إذا استغله الإرهابيون، فالذكاء الصناعي أداة قوية في يد من يحسن استغلالها. يمكن أن يؤدي دورًا مهمًا في التنبؤ بمكافحة الإرهاب. لجل هذا يجب استخدام هذه الأداة ببواعث أخلاقية، من خلال ضمان دقة البيانات المستخدمة في تحليلها. ضرورة التعاون الدولي في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي لمكافحة الإرهاب. أهمية مشاركة البيانات والخبرات بين مختلف الدول.
التطورات الحديث لعالم الذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤدي الى إمكانيات وقدرات كبيرة في النهوض والارتقاء في مجالات الكيمياء والمركبات العضوية مما يستخدم في صناعة الأدوية وتطويرها. بالإضافة لتطبيقات الذكاء الصناعي في علم الأحياء التي أسهمت في حل مشكلة طي البروتين وتطوير الأدوية.
أيضا تغيير طريق التدريس في مجال التعليم، غير ان انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الهندسة البيولوجية يثير خطرًا، حيث قد تستخدمه جهات ذات نيات سيئة لإحداث تأثيرات مدمرة. بواسطة التصميمات البيولوجي المدعومة بالذكاء الصناعي، قد تزيد بشكل كبير من المخاطر المرتبطة بالأسلحة البيولوجية والإرهاب البيولوجي.
مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، يصبح من الضروري مواجهة الخطار الناجمة عن الاستخدام الخاطئ لهذه التقنيات، خاصة في مجالات مثل الهندسة البيولوجية والأسلحة الكيميائية. ورغم أن التطورات الحديثة في وأدوات التصميم البيولوجي قد فتحت آفاقًا جديدة للعلوم والصحة؛ فإنها في الوقت ذاته تحمل تهديدات خطيرة تمس الكيان البشري، إذا ما تم استخدامها بطريقة خاطئة.