أحمد طوسون يستعيد ذكرياته مع العيد: “أضاحينا تاهت… وأصبح والدي جزارًا”

أحمد طوسون يستعيد ذكرياته مع العيد: “أضاحينا تاهت… وأصبح والدي جزارًا”

تحدث الكثير من المفارقات التي يتذكرها الكتاب في طفولتهم مع الأعياد، وتظل معهم في كبرهم وكلما جاء العيد كلما استدعى هذه الذكريات لتطفو على السطح، الدستور التقت الكاتب أحمد طوسون حول ذكرياته مع العيد..

الكاتب أحمد طوسون

يقول أحمد طوسون: “على عكس عيد الفطر، الذي كنا نستقبله بأغنية “يا ليلة العيد أنستينا” و”لسه بدري والله يا شهر الصيام”، كنا نستقبل عيد الأضحى على أنغام تلبية الحجيج فوق جبل عرفات، نتابعهم من خلال شاشة التلفاز، ننتظر أذان المغرب لنفطر، بينما يردد أبي التلبية والتكبيرات بصوت خاشع، ويدعونا لنرددهما معه، وبعد الإفطار، يجلس ليحكي لنا عن ذكرياته في هذا العيد.ويضيف: “عيد الأضحى، أو كما كنا نسميه “العيد الكبير”، كان عيد الفداء والتضحية، موعدًا سنويًا ترفرف فيه الأعلام والرايات على أسطح البيوت في قرانا ومدننا الصغيرة، وتنقش زينتها على الجدران التي أعيد طلاؤها إيذانًا بأن أحد أفرادها نال شرف الحج هذا العام”.ويكمل: “ارتبط العيد الكبير بطقوس لا تُمحى من الذاكرة، ومشاهد كأنها نُقشت على جدران الروح، تظل حية نابضة في القلب مهما طال الزمن”.

ذكريات عيد الأضحى

ويواصل: “ كان أبي، رحمه الله، يشتري الأضحية قبل العيد بفترة، وغالبًا ما تكون ماعزًا نربيه في غرفة داخل البيت. ولأن والدي، كان موظفًا لا يملك خبرة الفلاحين في تربية المواشي، كان العام يمضي ونحن نرعاه ونطعمه بأقصى ما نستطيع، حتى نصل إلى العيد وقد صرفنا عليه أضعاف ثمنه”.ويكمل: “والطريف أن الماعز، رغم كل هذا الإنفاق، لم يكن يزداد وزنًا إلا بالكاد، وكأن ما يأكله لا يظهر عليه أبدًا”.ويستطرد: “وفي صباح العيد، كنا نخرج لصلاة العيد بملابس جديدة، تفوح منها رائحة الورد والفرحة، ونعود إلى البيت بقلوب مفعمة بالحماسة، ننتظر الجزار الذي كان أبي يتفق معه مسبقًا، لكن الجزار كان يتأخر في كل مرة، فنظل نعدّ الدقائق وكأنها أيام، ننتظره على أحرّ من الجمر”.ويواصل: “أتذكّر عامًا تأخّر فيه حتى الظهيرة، فغلب على والدي الضيق، وقرر أن يذبح الأضحية بنفسه، ومنذ ذلك اليوم، لم نعد ننتظر أحدًا، صار أبي هو من يتولى الذبح بنفسه، وكفانا حرقة الترقب”.وعن طرائف يوم العيد يقول: “ومن الطرائف أن محاولاتنا لتربية الأضحية في البيت كانت دائمًا تنتهي بفشلٍ مضحك، أذكر أن أبي قرر ذات مرة أن يشتري خروفًا قبل العيد بشهر، فوضعناه فوق سطح المنزل، كنا نصعد إليه كل يوم، نطعمه، نلاعبه، ونتحدث إليه حتى أصبح جزءًا من حياتنا، لكن قبل العيد بأيام قليلة، وبينما نحن نستعد للفرح، فوجئنا بالخروف يتسلق سور السطح، يقفز، ثم يسقط… صريعًا. وضاعت أضحيتنا”.ويكمل:” في اليوم التالي، اصطحبني أبي إلى السوق، كانت الشوارع تموج بالجزارين الذين احتلوا الأرصفة، يذبحون ويسلخون، ويعلّقون اللحوم في مشهدٍ تتداخل فيه الدماء وروائح اللحم الطازج ومظاهر الاحتفال بالعيد، وتزاحم الناس.

حكايات العيد الكبير

ويكمل: “ومن أجمل المشاهد التي اختفت اليوم، أن ذبائح العيد كانت تطوف المدينة محمولة على عربات نصف نقل للجزارين الكبار، أو تُجرّ على الأقدام من قِبل صغار الجزارين، وكان الأولاد يركضون خلفها، يضحكون ويغنون، كأنهم في كرنفالٍ طفوليّ صاخب، تملؤه الدهشة والسحر”.ويختتم: “كان العيد الكبير وما زال أيامًا للفرح في كل البيوت؛ يعطي فيه القادرون للبسطاء، ويتبادل فيه الأهل الزيارات، وتوزّع لحوم الأضاحي على الأقارب والجيران والمحتاجين،  وكانت الشوارع تفوح منها روائح اللحم المشوي، وأصوات التكبيرات، وضحكات الأطفال وسعادة الكبار”.