إعادة هيكلة وزارة التعليم العالي

إعادة هيكلة وزارة التعليم العالي

لدينا وزارات فى قلب المواجهات الساخنة دائمًا، والوزراء المسئولون عنها حاضرون دائمًا عند الرأى العام. مشتبكون فى قضايا عديدة، سلبًا وإيجابًا. أبرز وزارات هذا النوع، التربية والتعليم والصحة والتموين والأوقاف والمالية والخارجية والداخلية. هناك وزارات فى مكانة خاصة، لا تتلقى هجومًا مباشرًا فى أى قضية. الوزراء الذين يديرونها قد يكونون متميزين، أو تنقصهم الكفاءة، لكنهم محجوبون بشكل أو بآخر عن حملات النقد أو المحاسبة على كل الأصعدة. النموذج الواضح لهذه الحالة هى وزارة التعليم العالى والبحث العلمى فى صورتها الحالية.. وقيادتها الموجودة. أى انتقاد أو خطأ فى محيط نشاطها، يذهب مباشرة للجامعة المسئولة أو المركز البحثى أو الأكاديمية التى شهدت الواقعة، ولا أحد ينتقد الوزير أو أداءه. أنا بالطبع لا أوجه أى نقد للوزير الأستاذ الدكتور أيمن عاشور، لكن أركز هنا فى هذا المقال على ضروة التصدى لمجمل أعماله هو والوزير السابق الأستاذ الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء وزير الصحة. عاشور يستكمل سياسات عبدالغفار بإخلاص دون زيادة ولا نقصان. وفى السنوات الثمانى الأخيرة شهدت منظومة التعليم العالى والبحث العلمى تغييرات جذرية، غيرت من ملامحها وتوجهاتها القومية تمامًا، ولو أن هذه التغييرات حدثت فى منظومة التعليم قبل الجامعى، لكانت ردود الأفعال أعنف بكثير ولقوبلت بهجوم مضاد وعنيف. كانت أهداف القيادة العليا كما سمعناها وقرأناها بشكل مباشر غير المتحقق تمامًا على أرض الواقع. أراد السيد الرئيس أن نستعين بأفضل الجامعات العالمية لكى ندخل معها فى شراكة أو تفتتح فروعًا لها بالعاصمة الإدارية الجديدة. ولكن الذى حدث، أن تعاقدت وزارة التعليم العالى مع جامعات خاصة عادية جدًا، حتى الجامعات الأجنبية هى عبارة عن كيانات صغيرة وغير مصنفة تمامًا. جامعاتنا العريقة تسبقها فى التصنيفات الدولية.أما أخطر ما أقرته وزارة التعليم العالى فى هذه السنوات، فهو منظومة الجامعات الأهلية. الجميع يعلم بشكل يقينى أنها ليست جامعات أهلية وفقًا للتعريفات القانونية الدقيقة، أو للشكل الطبيعى لهذه المنظومة التى عرفتها مصر من قبل.. بل قادت لبناء أول وأعرق جامعة لدينا، وهى جامعة القاهرة. الكيانات التعليمية التى ظهرت وفقًا لهذه المنظومة هى جامعات خاصة بمصاريف مرتفعة جدًا، أى أنها تخدم فئة بعينها.. لكنها مملوكة للحكومة. لا علاقة لها تمامًا بمسمى «الأهلية» الذى تحمله. ولنشرها هنا وهناك، على أساس أنها استثمار جيد للغاية، بدليل أن الجامعات الخاصة تحقق أرباحًا مليارية، جرى الضخ بسخاء من الميزانية العامة للحكومة لبنائها. سمعت من مسئول جامعى رفيع فى ندوة متخصصة أنها قد تكلفت ما يقرب من ١٠٠ مليار جنيه. منطقه فى ذلك أن وزير التعليم العالى أكد بنفسه أن ميزانية بناء ١١ جامعة أهلية بلغ ٣٥ مليارًا، فى حين أن مصر ستصل بأعداد هذا النوع من الجامعات إلى ٣٢ فى الموسم الدراسى الجديد!والخطورة فى هذا التوسع السريع فى الجامعات الأهلية أنه لم يقترن مع تخطيط واضح لخلق كوادر علمية بحثية مناسبة لكى تقدم الفارق الأكاديمى فى الجامعات الجديدة. الجامعات الأهلية بصورتها الراهنة هى عبء على الجامعات الحكومية التقليدية. وغالبية هذه الجامعات تعانى أساسًا من قلة هيئات التدريس، خاصة فى القطاعين الطبى والهندسى. الحديث يطول للغاية فى هذه النقطة..منظومات البحث العلمى تعانى هى الأخرى ولا أحد يفكر فيها. الجميع استسلم للواقع الصعب. لم أتعرض ولو لمرة لطلب إحاطة أو حتى بسؤال برلمانى حول العقبات والقيود التى تواجه البعثات العلمية للخارج، تقريبًا هى شبه متوقفة منذ سنوات، أو الإصرار على ترويض جامعات متميزة وناجحة مثل جامعة زويل. لم ألمح تحقيقًا صحفيًا عن أوضاع الجامعات أو مراكز البحث العلمى. هناك قيود هائلة عليها، خاصة فى المركز القومى للبحوث بفروعه ومجالاته العديدة.. ما دفع نسبة كبيرة من الباحثين للاستقالة أو الخروج للمعاش المبكر. هناك معلومات عن كوارث فى هذا القطاع، أرجو أن يلقى اهتمامًا حقيقيًا من الرأى العام ومن البرلمان والصحافة. كما أتمنى أن تتشكل لجان عليا من الأساتذة المخضرمين، تتبع السيد الرئيس بشكل مباشر، لتقييم وإصلاح القرارات والسياسات المتعلقة بالبحث العلمى والجامعات فى مصر.