ثروات لا تزال غير مكتشفة

منذ أن وقّع الرئيس عبدالفتاح السيسى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، أصبح البحر الأحمر كتابًا مفتوحًا أمام طموحات مصر الاقتصادية؛ إذ ثُبّتت السيادة على خرائط لا تقبل اللبس، وتحولت المعادلات الجغرافية الصامتة إلى فرص تنموية حية تتقاطع فيها طرق الغاز مع مسارات الذهب.هذه الرسالة نقدمها إلى المهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية، على مكتبه ليتأمل ما تحمله من مُخرجات، ويدرك أن لحظة توحيد الرؤى الجيولوجية قد حانت.تزداد الحاجة فى مصر إلى بناء رؤية جيولوجية موحدة تجمع ثروتها البترولية والمعدنية فى إطار معرفى واحد، يختصر الزمن ويقلص التكاليف، ويُعظم الاستفادة من البيانات السيزمية التى تُنفق عليها المليارات سنويًا.فالبحث السيزمى فى أعماق البحار، الذى يُعد العمود الفقرى لاستكشاف الغاز والبترول فى شرق المتوسّط والبحر الأحمر، يمتلك مخزونًا هائلًا من المعلومات عن الطبقات الرسوبية العميقة والتركيبات البنيوية الكبرى.فى المقابل، يركز البحث السيزمى فى قطاع التعدين على أعماق أقل، مستهدفًا تعريف الأجسام الخام وتتبّع الفوالق الدقيقة التى تتحكم فى تمعدن الذهب والفوسفات والنحاس وسواها فى الصحراء الشرقية والغربية.وبين هذين العالمين، يكمن خيط رفيع يمكن أن يتحول إلى جسر متين إذا أُحسن توظيفه.الفارق الأبرز بين النشاطين ليس تقنية توليد الموجات أو مبادئ التشغيل فحسب، بل الهدف الجيولوجى والدقة المطلوبة، شركات الحفر البحرى تسعى إلى بناء نموذج إقليمى واسع يحدد المصائد الهيدروكربونية على أعماق تتجاوز أحيانًا عشرة كيلومترات، أما شركات التعدين فتبحث غالبًا عن تباينات مادية على أعماق أقل من ألف متر، وتريد صورة عالية الوضوح تمكنها من رسم حدود الجسم المعدنى بدقة مترية، ومع ذلك فإن البيانات الناجمة عن المسوحات البحرية ثلاثية الأبعاد تحمل تفاصيل دقيقة عن السرعات السيزمية وتغيرها الرأسى والأفقى، وهذه التفاصيل إذا أُعيدت معالجتها بخوارزميات تركز على النطاق الضحل يمكن أن تبوح بأسرارٍ مهمة حول الطبقات الغرينية الحاملة للمعادن على امتداد الساحل وعند تخوم البحر.تجارب دولية عديدة أظهرت جدوى نهج التكامل فى غرب أستراليا استفادت هيئة المسح الجيولوجى من بيانات شركات النفط فى حوض كارنارفون لبناء خرائط بنيوية ساعدت لاحقًا فى توجيه أعمال التنقيب عن النحاس والرصاص على البرّ القريب.وفى النرويج، جرى إطلاق منصة بيانات موحدة أتاحت لشركات التعدين الوصول إلى خطوط سيزمية بحرية قديمة أعيدت معالجتها بمرشحات تركز على الأعماق الضحلة، ما أسهم فى تحديث نماذج خامات الفوسفات والكبريتيد قرب الشاطئ، هذه التجارب تؤكد أن الاستثمار الأولى فى جمع البيانات لا يفقد قيمته عندما تتغيّر أسئلة الباحثين، بل يمكن أن يولد قيمة مضافة متى تمّت مشاركة الأصول الرقمية بين القطاعات.على الساحة المصرية تتوافر فرص مماثلة، خصوصًا فى مناطق امتداد الصحراء الشرقية تحت البحر الأحمر، حيث تتجاور مكامن الكبريتيدات الضخمة مع أحواض رسوبية غنية بالغاز، فمنصة جمسة الزعفرانة البحرية مثلًا تحمل سجلًا سيزميًا ثريًّا يشرح النظام التكتونى القديم الذى يربط بين حزام الذهب فى الصحراء الشرقية وصدع البحر الأحمر، لو أتيح هذا الرصيد لشركات التعدين بإطار تشريعى يضمن سرية البيانات التجارية ويحدد نطاق استخدامها، فإن مرحلة المسح الأولى قد تُختصر إلى أقل من نصف التكلفة والمدة المعتادة، ما يشجع المستثمرين الجدد على دخول القطاع.