سميحة أيوب… ملكة المسرح وصوت عصر الجمال

سميحة أيوب… ملكة المسرح وصوت عصر الجمال

في تاريخ المسرح العربي، أسماء قليلة استطاعت أن تُصبح أعمدة لا تتزحزح، رموزًا للبهاء والجدارة، ومن بين تلك الأسماء يتصدّر اسم سميحة أيوب، سيّدة الخشبة، ومعلّمة الأجيال، وصاحبة الحضور الذي لا يُخطئه القلب قبل العين.درست في المعهد العالي للفنون المسرحية في سنواته الأولى، وهناك تتلمذت على أيدي عمالقة أمثال زكي طليمات ويوسف وهبي، ولم تلبث أن أثبتت حضورها، لا كنجمة فحسب، بل كصوت يُؤمن بأن المسرح رسالة ووجدان وحرية.في أعمالها، لم تكن تمثّل، بل كانت تنفخ الروح في النصوص، من “رجل في القلعة” إلى “سكة السلامة”، ومن “الفتى مهران” إلى “دائرة الطباشير القوقازية”، كانت تختار أدوارها بعناية من يوقّع عقدًا مع التاريخ.عرفت كيف تُزاوج بين الإحساس والعقل، بين اللغة والنبض، حتى بات يُقال عنها: “إن تحدثت سميحة، سكتت الخشبة لتُنصت”. وكانت الإدارة الثقافية عندها بقدر تمثيلها؛ إذ تولّت رئاسة المسرح القومي، وأعادت له هيبته في زمن كان فيه المسرح يتعرّض لرياح التهميش.كذلك، لم تكن سميحة أيوب فنانةً مغلقة على نفسها، بل زوجةً ورفيقة درب لمبدعين مثل محسن سرحان وسعد الدين وهبة، الذي شكّل معها ثنائيًا من أجمل الثنائيات الثقافية، حيث امتزج النص بالتجربة، والفكر بالوجدان.حازت عشرات الأوسمة والتكريمات، وعلى رأسها وسام الجمهورية، كما أُطلق اسمها على أحد مسارح الدولة تكريمًا لمسيرتها. لكنها، رغم كل الألق، بقيت متواضعة، تُدافع عن الكلمة، وترى أن الفن ما هو إلا مرآة المجتمع، وضمير الناس.اليوم، وبعد سبعة عقود من العطاء، لا تزال سميحة أيوب منارةً لمن يريد أن يتعلّم معنى الالتزام، وكنزًا لمن يريد أن يُنصت إلى كيف تكون المرأة جسدًا للثقافة، وروحًا للفن، وذاكرةً للأمة.⸻هي ليست فقط فنانة من زمن آخر، بل زمنٌ بحدّ ذاته.
في حضورها درسٌ، في صوتها مسرح، وفي ظلّها تنمو أجيال من الحالمين.
وحين تُذكر سميحة أيوب، لا نُفكّر بماضٍ مجيد، بل بمستقبل يظلّ يطلب منها المزيد.⸻غابت سميحة أيوب بالجسد، لكنّها ستظلّ تقيم في ذاكرة المسرح، وفي ضوء الخشبة، وفي نبرة كل ممثل يحلم بالصدق والسمو.
هي لم ترحل… بل اكتفت أن تصعد إلى أعلى، حيث يُسمع التصفيق بلا نهاية.سلامٌ على روحكِ، يا سيّدة الخشبة.
سلامٌ على حضوركِ الذي لا يُنسى، وعلى مسرحٍ صار أصدق حين مررتِ عليه.