في ذكرى رحيله.. اكتشف مسيرة أحمد فؤاد سليم من “الجندية” إلى “الفن”

في ذكرى رحيله.. اكتشف مسيرة أحمد فؤاد سليم من “الجندية” إلى “الفن”

يبرز وجه الفنان “أحمد فؤاد سليم” كحالة فريدة، وصوت متفرد، وتجربة استثنائية، تستحق الاحتفاء لا بوصفه ممثلًا بارعًا وحسب، بل باعتباره متأملًا عميقًا، ومثقفًا عضويًا، يسير على خُطى نادرة من الصدق والاتزان، كما يكشف كتاب “المتأمل” الذي أعدّه وحرره الكاتب الصحفي أسامة الرحيمي  في التقرير التالي تعرف على  وجوه الفنان أحمد فؤاد سليم.سيرة على هامش الضوء.. في قلب العمقعلى مدى فصول الكتاب، يكشف الرحيمي تلك التحولات التي عاشها أحمد فؤاد سليم، الأمر الذي بدأ بمجرد شغف مبكر بالتمثيل  الى مسار أمتد وأمتلأ برؤى كاشفة ومعبرة ومدركة لما يمتلكه الفنان من وعي في تقديم  ما يمش ويشتبك مع  واقع اليومي والراهن، يكشف الرحيمي  الوجه الأخر الذي لا يعرفه الكثيرين عن ذلك الفنان الذي شهد الحرب بكل تجلياتها، وكيف ذهب في وقت وصف بالنكسة ليعود بزمن الانتصار. لا يقدم الرحيمي عبر “المتأمل: سردا وسيرة تقليدية لمسيرة فنان، بل  يستخدم كل تقنيات الكتابة الأحترافية  في تقديم الوجه الذي لا نعرفه عن أحمد فؤاد سليم “المتامل” الفنان والمثقف وللمناضل والمحارب وكيف وفق في جمع كل هذه الصفات  وعمل طول الوقت على ان لا تكون مجرد صورة بل واقع لسيرة عاشها، وهذا ما يذهب الرحيمي في تاكيده حينما يقول: أحمد فؤاد سليم، لم يهتم طوال حياته بالتمثيل وحسب، بل اهتم جيدا بالأفكار والمضامين، واشترط عادة ألّا تتعارض مع قيم الإنسان الإيجابية، فإذا جاءته شخصية توحي بقبحٍ، يستنهض جُلّ قدراته ليدفع الجميع لاستقباح أفعالها، ليحقق نقيض تأثيرها على الناس، ويضمن رفضهم وكراهتهم لها، مثلما فعل في شخصية “الشيخ رياض” المنافق بفيلم “المصير”، وكذا، قد لا يعجبه مضمون عمل في إجماله، لكنه يقبل شخصية فريدة، تقدم معنى نبيلا وحدها ضمن ذلك العمل، لأنه يراهن طوال الوقت على المضمون. في “المتأمل” ذهب الرحيمي لتقيم احوارًا مطولًا مع سليم، تجلى فيه كاشفًا عن ذاته، ناقدًا للفن المعاصر، ومتأملًا في الوجود ومآلاته، بتعبيرات تقطر صدقًا.
محطات فاصلة.. وشهادات حيةفي الكتاب، يتحدث سليم عن محطات فارقة، مثل تحوله من الأداء الكلاسيكي إلى الأداء الصادق الطبيعي، وتأثره العميق بيوسف شاهين الذي وصفه بـ”الممثل المفضوح”، ونصحه بالاقتصاد في التعبير والانفعال، وهي نصيحة غيّرت منهج تمثيله إلى الأبد.وقد روى سليم كيف جاء تعاونه مع يوسف شاهين ” شاءت المصادفة قبل سفري إلى السعودية أنني ذهبت لمشاهدة مسرحية “لعبة الموت” للأستاذ “توفيق الحكيم”، وبطولة “خالد النبوي”، وإخراج “أبو بكر خالد” الله يرحمه، وكان “يوسف شاهين” هناك في الليلة نفسها، ذهب ليشاهد خالد النبوي، وجلس بجانبي بالصدفة في مسرح الغرفة بالدور الثاني في المسرح القومي، غرفة مثل الحلبة، وبعد المسرحية كنا نازلين على السلم، فأشار نحوي خالد النبوي وقال ليوسف شاهين: ده أحمد فؤاد سليم الّلي كلّمتك عنه.بصّ لي وقال: انت بتطلع في إيه؟ في البوتاجاز ولا في التليفزيون ولا في إيه بالضبط؟.قلت له: على فكرة انت مبتتفرجش كويس ودي حاجة مش كويسه لمخرج كبير مثلك، أنت يا أستاذ مخرج عظيم ويشار إليك بالبنان، لكن لازم تتفرج عشان تعرف الناس، وعلى فكرة يا أستاذ شخصية “قناوي” اللي انت عملتها في “باب الحديد” لم تعجبني، لأنك كنت من جوّاك خواجة وانت بتأديها!!.قال: بتقول إيه يا حمار؟.قلت له: قناوي كان من الخارج شكل قناوي لكن من جوّه خواجة!.فقال لي: انت رايح فين؟.قلت له: مروّح.قال: لا تعالوا أعشيكم.ويحكي عن تجربته في مسرحية “سنوحي” وكيف تصدى لمحاولات المخرج الصهيوني الأوكراني “تيمور أباشيدزي” لتزوير التاريخ المصري، مؤكدًا أن الفنان الحقيقي لا ينفصل عن وعيه الوطني، ولا يتساهل في القضايا المصيرية.الفن والانتماء.. ضد التطبيع والمُزيفيعبّر سليم، في أكثر من موضع، عن موقفه الحاد من الصهيونية، ومن أشكال التطبيع الثقافي، مستندًا إلى تجربة شخصية حافلة، كان فيها جنديًا في أكتوبر، وشاهدًا على زمن الانتصار. يقول بوضوح: “ما زال عندي وطن محتل اسمه فلسطين، ولن أتصالح مع من يحتلّه”. ويحمّل الفن مسؤولية الدفاع عن القيم، والانحياز للحق، ورفض التزييف.يؤكد الرحيمي  في ” المتأمل” على ان هذا فنان يستحق التكريم عن جدارة، ليس لإجمالي أعماله وحسب، بل لمواقفه الإنسانية والوطنية، ولقدرته على تطوير نفسه طوال مسيرته، فلم يتوان لحظة عن تثقيف ذاته، مثلما يوقن أنه يشارك في تثقيف الناس بالفن الراقي الذي يقدمه.