مصر ونشأة القداسة: احتفال دخول العائلة المقدسة

مصر ونشأة القداسة: احتفال دخول العائلة المقدسة

في حضن الأرض الطيبة، وعلى ضفاف النيل المبارك، سطرت مصر فصلًا فريدًا من فصول السلام، حين فتحت ذراعيها لاستقبال أطهر الرحلات عبر التاريخ، رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، لم تكن هذه مجرد رحلة للهروب من بطش ملك ظالم، بل كانت زيارة سماوية سكنت الزمان والمكان، وجعلت من أرض الكنانة مزارًا تفوح فيه رائحة القداسة.
وجاءت السيدة العذراء مريم، تحمل على ذراعيها طفلها السيد المسيح، ويجاورها القديس يوسف النجار، يسيرون وسط المخاوف، لكن قلوبهم مملوءة بالإيمان، وجباههم مرفوعة برجاء لا ينكسر. دخلوا من رفح، وساروا في طرقات مصر، من العريش إلى المطرية، ومن بلبيس إلى سمنود، ومن وادي النطرون إلى دير المحرق بجبل قسقام، حيث مكثوا أطول فترة في رحلتهم المباركة.
في كل مكان وطأته أقدامهم، تفجرت بركات، وزُرعت أنفاس سماوية. تحوّلت المغاور إلى أديرة، والينابيع إلى آبار مقدسة، وصارت شجرة المطرية شاهدة على الطفل يسوع، وجذوع النخيل ترتجف من رهبة العائلة المقدسة.
إن عيد دخول العائلة المقدسة إلى مصر ليس فقط مناسبة دينية، بل هو تاج من تيجان  الحضارة المصرية، الذي يروي كيف احتضنت مصر العائلة المقدسة، وكيف أن أرض الفراعنة كانت الملجأ الذي اختاره الله، ليحتموا بها من الشر.
هذا الحدث، في عمقه، هو رسالة سلام ومحبة وتاريخ مشترك بين السماء والأرض، بين الروح والمكان، ويذكّرنا بأن مصر، التي احتضنت الحضارات وبنت المعابد، فتحت أيضًا قلبها وبيوتها للقداسة، فصارت أرضًا مباركة من الله.
في زمن تتعالى فيه الأصوات بالفرقة والاضطراب، يعيدنا هذا العيد إلى جوهر الثقافة المصرية الأصيلة: التسامح، الاحتواء، وقداسة الضيافة. فثقافتنا لم تكن يومًا انعزالًا، بل تفاعلًا مع المبارك، مع التاريخ، مع الإنسان.
وفي هذا اليوم المجيد، تُضاء الكنائس، وتُرفع الصلوات، وتدق الأجراس بذكرى تلك الرحلة التي جعلت من مصر أرضًا تجلّى عائلة مقدسة. فليكن هذا العيد دعوة لتجديد العهد مع الوطن، ومع القيم التي جاء بها السيد المسيح: المحبة، السلام.