مشروع رقمي متوقف.. وتعليقات تثير الاستفسارات

مشروع رقمي متوقف.. وتعليقات تثير الاستفسارات

توقعت، بكل صراحة، أن يرد الزميل عضو مجلس النقابة محمد الجارحي ردًا مؤسسيًا على ما كُتب حول تعثر تطبيق النقابة الإلكتروني، وأن يغتنم الفرصة لتقديم توضيحات فنية أو جدول زمني للاستئناف، أو حتى شرح أسباب التوقف الحالي.لكنني فوجئت أن الرد لم يخرج عن دائرة التعليقات “الفيسبوكية”، متجاوزًا مضمون النقد إلى تسفيه ما كُتب، والتشكيك في الدوافع، بل والحديث عن “تكليف” و”مواءمات”، في إشارة لا تخلو من اتهام ضمني.

تعليق الزميل محمد الجارحي

وبما أن الزميل اختار هذا الأسلوب، فلا مفر من وضع الكلمات في سياقها الطبيعي، لا الشخصي: نحن لسنا في سجال بين أفراد، بل في مساحة رأي ونقد تخص كل عضو في الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين.

التوقف ليس استنتاجًا.. بل قرار رسمي موثّق

لنبدأ من الواقع: النقابة أصدرت قرارًا إداريًا رسميًا موقعًا من النقيب خالد البلشي بتاريخ 12 مايو 2025، يوجّه فيه الإدارات إلى وقف تحديث البيانات ودفع الاشتراكات لمدة أسبوع، لنقل البيانات إلى النظام الرقمي الجديد.هذا القرار – المرفق أدناه – ينص بوضوح على أن الخدمات ستتوقف حتى يوم الاثنين 19 مايو 2025، وهو ما يعني اعترافًا صريحًا بأن المنظومة الرقمية خرجت عن الخدمة مؤقتًا.

لكننا اليوم في الخامس من يونيو 2025، أي بعد مرور أكثر من أسبوعين على الموعد المعلن لاستئناف الخدمات… والتطبيق لا يزال معطّلًا، والخدمات الرقمية لم تعد، ولم يصدر أي بيان يفسر لماذا تأخر الموعد المعلن.فهل يحق بعد ذلك أن نُسأل: “من أين جئت بفكرة أن النظام لا يعمل؟”

هل أي نقد يعني مؤامرة؟ وهل الرأي بحاجة إلى إذن؟

رغم أن المادة المنشورة مقالة رأي واضحة، فوجئت بأن الزميل افترض أنها “تكليف”.
فهل أصبح من حق أعضاء المجلس أن يصنّفوا أي نقد على أنه مأجور أو موجه؟
هل صارت المساءلة “عارًا”، والمقال “سوء نية”؟
أليس من حق أي عضو بالجمعية العمومية أن يسائل المجلس على مشروعاته، لا سيما إذا كانت ممولة من ميزانية النقابة؟ وهل ننتظر موافقة من المسؤول حتى نُبدي رأيًا أو نحلّل تجربة؟!

من يحدد ما هو المقال؟!

اعتبر الزميل أن المادة المنشورة “ليست مقالًا ولا تقريرًا ولا استقصاءً”.
لكن من قال إن الصحافة تُدار بالتوصيفات الشكلية؟ ما نُشر كان مقالًا تحليليًا، معتمدًا على معلومات علنية، وتصريحات منشورة، وبيانات رسمية، وكلها صادرة من المجلس نفسه، ومن النقيب، ومن الشركة المنفذة، فضلًا عن متابعة أعضاء النقابة اليومية لحالة التطبيق.وإذا كان المقال مدعومًا بأرقام وتصريحات ووثائق – مثل القرار الإداري سالف الذكر – فما الذي تبقى لتصنيفه سوى أنه مادة رأي موثقة وتحترم عقل القارئ؟

800 ألف أم 13 مليون؟ الأرقام لا تُنتقى حسب الحاجة

قال الزميل إن المشروع لم يُكلّف سوى 800 ألف جنيه فقط. وهنا وجب التوضيح:
المبلغ المدفوع حتى الآن، كما جاء في رده، لا يمثل التكلفة الإجمالية، بل دفعة من عقد أكبر.فقد صرّح النقيب خالد البلشي نفسه – في أكثر من حوار – بأن تكلفة المشروع الإجمالية تبلغ 13.6 مليون جنيه، تشمل التطوير، والاستضافة، والدعم الفني لعشر سنوات. وقد نُشر ذلك في حوار رسمي على موقع درب بتاريخ 23 فبراير 2025، وقبلها في مؤتمر توقيع الاتفاق.وحتى إن لم تُدفع سوى دفعة واحدة، فإن الرقم المُعلن هو التزام مالي طويل الأجل على النقابة، ويحق لكل عضو أن يراجع ويحلّل، ويسأل: هل النتيجة الحالية توازي هذا الالتزام؟ وهل أُجري تقييم رقابي محايد قبل صرف الدفعة؟ وما خطة التنفيذ المرحلي للمشروع كاملًا؟المشكلة إذًا ليست في دقة الرقم، بل في محاولة التقليل من قيمة النقد بتحويله إلى جدل محاسبي، بينما القضية الأساسية هي: هل يعمل المشروع اليوم؟ هل أدى الغرض الذي أُنشئ لأجله؟

التهجير… دون تنويه!

يشير الرد إلى أن التوقف الحالي ناتج عن “تهجير بيانات” من نظام أوراكل القديم إلى النظام الجديد. وهذه المعلومة، بكل احترام، لم تكن خافية على أحد، بل وردت بالفعل في متن المقال الذي ناقش تحديات البنية التحتية، ومرحلة الانتقال، وفكرة أن الرقمنة لا تحدث بضغطة زر.لكن السؤال المشروع هنا:
إذا كان التهجير قيد التنفيذ، فلماذا أُطلق التطبيق أصلًا؟
ولماذا سُوّق للأعضاء على أنه مكتمل، وتم تفعيل خدمات مثل الدفع ومشروع العلاج، قبل اكتمال الترحيل؟
ولماذا لم يصدر أي بيان تنفيذي واضح يشرح الأمر للأعضاء؟
لماذا استُبدل الإعلام المؤسسي بتعليقات على فيسبوك؟

بين الفخر والمسؤولية

الزميل قال إنه عمل على هذا الملف في “صمت” لعامين، وهو “فخور” بما أُنجز. ولا أحد ينكر أن الملف ضخم، والعمل عليه ليس سهلًا، خاصة في بيئة إدارية معقدة مثل النقابة.لكن السؤال ليس عن الجهد، بل عن النتائج.
العمل النقابي يُقاس بالأثر، لا بمجرد النوايا.
والصمت في العمل لا يُغني عن الشفافية في التواصل.
والفخر لا يلغي حق الأعضاء في المراجعة.بل الأجدر، أن من يعمل على مشروع بهذه الأهمية، يُسارع هو نفسه إلى عرض ما تم، وما لم يتم، وما تأخر، وما يتطلب وقتًا… بدلًا من افتراض سوء النية في من يسأل.ما كُتب ليس هجومًا على شخص، ولا تصفية لحساب، ولا ادعاء بطولة، بل ممارسة طبيعية لحق الرأي والنقد داخل نقابة يُفترض أنها بيت حرية التعبير.وما طُرح من أسئلة لم يكن انتقاصًا، بل حرصًا على نجاح مشروع يُفترض أنه يخدم الجميع.
والذي لا يعمل لا يمكن الدفاع عنه إلا بالإجابة على السؤال الأهم:لماذا لم ينجح التطبيق حتى الآن؟ ومتى سيعود؟إن كانت الإجابات موجودة، فلن تُضيركم الشفافية.
وإن كانت هناك تفاصيل لم تُعلن، فلتُطرح علنًا.
فالمال مال النقابة، والحق للجمعية العمومية، والمحاسبة لا تقلل من الإنجاز… بل تؤكده.تحياتي.