سيرجيو جليل: سفير الهوية في المهجر اللاتيني

سيرجيو جليل: سفير الهوية في المهجر اللاتيني

في الضفة الأخرى من الكرة الأرضية، حيث يتداخل وقع التانغو مع نبضات الذاكرة المشرقية، وُلد سيرجيو جليل في الأرجنتين من جذور لبنانية نقية. لم يكن مجرد مغترب عادي وُلد في الاغتراب، بل كان حاملًا لرسالة، وحارسًا لهوية، وسفيرًا لبلد صغير في الجغرافيا، عظيم في الوجدان.سيرجيو جليل ليس اسمًا عابرًا في المشهد الأكاديمي أو الثقافي؛ إنه جسر إنساني بين لبنان وأمريكا اللاتينية، رجل حمل لبنان في قلبه لا كحنين عاطفي فقط، بل كقضية وجودية تستحق أن تُفهم وتُروى وتُقدَّم للعالم كما هي: تاريخًا، حضارة، ذاكرة، ووجدانًا جماعيًا.حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة الكاثوليكية في قرطبة، ثم ماجستير في الدراسات العربية والسياسة الخارجية من جامعة جورجتاون – واشنطن. اختار أن يكون صوتًا للعروبة الثقافية واللبنانية العميقة في المهجر، لا عبر الصور النمطية، بل من خلال تأسيسه لمركز الدراسات اللبنانية في أمريكا اللاتينية (CELIBAL)، ليكون هذا المركز نافذة مشرقة على لبنان الحقيقي، بكل ما يحمله من غنى وتناقضات، من شعر وجغرافيا، من حضارة عمرها آلاف السنين إلى حاضر يضجّ بالتحوّلات.في نظر جليل، لا يكفي أن يرقص المغترب الدبكة أو يأكل التبولة ليشعر بلبنانيته. فالوطن ليس فولكلورًا فقط، بل هو وعي ومعرفة وسياق تاريخي. من هنا جاءت محاضراته المتنقلة بين جامعات الأرجنتين وإسبانيا والمكسيك وأوروغواي، حيث تحدّث عن الشرق الأوسط لا كمنطقة نزاع، بل كمساحة حضارية يجب إنصافها، وعن لبنان لا كأزمة، بل كوعدٍ دائم بالتجدّد.أراد سيرجيو أن يُعيد صوغ الذاكرة الجماعية للمغتربين اللبنانيين في أميركا اللاتينية، فراح ينظّم رحلات إلى لبنان، ويقيم أنشطة ثقافية، ويقدّم لبنان بلغته الحقيقية، بل بلغاته المتعددة، فهو يتقن الإسبانية، الإنجليزية، البرتغالية، والعربية بطلاقة، ويقرأ الفرنسية والإيطالية. كل هذا ليدلّ على رجل يشبه لغات بلاده الأصلية والمكتسبة: غنيّ، متعدّد، جامع.سيرجيو جليل ليس موظف ثقافة، بل هو مشروع ثقافي بذاته. مشروع بدأه بالإيمان بالهوية، ويواصل اليوم تنميته كمن يزرع شجرة أرز في قلب القارة اللاتينية، يؤمن أنها يومًا ستُثمر معرفة، وعيًا، وانتماءً لا تغتاله المسافات.إنه سيرجيو جليل… ليس فقط ابن الشتات، بل سيد الهوية الواعية، والذاكرة التي ترفض أن تُنسى.