الاستثمار، القدرة التنافسية، ورواية التنمية

الاستثمار، القدرة التنافسية، ورواية التنمية

موجهًا بسرعة الانتهاء من إعداد «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»، ومشددًا على ضرورة وضع مستهدفات محددة ورؤية واضحة لتطوير كل شركات قطاع الأعمال العام، أنهى الرئيس عبدالفتاح السيسى اجتماعين، عقدهما الأحد والإثنين، مع الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، ونائبه للتنمية الصناعية، الفريق مهندس كامل الوزير، وزير الصناعة والنقل، ووزراء المالية، والاستثمار والتجارة الخارجية، وقطاع الأعمال العام، والتخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى.
تناول اجتماع الأحد الخطوات التنفيذية، الجارى اتخاذها، لتعزيز تنافسية الاقتصاد المصرى وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، من خلال استراتيجية استثمار وطنية موحدة، تشمل إجراء الإصلاحات الهيكلية اللازمة، ووضع أهداف محددة، وتطبيق سياسات واضحة ومستقرة، وسياسات مالية محفزة، وسياسات تجارية منفتحة، وتوفير الطاقة اللازمة للاستثمار، وتشجيع القطاع الخاص، ومواصلة جهود التحول الرقمى كركيزة أساسية للتطوير. كما تطرق الاجتماع، أيضًا، إلى الجهود المبذولة لتخفيف الأعباء عن المستثمرين، خاصةً فيما يتعلق بتبسيط وتسهيل إجراءات التراخيص من خلال إطلاق منصة موحدة تقدم خدمة التراخيص الإلكترونية للمستثمرين، وتخفيف الأعباء المالية غير الضريبية المفروضة على الشركات. وفى هذا السياق، شدّد الرئيس على أهمية مواصلة العمل على تحسين مناخ الاستثمار، والعمل على تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمى لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفقًا للأولويات الوطنية.
بدأت المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل، سنة ٢٠١٦. وسنة ٢٠٢١، تم إطلاق المرحلة الثانية، أو مرحلة الإصلاحات الهيكلية، المقرر أن تنتهى فى أبريل ٢٠٢٦، والتى تستهدف زيادة حصيلة إيرادات الدولة الدولارية بنحو ٧٠ مليار دولار، لتصل إلى حدود ١٩١ مليارًا، من بينها ٨٨ مليارًا صادرات سلعية، غير بترولية، و٢٠ مليارًا من قطاع السياحة، و٤٥ مليارًا تحويلات المصريين بالخارج، و١٣ مليارًا استثمارات أجنبية مباشرة، و١٧ مليارًا عائدات قناة السويس والخدمات البحرية، و٩ مليارات دولار من خدمات أو «صناعة التعهيد»، تعنى، ببساطة، تقديم الخدمات وإدارة نظم الأعمال عبر وسيط متخصص، تتوافر لديه القدرات والخبرات الفنية اللازمة.
هذه الأرقام، نرى أن بإمكاننا تحقيقها، بل تخطيها، فى ظل منظومة الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف التى وقعتها مصر مع عدد كبير من الدول والتكتلات الاقتصادية، والفرص الهائلة التى تتيحها اتفاقية «منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية»، والشراكات مع الدول العربية، التى كان أبرزها، مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة، التى أطلقتها مصر والإمارات والأردن، ثم انضمت إليها، لاحقًا، البحرين والمغرب، والتى لا تزال مفتوحة لانضمام المزيد من الدول الشقيقة الراغبة فى تطوير قطاعها الصناعى. وكذا، انضمام مصر إلى تجمع «بريكس»، وحرصها على الانخراط بشكل فاعل فى جميع آليات عمل التجمع، لطرح رؤاها ومقترحاتها بشأن سبل تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء التى تضمنت دفع جهود التحول الصناعى، وتكثيف التعاون فى مجالات الطاقة والأمن الغذائى ونقل التكنولوجيا واللوجستيات، وإنشاء صلات مؤسسية بين الهيئات المعنية بالاستثمار فى الدول الأعضاء، ودعم آليات إصلاح النظام الاقتصادى العالمى، ودفع الجهود لزيادة تمثيل الدول النامية فى الأطر المالية والنقدية الدولية، وتعزيز الروابط بين التجمع والقارة الإفريقية، و… و… وتكفى الإشارة، مثلًا، إلى أن لدى مصر، الآن، نحو ٤٠ ألف شركة تابعة للدول الخمس المؤسسة لـ«بريكس»، ومن المتوقع، طبعًا، أن يزيد هذا العدد، مع تنفيذ خطط التعاون الاقتصادى والاستثمارى بين الدول الأعضاء. 
هناك، أيضًا، آليات مختلفة، لتعميق العلاقات واستغلال الفرص الاقتصادية التكاملية وتعزيز وتطوير التعاون المستقبلى، تتيحها اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، منتديات الأعمال، واللجان العليا المشتركة، التى تجمع بين مصر ودول من مختلف قارات العالم: ٣٠ لجنة مع دول أوروبية، و١٤ لجنة مع الدول العربية، و٩ لجان إفريقية، و٨ لجان مع دول آسيوية، إلى جانب ٧ لجان مع دول أمريكا اللاتينية. وكل هذه اللجان، أو غالبيتها، أعيد تفعيلها، منذ منتصف ٢٠١٤، فى ظل الجهود، التى قامت، وتقوم، بها دولة ٣٠ يونيو، لتعزيز العلاقات مع مختلف الشركاء الدوليين، وزيادة الاستثمارات المشتركة فى المجالات ذات الأولوية، التى تنتج كميات كبيرة، بنسبة مكون محلى عالية، وتوفر الكثير من فرص العمل، وتُدِر موارد ضخمة من النقد الأجنبى، وتنعش قطاعات إنتاجية عديدة. فى السياق ذاته، تناول رئيس مجلس الوزراء، أمس الثلاثاء، مع الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية، جهود متابعة تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية مع عدد من الدول العربية والإفريقية الشقيقة، والتحضيرات الجارية لعدد من اللجان العليا المشتركة. 
تأسيسًا على ذلك، ومع مناقشة الجهود المبذولة لزيادة الصادرات المصرية، بما فى ذلك تطور الصادرات غير البترولية، جرى خلال اجتماع الأحد، استعراض مدى مساهمة الصادرات المصرية فى الاقتصاد المصرى، منذ سنة ٢٠٠٣ إلى ٢٠٢٤، والمستهدفات التصديرية التى تشمل قطاعات جديدة، والسعى إلى زيادة تنافسية وجاذبية المنتجات المصرية فى الأسواق العالمية، والجهود المبذولة للاستثمار فى البنية التحتية الداعمة للصادرات. كما تناول الاجتماع، أيضًا، تطورات مشروع إنشاء محطة الصب الجاف غير النظيف بميناء أبوقير البحرى فى إطار جهود تحويل مصر إلى مركز عالمى للنقل واللوجستيات وتجارة الترانزيت، كما تم استعراض دراسة إنشاء محطة لوجستية لاستقبال وتداول الحديد الخام والبليت بمنطقة الأدبية، وذلك فى إطار جهود تحويل مصر إلى مركز عالمى لصناعة الحديد والصلب.
المهم، هو أن «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»، التى وجّه الرئيس بسرعة الانتهاء من إعدادها، تتسق مع «رؤية مصر ٢٠٣٠»، وسياسات الإصلاح الاقتصادى الجارى تنفيذها، وتهدف إلى بناء اقتصاد قوى، منتج، مُولّد لفرص العمل المستدامة، وقادر على التصدير، بالتركيز على التصنيع، وتطبيق الإصلاحات الهيكلية اللازمة لدفع الاقتصاد، وتحقيق استقرار الاقتصاد الكلى والمالى، والتنسيق الكامل بين مختلف الوزارات والجهات، لتحقيق تكامل حقيقى بينها، وتعزيز الاستثمار الأجنبى المباشر، ودعم القطاع الخاص، لكى يكون المحرك الرئيسى لتحقيق التنمية ورفع معدلات الإنتاج، سواء بتحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات وإزالة العقبات البيروقراطية، أو بزيادة الشفافية والحوكمة الاقتصادية، أو بتحقيق شفافية أعلى فى الشركات المملوكة للدولة، فى إطار جهود فصل الملكية عن الإدارة.
من هذا المنطلق، جرى إطلاع الرئيس، خلال اجتماع الأحد، على الجهود المبذولة لدراسة وتحسين أوضاع الهيئات الاقتصادية وإعادة هيكلتها، إضافة إلى استعراض الجهود المشتركة مع الاتحاد الأوروبى، ارتباطًا باتفاق آلية مساندة الاقتصاد الكلى ودعم الموازنة العامة. كما جرى، أيضًا، تناول تطورات عمل «صندوق مصر السيادى للاستثمار والتنمية»، بما فى ذلك الإطاران التشغيلى والتشريعى، لتعظيم قيمة الشركات التابعة له. ولدى مناقشة جهود حصر ومتابعة الشركات المملوكة للدولة، وجّه الرئيس بضرورة مواصلة العمل على تعظيم العائد من أصول الدولة، وزيادة قيمتها الاستثمارية، وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصرى، من خلال إدارتها بفاعلية عبر استراتيجيات مبتكرة وشراكات مع القطاع الخاص. ولعلك تعرف أن صندوق مصر السيادى، حسب المادة الثالثة من قانون إنشائه، الصادر فى ١٨ أغسطس ٢٠١٨، يهدف إلى المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة، من خلال إدارة أمواله وأصوله وتحقيق الاستغلال الأمثل لها، وفقًا لأفضل المعايير والقواعد الدولية، لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال ‏القادمة. 
يدعم الصندوق، إذن، جهود الحكومة فى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ولا يستهدف خصخصة أو بيع أصول أو شركات مملوكة للدولة، كما أشيع، أو يُشاع، بسوء أو بحسن نية، بل يهدف إلى تطويرها وتحقيق الاستغلال الأمثل لها، بمشاركة الصناديق النظيرة، العربية والدولية، والقطاع الخاص، المحلى والأجنبى. وعليه، جرى، خلال اجتماع الإثنين استعراض الفرص الاستثمارية فى شركات قطاع الأعمال، والجهود المبذولة، والإجراءات المتخذة، لتحقيق الإصلاح الشامل والمُمنهج لشركات قطاع الأعمال العام، للنهوض بأدائها وتعزيز استدامتها، وربطها بـ«رؤية مصر ٢٠٣٠»، وبرنامج عمل الحكومة، و«وثيقة سياسة ملكية الدولة»، بهدف تحقيق أعلى عائد لاستثمارات الدولة فى الشركات التابعة، وتعزيز مُساهمتها فى الناتج القومى، كما تم عرض خطة هيكلة العمالة بالشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام.
جرى خلال اجتماع الإثنين، أيضًا، إطلاع الرئيس على التقدم الذى تم إحرازه فى تنفيذ استراتيجية العمل، التى تتبناها وزارة قطاع الأعمال للفترة من ٢٠٢٤ إلى ٢٠٢٧، بما فى ذلك مساهمات والتزامات شركات قطاع الأعمال العام بدعم موازنة الدولة، والمشروعات الاستراتيجية الجارى تنفيذها لتنمية الأصول. وعرفنا أن الوزارة تقوم بتنفيذ ١٥٧ مشروعًا فى محاور مختلفة، وأن إيراداتها السنوية تضاعفت بنسبة تزيد على ٣٠٠٪ منذ السنة المالية ٢٠١٤/٢٠١٥، أى خلال السنوات العشر الماضية، و… و… وأملًا فى تحقيق المزيد، وجّه الرئيس بمُواصلة العمل على تطوير وتحسين أداء الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام، وأسلوب العمل والإدارة بها، وتعظيم عوائد الأصول، خاصةً من خلال تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص ومُواكبة التطور التكنولوجى، مع الالتزام بالمعايير الدولية للجودة والاستدامة والتطوير المُستمر والسلامة المهنية وحماية البيئة، والارتقاء بالعنصر البشرى وتنمية مهاراته، كما وجه بضرورة وضع مستهدفات مُحددة، تقوم على رؤية واضحة، لتطوير كل الشركات التابعة للقطاع.

إلى ما سبق، يمكنك أن تضيف أن برنامج الطروحات الحكومية، الذى يجرى تنفيذه فى إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة، يهدف بالأساس إلى تمكين القطاع الخاص، وتوسيع مشاركة المستثمرين، المصريين والأجانب، فى ملكية عدد من المؤسسات العامة، التى ستُعاد هيكلتها وسيرتفع رأسمالها، وبالتالى سيزيد إنتاجها وستوفر مزيدًا من فرص العمل، وستسهم فى تعزيز دوران عجلة الاقتصاد، وتوفير مساحة مالية كافية، لتوسيع مظلة الحماية، للفئات الأولى بالرعاية. وهذا بالضبط هو أبرز أهداف رؤية مصر ٢٠٣٠: خلق اقتصاد تنافسى، متوازن ومتنوع، يقوم على الابتكار ويحقق الاكتفاء الذاتى والعدالة الاجتماعية.
الاجتماع تناول، كذلك، آخر المُستجدات المُتعلقة بتنفيذ المشروع القومى لتطوير صناعة الغزل والنسيج، فى إطار خطة الدولة لاستعادة الدور المحورى لهذه الصناعة، والتطورات المرتبطة برفع كفاءة أصول شركات قطاع الأعمال العام فى هذا المجال، وبما يؤدى إلى تطوير وتوطين صناعة الغزل والنسيج والملابس. إضافة إلى موقف تطوير خامات تصنيع القطن طويل وقصير التيلة والبوليستر، وموقف العمالة بشركات الغزل والنسيج المطورة، وتطورات التفاوض لجذب مستثمرين أجانب فى هذا القطاع. كما تناول الاجتماع، أيضًا، الجهود التى تقوم بها وزارة قطاع الأعمال العام فى قطاع التعدين، واستعراض تطورات المشروعات المختلفة، التى تقوم «الشركة القابضة للصناعات المعدنية»، وفرص الاستثمار ذات الصلة. وفى السياق ذاته، تناول الاجتماع جهود وزارة قطاع الأعمال العام إزاء شركة النصر للسيارات، والمشاريع ذات الصلة بإنتاج سيارات النقل الجماعى وسيارات الركوب، كما تناول الاجتماع تطورات أعمال «الشركة القابضة للصناعات الكيماوية» والمشروعات الجارية فى هذا المجال، و«الشركة القابضة للأدوية والمستلزمات الطبية»، فى إطار توجه الدولة لدعم وتوطين صناعة الأدوية والكيماويات والمستحضرات الطبية، و… و… وصولًا إلى جهود الوزارة فى تنفيذ المشروعات المتعلقة بقطاع السياحة. 
.. أخيرًا، واستنادًا إلى ما أظهرته ملامح «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»، وما ستوضحه تفاصيلها، ومحاورها، حال إطلاقها، وبالنظر إلى وجود شبكة واسعة من اتفاقيات التجارة، تتيح وصول المنتجات المصرية، وما يتم إنتاجه على أرض مصر إلى أكثر من ١.٥ مليار مستهلك، و… و… ومع الطفرة، أو النقلة النوعية، التى تحققت فى تطوير أو إعادة تأهيل البنية التحتية، وتوافر العمالة المدربة فى العديد من القطاعات الحيوية- نرى أن الرئيس السيسى، لم يكن يبالغ حين قال، منذ أيام، لعدد من مسئولى كبرى الشركات الأمريكية، إن الاستثمار فى مصر يُعد فرصة لأى مستثمر، فى ظل حالة الاستقرار السياسى، وما تتمتع به الدولة من استقرار مجتمعى «توعوى»، قائم على وعى مواطنيها وصلابتهم فى تحمل الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة القاسية، التى تم تطبيقها، تحقيقًا للمصلحة العامة، فى مواجهة الظروف السياسية الصعبة، التى مرت بها المنطقة، وما ترتب عليها من تداعيات.