صوت الفطنة

تعد زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى دولة الإمارات العربية المتحدة محطة مفصلية تعكس الدور المحورى والمتنامى لمصر فى معالجة الأزمات الإقليمية، وتؤكد استراتيجيتها القائمة على التهدئة والحوار سبيلًا لحل النزاعات. هذه الزيارة التى تأتى فى إطار تحديات جيوسياسية متزايدة، لم تكن مجرد لقاء دبلوماسى روتينى، بل كانت تعبيرًا واضحًا عن التنسيق المصرى الإماراتى العميق، والذى يُشكل حجر الزاوية فى بناء رؤية مشتركة لاستقرار المنطقة. ولطالما كانت مصر، بحكم تاريخها العريق وثقلها السياسى، لاعبًا أساسيًا فى أى معادلة إقليمية، ودائمًا ما تبنت موقفًا يدعو إلى تغليب صوت الحكمة والتعاون على لغة التصعيد.إن الدور المصرى فى المنطقة لا ينبع من مصالح ضيقة أو أجندات خاصة، بل من إيمان راسخ بأن أمن واستقرار دول المنطقة لا يتجزأ، وأن أى اضطراب فى جزء منها يؤثر بالضرورة على الكل. هذا الإيمان هو الذى دفع القاهرة دائمًا إلى الانخراط الفعّال فى مبادرات التسوية، سواء على المستوى الثنائى أو المتعدد الأطراف، لإنهاء الصراعات وتوطيد دعائم السلام.وتتضح أهمية هذه الزيارة فى سياق عدة أزمات إقليمية متداخلة، حيث تُشكل زيارة الرئيس السيسى إلى الإمارات فرصة لتبادل الرؤى وتنسيق الجهود المشتركة لمواجهة هذه التحديات. فمن الأزمة السودانية التى تشهد صراعًا داخليًا يهدد بتقويض استقرار المنطقة بأسرها، إلى الأزمة الليبية التى لا تزال تراوح مكانها رغم الجهود الدولية، مرورًا بالتداعيات المستمرة للحرب فى غزة، والتى ألقت بظلالها على المشهد الإقليمى برمته، وصولًا إلى التوترات فى البحر الأحمر وما تشكله من تهديد لحركة التجارة العالمية.فى كل هذه الملفات لم تكتفِ مصر بالمراقبة، بل كانت طرفًا فاعلًا ومؤثرًا. ففى السودان قدمت مصر دعمًا إنسانيًا كبيرًا، واستضافت ملايين اللاجئين، ودعت مرارًا إلى وقف فورى لإطلاق النار والجلوس على طاولة الحوار. وفى ليبيا بذلت جهودًا مضنية لتوحيد المؤسسات الوطنية ودعم المسار السياسى، رافضة أى تدخلات خارجية تزعزع استقرارها. أما فى غزة، فكان لمصر دور تاريخى فى الوساطة لوقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، مع التأكيد على ضرورة حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.يأتى التنسيق مع الإمارات، التى تشاطر مصر رؤيتها فى أهمية الاستقرار الإقليمى، ليعزز من قدرة الدولتين على التأثير الإيجابى فى المشهد. فالعلاقات المصرية الإماراتية التى تتجاوز البعد الدبلوماسى لتشمل شراكة استراتيجية واقتصادية متينة، تمكنهما من بناء جبهة إقليمية موحدة تعمل على تعزيز الأمن الجماعى. وتدرك القيادة المصرية أن حل الأزمات الإقليمية لا يمكن أن يتم بمعزل عن التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وأن التنسيق المستمر هو مفتاح النجاح.إن زيارة الرئيس السيسى إلى الإمارات لم تكن مجرد عرض للعلاقات الثنائية، بل كانت منصة لإعادة تأكيد التزام مصر بدورها الفعال فى المنطقة، وسعيها الدءوب لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، وتقديم رؤى عملية للخروج من المآزق الراهنة. إن هذا الدور لا يقتصر على الجوانب الأمنية والسياسية، بل يمتد ليشمل الأبعاد الاقتصادية والتنموية، حيث تدرك مصر أن الاستقرار الحقيقى ينبع من التنمية الشاملة التى توفر فرصًا أفضل للشعوب، وتقلل من عوامل التطرف وعدم الاستقرار.إن الدور المصرى فى حل أزمات المنطقة لا يقتصر على الوساطة الدبلوماسية فحسب، بل يمتد إلى تقديم رؤى استراتيجية شاملة تهدف إلى معالجة جذور المشكلات وليس مجرد أعراضها. فمصر من خلال تجربتها الغنية فى التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية، تمتلك فهمًا عميقًا لديناميكيات المنطقة وتحدياتها المعقدة. هذا الفهم هو الذى يُمكنها من صياغة حلول مبتكرة تتسم بالواقعية والشمولية، كما أن التزام مصر بمبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة يضفى مصداقية إضافية على جهودها، ويُعزز من قبولها كطرف محايد ووسيط موثوق به.وتُشكل زيارة الرئيس السيسى إلى الإمارات تأكيدًا على أن مصر لا تزال وستظل اللاعب المحورى فى قلب المنطقة، وأنها على أتم الاستعداد لتحمل مسئولياتها التاريخية فى تحقيق الأمن والاستقرار، وأنها تمد يدها للتعاون مع كل من يسعى لتحقيق السلام والازدهار لشعوب المنطقة. إن هذه الزيارة فى جوهرها هى رسالة أمل مفادها أن الحوار والتفاهم هما السبيل الوحيد لتجاوز التحديات وبناء مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.