مصر وملتقى تمويل التنمية

مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخرًا فى الاجتماع التحضيرى للمؤتمر الرابع لتمويل التنمية الذى سيعقد فى إسبانيا خلال الفترة من ٣٠ يونيو الجارى حتى ٣ يوليو المقبل، يكتسب أهمية استراتيجية بالغة لمصر. ويهدف هذا الاجتماع التحضيرى إلى توفير الزخم السياسى المؤثر وتشجيع الاستثمار فى المشروعات.يشكل مؤتمر تمويل التنمية محطة بالغة الأهمية على الأجندة الدولية، ومناسبة حاسمة لإعادة تقييم مسار التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة الطموحة. ففى ظل التحديات العالمية المتزايدة، من الأزمات الاقتصادية وتداعيات التغير المناخى إلى الصراعات الإقليمية والأوبئة، تبرز الحاجة الملحة إلى تعبئة موارد مالية ضخمة ومستدامة لتمويل التنمية الشاملة. هذا المؤتمر ليس مجرد تجمع دورى للقادة والخبراء، بل فرصة استثنائية لبلورة استراتيجيات مبتكرة، وتعميق الشراكات، وتجديد الالتزامات الدولية لضمان تدفق التمويل اللازم للدول النامية، وتمكينها من بناء اقتصادات صامدة ومجتمعات مزدهرة. إن جدول أعمال المؤتمر الذى يتوقع أن يتناول قضايا محورية مثل الدين العام، وتعبئة الموارد المحلية، والاستثمار الخاص، والمساعدات الإنمائية الرسمية، وتمويل العمل المناخى، يعكس حجم التعقيدات والترابطات التى تميز مشهد التمويل التنموى فى القرن الحادى والعشرين.تكمن الأهمية الجوهرية لمؤتمر تمويل التنمية فى كونه منصة رئيسية لمواجهة الفجوة التمويلية الهائلة التى تعوق تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتقدر هذه الفجوة بتريليونات الدولارات سنويًا، وهى فجوة تتسع بفعل الصدمات الاقتصادية العالمية، وارتفاع تكاليف الاقتراض والضغوط على الموازنات العامة فى العديد من الدول النامية. ويسعى المؤتمر إلى معالجة هذه الفجوة من خلال استكشاف حلول متعددة الأبعاد. ويركز على تعزيز القدرة الذاتية للدول النامية على تعبئة مواردها المحلية، من خلال تحسين الأنظمة الضريبية، ومكافحة التهرب الضريبى، وتعزيز الشفافية والحوكمة. ويناقش سبل تعبئة الاستثمارات الخاصة، التى تعد محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادى وخلق فرص العمل، وذلك من خلال تحسين بيئة الأعمال، وتقديم حوافز للاستثمار المسئول، وتطوير آليات لتقاسم المخاطر بين القطاعين العام والخاص. ومن المنتظر أن يشدد المؤتمر على أهمية الوفاء بالتزامات المساعدات الإنمائية الرسمية من قِبل الدول المانحة، وضرورة توجيه هذه المساعدات نحو الأولويات التنموية للدول المتلقية، مع التركيز على بناء القدرات المؤسسية والبشرية. كما يعد المؤتمر فرصة حيوية لمعالجة قضية الدين العام المتفاقمة فى العديد من الدول النامية، التى تشكل عبئًا كبيرًا على موازناتها وتعوق قدرتها على الاستثمار فى التنمية. ومن المتوقع أن تناقش آليات لتخفيف عبء الديون، وإعادة هيكلتها، وتطوير أدوات تمويل مبتكرة. كما سيركز المؤتمر على تمويل العمل المناخى، حيث تتطلب الدول النامية استثمارات ضخمة للتكيف مع تداعيات التغير المناخى والتخفيف من آثاره. وتسهم مخرجات مؤتمر تمويل التنمية فى صياغة الأجندة المالية الدولية للسنوات المقبلة. فالقرارات والتوصيات الصادرة عن المؤتمر تقدم إطارًا للمؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، لتوجيه برامجها وسياساتها. كما أنها ترسل إشارة واضحة للمستثمرين والقطاع الخاص حول التزام المجتمع الدولى بدعم التنمية المستدامة. ولا بد أن يناقش المؤتمر تعزيز الشفافية والمساءلة فى استخدام الموارد المالية، وضمان أن توجه الاستثمارات نحو القطاعات ذات الأولوية التى تحدث أكبر تأثير إيجابى على حياة الناس، مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية المستدامة، والتحول الرقمى. إن بناء نظام مالى عالمى أكثر عدالة وشمولًا واستدامة يعد هدفًا محوريًا للمؤتمر.وبالنسبة لدولة مثل مصر، تشكل مشاركتها الفاعلة فى مؤتمر تمويل التنمية أهمية قصوى. فمصر التى تعد قوة اقتصادية إقليمية وتسعى جاهدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يمكنها أن تلعب دورًا فى صياغة مخرجات المؤتمر. وتقدم التجربة المصرية فى مجال الإصلاح الاقتصادى، ومشروعات البنية التحتية الضخمة، وجهود تعبئة الاستثمار الخاص، وتنويع مصادر التمويل، نموذجًا يمكن للدول الأخرى أن تستفيد منه. كما أن مصر، بحكم رئاستها العديد من التكتلات الإفريقية والعربية، يمكنها أن تقدم صوتًا قويًا للدول النامية، وتعبر عن أولوياتها واحتياجاتها التمويلية. كما تتيح المشاركة فى المؤتمر فرصة لمصر لعرض مشروعاتها التنموية الكبرى، مثل مشروعات الطاقة المتجددة، والمدن الذكية، ومبادرات التنمية الريفية، أمام مجتمع المانحين والمستثمرين، ما قد يسهم فى جذب التمويل اللازم لها.