العلاقات المتزايدة بين مصر وإيران

العلاقات المتزايدة بين مصر وإيران

الاتصال الأخير الذى تلقاه الرئيس عبدالفتاح السيسى من نظيره الإيرانى مسعود بزشكيان، بمناسبة التهنئة بعيد الأضحى المبارك، يأتى فى إطار التقارب المصرى الإيرانى. وقد تناول الاتصال أهمية تجنب التصعيد فى المنطقة، والتشديد على ضرورة عدم الانزلاق فى صراع عسكرى له تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار الإقليميين.وتمثل العلاقات المصرية الإيرانية محورًا بالغ الأهمية فى خضم التوترات المتصاعدة التى تشهدها المنطقة، ففى ظل الأوضاع المتردية التى تُلقى بظلالها على الاستقرار الإقليمى، يصبح فهم ديناميكيات هذه العلاقات ومستقبلها أمرًا ضروريًا لتحليل المشهد الراهن. على الرغم من تاريخ طويل من التقلبات، الذى شهد فترات من التقارب والتباعد، فإن الظروف الحالية تفرض على كلتا الدولتين، بما لهما من ثقل سياسى ودينى وتاريخى، إعادة تقييم شامل لمصالحهما المشتركة فى تحقيق قدر من الاستقرار والتهدئة.إن المنطقة تمر بمرحلة خطيرة تتشابك فيها الأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية، من الصراعات الإقليمية المستمرة فى اليمن وسوريا وليبيا والسودان والعراق، وصولًا إلى الأزمات الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية. وفى هذا السياق يمكن للتقارب المصرى الإيرانى، حتى وإن كان حذرًا أو ضمن حدود معينة، أن يكون عاملًا مساعدًا فى تخفيف حدة التوتر، أو على الأقل فى فتح قنوات للحوار تمنع تفاقم الأزمات.وقد شهدت العلاقات بين القاهرة وطهران فترات متباينة، من التحالفات الاستراتيجية فى عهد الشاه إلى القطيعة بعد الثورة الإسلامية فى إيران عام ١٩٧٩، مرورًا بمحاولات حثيثة للتقارب فى أوقات مختلفة. هذه الخلفية التاريخية المعقدة تعكس عمق التحديات التى تواجه أى محاولة لإعادة بناء هذه العلاقات على أسس مستقرة. فالاختلافات الأيديولوجية، والسياسية، وتضارب المصالح فى بعض الملفات الإقليمية، مثلت دائمًا عوائق أمام التقارب الكامل. ومع ذلك فإن الواقع الراهن يفرض رؤية جديدة، حيث إن الأوضاع المتردية فى المنطقة، من تمدد الجماعات الإرهابية، إلى الأزمات الاقتصادية التى تعوق التنمية فى العديد من الدول، تستدعى تعاونًا إقليميًا واسعًا. فمصر وإيران تمتلكان القدرة على التأثير فى مسار الأحداث. مصر بحكم موقعها الجغرافى الاستراتيجى، وثقلها جغرافيًا وعسكريًا، وعمقها التاريخى والثقافى، تمثل ركيزة أساسية للاستقرار العربى. بينما تمثل إيران، بقوتها الإقليمية، عاملًا رئيسيًا فى تشكيل المشهد الأمنى فى المشرق العربى.يمكن للعلاقات المصرية الإيرانية أن تسهم فى تحقيق الاستقرار الإقليمى من خلال عدة محاور، حيث يفتح التقارب بينهما قنوات للحوار والتنسيق حول الأزمات الإقليمية. ويمكن أن تسهم القاهرة وطهران فى إيجاد حلول سياسية للأزمات فى سوريا واليمن والعراق. فلكل منهما مصالح فى استقرار هذه الدول، وتعاونهما يمكن أن يقلل من التدخلات الخارجية، ويسهم فى بناء توافقات داخلية، ويمكن للتعاون الاقتصادى أن يكون دافعًا للتقارب. فمصر، التى تسعى لجذب الاستثمارات، وتنويع مصادر دخلها، يمكن أن تستفيد من الفرص التجارية مع إيران، خاصة فى قطاعى الطاقة والتصنيع. وبالمثل، يمكن لإيران أن تجد فى السوق المصرية فرصًا لتنشيط تجارتها. هذا التعاون الاقتصادى، وإن كان محدودًا فى البداية، يمكن أن يسهم فى بناء الثقة وتوفير حوافز للتهدئة السياسية.كما يمكن للتنسيق الأمنى بين مصر وإيران أن يكون فعالًا فى مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة. فكلا البلدين يعانيان من تهديد الإرهاب، ولكل منهما خبرة فى مكافحة هذه الظواهر. وتبادل المعلومات، وتنسيق الجهود، يمكن أن يُضعفا من قدرة الجماعات الإرهابية على الانتشار والعمل.أما على الصعيدين الثقافى والدينى، يمكن أن تلعب مصر دورًا مهمًا فى التقريب بين المذاهب الإسلامية، بما لها من مكانة كبرى. هذا الدور يمكن أن يخفف من حدة التوتر الطائفى فى المنطقة، ويفتح آفاقًا لحوار دينى بناء يسهم فى نشر قيم التسامح والاعتدال. ولا يمكن تجاهل أهمية العلاقات المصرية الإيرانية فى ظل الأوضاع المتردية فى المنطقة. فالاستقرار الإقليمى، الذى يعد هدفًا مشتركًا للجميع، يتطلب تعاونًا بنّاءً بين الفاعلين الرئيسيين. ويمكن أن يسهم فى تخفيف حدة التوتر، وفتح آفاق لحلول سياسية للأزمات، وتأمين مصالح الشعوب فى منطقة تستحق أن تعيش فى سلام واستقرار.