خيارات الاحتلال: إما الموت جوعًا أو تحت الكوارث!

خيارات الاحتلال: إما الموت جوعًا أو تحت الكوارث!

المشهد الإنساني في غزة بات أكثر تعقيدًا على جميع المستويات، سواء من حيث العطش أو النزوح أو المجاعة، في تطور خطير يعكس التدهور المستمر في الوضع الإنساني بقطاع غزة. وقد ظهر مقطع فيديو موثّق يفضح الرواية الإسرائيلية الرسمية بشأن استهداف المدنيين الفلسطينيين في مدينة رفح جنوب القطاع. فعلى الرغم من النفي المتكرر من قِبل الاحتلال لإطلاق النار على المدنيين قرب مركز توزيع المساعدات، ضمن الآلية الإنسانية الجديدة التي بدأ تنفيذها في 27 مايو 2025، جاء المقطع المصوّر ليدحض هذه الادعاءات ويكشف زيفهاالفيديو، الذي التقطته عدسات شهود عيان وتداولته وسائل الإعلام والمنصات الرقمية على نطاق واسع، يُظهر لحظة إطلاق نار مباشر تجاه مدنيين غير مسلحين بالقرب من مركز توزيع المساعدات، دون أي مؤشرات على وجود تهديد أمني أو نشاط مسلح في الموقع. تُظهر المشاهد سقوط الضحايا في منطقة يُفترض أنها آمنة ومخصصة لاستلام المساعدات، بينما كانت شاحنات الإغاثة مرئية بوضوح في الخلفية.هذه المشاهد تقوّض بشكل قاطع الرواية الإسرائيلية التي تزعم أن الهجمات تستهدف “مواقع إرهابية” أو “عناصر مسلحة”، وتُظهر أن المدنيين كانوا هم الهدف المباشر، وليسوا مجرد “أضرار جانبية”، كما يحاول الإعلام الإسرائيلي تصوير الأمر.في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي والدولي، نشر جيش الاحتلال مقطعًا مصورًا آخر يدّعي أنه يُظهر مسلحين يطلقون النار قرب مركز توزيع المساعدات. غير أن مصادر فلسطينية، بما في ذلك المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، وصفت هذا الفيديو بأنه مفبرك ومضلل، مشيرة إلى أنه يهدف لتغطية جريمة موثقة أسفرت عن استشهاد 31 مدنيًا أثناء تجمعهم أمام مركز تديره شركة أميركية لتوزيع المساعدات غرب مدينة رفح.وأكد ناجون من المجزرة أن القصف جاء مباشرًا من القوات الإسرائيلية، نافيًا تمامًا وجود أي اشتباكات أو إطلاق نار من داخل القطاع. كما شدد المكتب الإعلامي على أن الاحتلال هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن عرقلة إدخال المساعدات وفرض قيود مشددة على حركتها، داحضًا الادعاءات بأن حركة “حماس” تقف وراء ذلك.وبحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن إجمالي الشهداء الذين سقطوا جراء استهداف محيط مراكز توزيع المساعدات منذ بدء تنفيذ الآلية الجديدة بلغ 49 شهيدًا، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن. هذا الرقم الكارثي يعكس حجم المخاطر التي يواجهها المدنيون في سعيهم للحصول على أبسط مقومات الحياة.في السياق ذاته، حذّرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من أن خطة توزيع المساعدات المعتمدة حاليًا بالتنسيق الإسرائيلي-الأميركي تحوّلت إلى “فخ قاتل”. وأشارت إلى أن مراكز التوزيع أصبحت أهدافًا متكررة للهجمات الإسرائيلية، مما يجعل المدنيين أمام خيارين كلاهما مأساوي: إما الموت جوعًا أو الموت تحت القصف.منذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، تحاول سلطات الاحتلال ترسيخ سردية أمنية مفادها أنها تستهدف “أهدافًا دقيقة” و”مسلحين فقط”. غير أن الوقائع الميدانية، المدعومة بشهادات حية ومقاطع فيديو موثقة، تكشف عن استهداف ممنهج لمناطق مصنفة كممرات إنسانية ومراكز إغاثة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.وما يزيد من خطورة الوضع أن هذه الجرائم ليست حالات فردية أو عرضية، بل نمط متكرر، حيث سبق أن تم استهداف مدارس، مستشفيات، وملاجئ تؤوي نازحين، وكل ذلك تحت غطاء مزاعم أمنية واهية.إن تصاعد الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في غزة، في ظل صمت دولي مريب، يستوجب تحركًا عاجلًا من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية، إضافة إلى مؤسسات العدالة الدولية، من أجل محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي، والتي تشمل استهداف المدنيين، عرقلة المساعدات، واستخدام التجويع كسلاح حرب.كما تطرح هذه الوقائع تساؤلات جدية حول جدوى استمرار الآلية الإنسانية المعلنة، في ظل غياب أي ضمانات حقيقية لحماية المدنيين، وتحول مراكز المساعدات إلى مصائد موت جماعية بدلًا من أن تكون ملاذًا آمنًا في أوقات الكوارث.