ترامب وماسك: “لا يوجد صديق يتعاون”

فى بداية عهد دونالد ترامب، كان إيلون ماسك يُنظر إليه كشريك اقتصادى وتقنى مهم يدعم رؤية ترامب فى تعزيز النمو الاقتصادى والابتكار. لعب ماسك، الملياردير ورائد الأعمال فى مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة والفضاء، دورًا بارزًا فى دفع أجندة ترامب الاقتصادية، لا سيما فى مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة. إلا أن هذه الشراكة الواعدة سرعان ما تحولت إلى صراع مفتوح مع تصاعد التوترات بين الرجلين حول السياسات الاقتصادية والرؤية المستقبلية لأمريكا.كان ماسك من أبرز الأسماء التى استعان بها ترامب لإحداث نقلة نوعية فى قطاعات التكنولوجيا والطاقة، حيث رأى ترامب فيه عنصرًا فاعلًا قادرًا على تعزيز تنافسية الاقتصاد الأمريكى عبر الابتكار. وبفضل الدعم الحكومى والتسهيلات، توسعت مشاريع ماسك، لا سيما فى قطاع السيارات الكهربائية من خلال شركة «تسلا»، وقطاع الفضاء عبر شركة «سبيس إكس».شكلت هذه الشراكة بين توجهات ترامب الاقتصادية والسياسية وطموحات ماسك التكنولوجية نموذجًا للتكامل بين السياسة والقطاع الخاص، وفتحت آفاقًا جديدة للنمو والابتكار.مع مرور الوقت، بدأت التوترات تظهر جلية بين الرجلين، خصوصًا بسبب اختلافات جوهرية فى السياسات الاقتصادية. ترامب، الذى يتبنى رؤية شعبوية وتقليدية، بدأ يعارض الدعم الحكومى المكثف لقطاع السيارات الكهربائية، معتبرًا أن ذلك يشكل عبئًا على الاقتصاد ويُضعف الصناعات التقليدية التى تمثل قاعدة واسعة من ناخبيه.فى المقابل، رأى ماسك أن هذا الدعم أساسى لتحقيق التقدم التكنولوجى وحماية البيئة، محذرًا من أن السياسات الجمركية والضريبية المقترحة من ترامب قد تؤدى إلى ركود اقتصادى فى النصف الثانى من العام.وبذلك، بدأت العلاقة تتجه نحو المواجهة، حيث تصاعدت الانتقادات المتبادلة بين الرجلين وتحولت إلى تصريحات حادة على منصات التواصل الاجتماعى.بلغ التصعيد ذروته عندما أعلن ترامب عبر منصته «تروث سوشيال» طلبه من ماسك مغادرة منصبه فى هيئة الكفاءة، واصفًا إياه بـ«المجنون». كما هدد بقطع الدعم والعقود الحكومية عن شركات ماسك، فى خطوة تهدف إلى تقليص نفوذه داخل القطاعات الاقتصادية التى يهمه ترامب.فى تدوينة له قال:
«لقد كان إيلون يستنزف قواه، طلبت منه المغادرة، وسحبت منه تفويضه بشأن السيارات الكهربائية، التى أجبر الجميع على شرائها رغم عدم رغبة الكثيرين فيها».لم يتأخر ماسك فى الرد، حيث دعم منشورًا على منصة «إكس» يدعو إلى عزل ترامب، مشيرًا إلى أن سياسات الأخير الجمركية قد تؤدى إلى ركود اقتصادى وشيك. وتجاوز ماسك فى تغريدة مثيرة للجدل حدود الهجوم الشخصى، حيث قال:
«حان وقت إلقاء القنبلة الكبيرة.. دونالد ترامب موجود فى ملفات جيفرى إبستين، ولهذا السبب لم تُنشر حتى الآن.. يوم سعيد يا دونالد».هذه التغريدة جاءت فى سياق قضية أثارت جدلًا واسعًا، إذ تشير إلى وثائق تتعلق برجل الأعمال جيفرى إبستين، المتهم بجرائم جنسية واستغلال، والذى انتحر فى السجن قبل محاكمته.يرمز الصراع بين ترامب وماسك إلى الانقسامات العميقة فى المشهد الأمريكى بين رؤى سياسية متضاربة:
ترامب يمثل النهج التقليدى والشعبوى الذى يركز على دعم الصناعات التقليدية وتقليص الدعم للحركات التكنولوجية التى يراها بعيدة عن قاعدة ناخبيه.
ماسك يمثل التوجه نحو التقدم التكنولوجى والابتكار المستقبلى، ويرى أن الدعم الحكومى ضرورى لتحفيز الاقتصاد الأخضر والصناعات الحديثة.هذا الخلاف يتجاوز الصراع الشخصى ليعكس تنافسًا على مركز القوى فى صناعة القرار الأمريكى، بين نفوذ السياسة والمال، وبين التكنولوجيات الجديدة وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع. مع تصاعد وتيرة المواجهة، يبقى السؤال مطروحًا حول مستقبل العلاقة بين ترامب وماسك، وكيف سيؤثر هذا الصراع على السياسات الاقتصادية والبيئية فى الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة. فهل سيُجبر ماسك على إعادة صياغة استراتيجياته بعيدًا عن الاعتماد على الدعم الحكومى؟ وهل ستنجح رؤية ترامب الشعبوية فى إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية؟ وفى النهاية، مَن سيكون المنتصر؟، وعلى حساب مَن؟ خصوصًا أن كلا الطرفين يسعى إلى الوصول إلى مركز القيادة.فى جميع الأحوال، يعكس هذا الصراع تحولات عميقة فى المشهدين السياسى والاقتصادى الأمريكى، حيث تتقاطع المصالح وتتعارض الرؤى، ويعاد رسم ملامح المستقبل. ويبقى التساؤل قائمًا: هل سيكون للكيان الصهيونى دور فى هذا الصراع؟ الأيام وحدها كفيلة بكشف ذلك.