فاروق جويدة يكتب: وداعًا الفنانة الكبيرة سميحة أيوب.. أوبريت الفن الرائع

فاروق جويدة يكتب: وداعًا الفنانة الكبيرة سميحة أيوب.. أوبريت الفن الرائع

أعترف فى البداية بأننى أحببت شعرى فى صوت وأداء وشموخ القديرة سميحة أيوب، سيدة المسرح العربى فى كل زمان. كنا نلتقى فى الأمسيات والمناسبات، وربطت بيننا صداقة جميلة. وكان يراودنى دائمًا حلم أن أراها تشدو أشعارى على المسرح.وذات يوم، قررت أن أقتحم مملكة المسرح الشعرى، وكانت قصة حب ابن زيدون وولادة تداعب خيالى منذ عبرت بى سفينة فى مضيق جبل طارق.. عادت بى الذكريات إلى أمجاد العرب فى الأندلس، حيث شيّد المسلمون حضارة استمرت أكثر من ستة قرون، ما زالت شواهدها حديث العالم حتى الآن فى العلم والعمارة والحضارة والتقدم. كنت أحيانًا أحكى مع سميحة قصة ولادة وابن زيدون. أنهيت المسرحية وذهبت إليها، وقرأناها معًا.. أبدت إعجابها وطلبت منى بعض التعديلات. جاء الدور على المبدع عبدالله غيث، فقرأ المسرحية واقتنع بها.. ثم وقع الاختيار على مخرج شاب هو فهمى الخولى.«الوزير العاشق» انطلقت فى سماء الفن العربى لتكون أيقونة زمانها. طافت أصداء المسرحية الوليدة أرجاء العالم العربى حين عرضت فى الجزائر، سوريا، الأردن، وتونس. يومها كتب يوسف إدريس فى الأهرام: «لأول مرة فى حياتى أشاهد مسرحية وأنا جالس على الأرض، وبجانبى الفنان السورى الكبير دريد لحام، فى مهرجان دمشق».كانت «الوزير العاشق» ملحمة الأندلس الخالدة وميلادى الحقيقى فى مملكة المسرح الشعرى التى شيدها شوقى وعبدالصبور والشرقاوى. كان لقاء سميحة أيوب وعبدالله غيث بعد سنوات من الغياب أكبر حدث فنى اهتزت به أركان المسارح العربية.. يومها كتبت عنها الصحافة ١٢٠ مقالًا من بينها صحف أجنبية، وترجمت المسرحية إلى عدة لغات وكانت موضوعًا لرسالة ماجستير فى جامعة مدريد باللغة الإسبانية.أعترف بأن لقاء سميحة وعبدالله فى «الوزير العاشق» كان رائعًا ومبهرًا، وشجعنى على إعادة التجربة.. وجاء اللقاء الثانى مع سميحة فى «دماء على ستار الكعبة»، بمشاركة القدير يوسف شعبان وإخراج هانى مطاوع وكوكبة من نجوم المسرح العربى.أعترف بأننى كنت أجد سميحة أمامى وأنا أكتب مشاهد المسرحية.. بل كنت أسمع صوتها.. أداؤها على المسرح كان شيئًا من الإبهار، وربما الإعجاز. هى أجمل صوت شدا على المسارح العربية، إحساسًا وصدقًا على خشبة أعرق مسارح مصر: المسرح القومى.انطلقت «دماء على ستار الكعبة» وحولها الأزمات والمشاكل أمام عنف المواجهة بين الحجاج، أشهر الطغاة العرب، والشعوب التى تطالب بالحرية والعدالة والحياة الكريمة. يومها شاهد المسرحية الإمام الشعراوى، والموسيقار محمد عبدالوهاب، والأستاذ هيكل وأحمد بهاء الدين وأعضاء مجمع اللغة العربية وفى مقدمتهم د. مهدى علام أمين عام المجمع.أضافت «دماء على ستار الكعبة» صفحة جديدة إلى تاريخ المسرح الشعرى. ويبدو أن سميحة أيوب اعتادت أن تشدو بكلماتى، وكنت أشعر بأننى محظوظ بهذه الفنانة البديعة.جاء ميعاد اللقاء الثالث مع «زلزال الخديوى»، الذى اهتزت به أركان الثقافة المصرية واقعًا وتاريخًا، إدانةً وحسابًا.. مع العبقرى جلال الشرقاوى، كان لقاء السحاب بين سميحة أيوب ومحمود ياسين.أبدع الشرقاوى وهو يرسم لوحات بديعة عن مصر الوطن، النهضة، الديون، والبيع. كانت المسرحية صرخة دامية ضد الديون والتبعية والاحتلال وعلاقة الدين بالسياسة، وأحلام الحاكم حين تتجاوز قدرات الوطن.تألقت سميحة أيوب فى «الخديوى» مع أعظم أدوار محمود ياسين، بمشاركة الموجى، فاروق الدمرداش، أشرف عبدالغفور، نيفين علوبة وحمزة الشيمى، ومدحت مرسى. ظلت أضواء المسرحية مضيئة على خشبة مسرح البالون لأكثر من مائة ليلة، ثم اختفت الأضواء بقرار غامض بحجب المسرحية.ظلت المسرحية فى سجون وزارة الثقافة ١٨ عامًا حتى تم الإفراج عنها.. أضافت «الخديوى» إلى مشوارى مع الصديقة المبدعة سميحة أيوب. كتبت لها دورًا بديعًا فى آخر مسرحياتى «هولاكو»، التى لم يفرج عنها حتى الآن، وبعد عامين من البروفات.. رحل مخرجها جلال الشرقاوى حزنًا عليها، ولا أدرى هل يفرج عنها وتعود للأضواء مرة أخرى؟لا بد أن أعترف، لو كتبت مائة مسرحية لتمنيت أن تكون سميحة أيوب بطلتها..جمعتنا الأقدار فى ثلاث مسرحيات شعرية نجحت نجاحًا ساحقًا.. سميحة كانت من أجمل حظوظ حياتى.مقدمة كتاب سميحة أيوب أسطورة المسرح العربى للكاتب الصحفى أيمن الحكيم