مصر، فرنسا، وتنظيم الإخوان المسلمون

مصر، فرنسا، وتنظيم الإخوان المسلمون

يأتى الاتصال الذى تلقاه، مؤخرًا، الرئيس عبدالفتاح السيسى من نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون فى إطار العلاقات المصرية الفرنسية المتميزة، وهى تحمل بعدًا استراتيجيًا عميقًا يتجاوز التعاون التقليدى، ليشمل شراكة فعّالة فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. فكلا البلدين يتقاسم رؤى مشتركة حول أهمية الاستقرار فى منطقة المتوسط والشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز التنمية المستدامة. وتتجلى هذه الشراكة فى التعاون الأمنى والدفاعى وتبادل الخبرات، إضافة إلى التنسيق الدبلوماسى المستمر فى المحافل الدولية. وتزداد هذه العلاقات قوة ومتانة فى ظل التحديات الأمنية العالمية الراهنة، على رأسها مكافحة الإرهاب. فى هذا السياق، تبرز تجربة مصر الرائدة فى مقاومة جماعة الإخوان الإرهابية كنموذج يمكن لفرنسا أن تستفيد منه بشكل كبير فى سعيها لمواجهة التطرف والإرهاب على أراضيها وفى المنطقة. لقد واجهت مصر تحديات كثيرة من هذه الجماعة، من عمليات اغتيال واضطرابات سياسية، وصولًا إلى الأعمال الإرهابية الصريحة التى استهدفت المدنيين وقوات الجيش والشرطة. وقد أدت هذه التجربة الطويلة إلى اكتساب مصر خبرات فريدة فى فهم آليات عمل الجماعة، واختراقها المجتمعات، وتجنيدها الأفراد، وتمويلها أنشطتها، وتحويلها الخطاب الدينى إلى أدوات تحريض على القتل والعنف والكراهية.وتعد هذه الخبرة المصرية ذات قيمة عالية لفرنسا، التى تواجه تحديًا متزايدًا من التطرف على أراضيها. فقد شهدت فرنسا فى السنوات الأخيرة عددًا من الهجمات الإرهابية المروعة التى نفذتها جماعات متأثرة بالفكر المتطرف، التى تتبناها جماعة الإخوان. فى هذا السياق، يمكن لفرنسا أن تستفيد من النموذج المصرى فى عدة جوانب. ويمكن لمصر أن تقدم لفرنسا تحليلًا عميقًا عن الجذور الأيديولوجية لجماعة الإخوان والفكر المتطرف الذى تتبعه تنظيمات مثل القاعدة وداعش، والذى غالبًا ما يستلهم من أدبيات الإخوان. هذا الفهم الشامل يمكن أن يساعد فرنسا فى تحديد بؤر التطرف داخل مجتمعاتها، وتطوير استراتيجيات لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة على المستويين الفكرى والثقافى. فمصر لديها مؤسسات دينية عريقة تعمل على تفكيك الخطاب المتطرف، وتقديم تفسير وسطى للإسلام، وهو ما يمكن أن يكون له صدى فى فرنسا التى تضم جالية مسلمة كبيرة.وتتمتع الأجهزة الأمنية المصرية بخبرة واسعة فى تتبع الخلايا الإرهابية، واختراق التنظيمات المتطرفة، ومراقبة أنشطتها، وتفكيك شبكاتها. هذه الخبرة الميدانية التى تم صقلها عبر سنوات من المواجهة المباشرة مع جماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات الإرهابية، يمكن أن تقدم لفرنسا رؤى قيمة حول أفضل الممارسات فى مكافحة الإرهاب، إضافة إلى تبادل المعلومات والخبرات فى مجال التحقيقات الجنائية ومكافحة تمويل الإرهاب. وهذا يعزز قدرات فرنسا على منع الهجمات الإرهابية وتفكيك الشبكات الإرهابية قبل تنفيذها. لقد أدركت مصر أن مكافحة الإرهاب لا تقتصر على الجانب الأمنى فقط، بل تمتد لتشمل مواجهة الخطاب المتطرف وتجفيف منابعه الفكرية. فى هذا الصدد اتخذت مصر خطوات جريئة لمواجهة المنصات الإعلامية التى تروج لأفكار الإخوان المتطرفة، وتعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الدين، وتعزيز قيم التسامح والاعتدال. ويمكن لفرنسا أن تستلهم من هذه التجربة لتطوير استراتيجياتها لمواجهة الدعاية المتطرفة على الإنترنت وفى وسائل الإعلام، وتقديم خطاب بديل يعزز قيم المواطنة والعيش المشترك.وقامت مصر بتحديث قوانينها لمواجهة الإرهاب وتمويله، وتجريم الانتماء للتنظيمات الإرهابية، وملاحقة داعميها. كما يمكن لفرنسا أن تستفيد من الخبرة المصرية فى صياغة تشريعات أكثر فعالية لمكافحة الإرهاب، مع الحفاظ على الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، إضافة إلى تبادل الخبرات فى مجال العدالة الجنائية ومحاكمة المتطرفين. وهذا يسهم فى بناء منظومة قضائية قوية لمكافحة الإرهاب. وتعمل مصر بفاعلية فى مكافحة الإرهاب على المستويين الإقليمى والدولى، وتشارك فى العديد من المبادرات والتحالفات الرامية إلى مواجهة هذه الظاهرة العابرة للحدود، كما يمكن لفرنسا ومصر تعزيز تعاونهما فى هذا المجال، وتبادل الخبرات فى التعامل مع التحديات الإقليمية، وتنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب فى مناطق مثل الساحل والصحراء وشمال إفريقيا، حيث ينشط العديد من التنظيمات الإرهابية التى قد تكون لها صلات بجماعة الإخوان أو مستلهمة من أفكارها.إن الاستفادة الفرنسية من التجربة المصرية فى مقاومة جماعة الإخوان ليست مجرد تبادل للخبرات الأمنية، بل فرصة أعمق لفهم شامل لظاهرة التطرف والإرهاب وكيفية مواجهتها على المستويات الفكرية والاجتماعية والقانونية.تتمتع الأجهزة الأمنية المصرية بخبرة واسعة فى تتبع الخلايا الإرهابية واختراق التنظيمات المتطرفة ومراقبة أنشطتها