أبوبكر يخطط للتخلص من ابنه

أبوبكر يخطط للتخلص من ابنه

شقيقان من أبناء أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما، وقفا فى مواجهة بعضهما بعضًا، فى لحظة من اللحظات. الأول هو عبدالرحمن بن أبى بكر، أما الثانى فمحمد بن أبى بكر.يذهب «ابن كثير» إلى أن عبدالرحمن بن أبى بكر هو أكبر أولاد «الصديق» من زوجته «أم رومان»، وشقيق السيدة عائشة، رضى الله عنها، من الأم والأب. حينما بعث الله محمدًا بالحق نبيًا كان عبدالرحمن شابًا عفيًا يافعًا ينظر إلى أبيه وأمه فى عجب وهما يبادران إلى الإيمان بالنبى الذى ظهر، فقد كان أبوبكر من أوائل من آمنوا برسالته، ثم آمنت زوجته «أم رومان» ودخلت تحت مظلة الإسلام، أما عبدالرحمن فكان له موقف مغاير كل المغايرة لموقف أمه وأبيه، فظل متمسكًا بالوثنية، رافضًا دعوة محمد إلى الوحدانية، وأخذ يعتب على أبيه، أبى بكر، وأمه إيمانهما بما يدعو إليه محمد، ويتعجب من حديثهما عن القيامة والبعث والحساب والعقاب، ويردد الكلام الذى تؤكد عليه الثقافة المكية السائدة، والتى تذهب إلى أن الدنيا هى غاية الإنسان، وأن نهايتها إلى عدم، وليس بعد الموت شىء، فلا حساب ولا ثواب ولا عقاب، فالحياة هى الدنيا، وليس بعد الدنيا قيامة.وقد كان مروان بن الحكم يردد أن الآية الكريمة التى تقول: «والذى قال لوالديه أفٍ لكما أتعداننى أن أخرج وقد خلت القرون من قبلى وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين»، نزلت فى عبدالرحمن بن أبى بكر الصديق، وهو ما أنكرته عائشة، رضى الله عنها، كما يذهب «ابن كثير» فى كتابه «البداية والنهاية»، وهو ما أكده أيضًا «القرطبى» فى تفسيره. أيًا ما كان الأمر فقد رفض عبدالرحمن بن أبى بكر الدخول فى الإسلام وأنكر على أبيه وأمه إيمانهما بمحمد، صلى الله عليه وسلم، طيلة الفترة المكية التى تصل إلى ١٣ سنة، وقد ظل على كفره بعد هجرة أبيه أبى بكر الصديق إلى المدينة. لم يكتف «عبدالرحمن» برفض الانصياع لنصائح أبيه وأمه بالإيمان، بل نابذهما العداء، واصطف إلى جوار المشركين من أهل مكة ضد محمد والذين آمنوا معه، وحينما اشتعلت الحروب بين الطرفين المكى والمدنى، انضم «عبدالرحمن» إلى المشركين، ووقف فى معركة بدر وجهًا لوجه ضد أبيه أبى بكر.وضع عبدالرحمن بن أبى بكر ضمن أهدافه أن يقتل أباه فى معركة بدر، يقول «ابن كثير»: «فتقدم إليه أبوه أبوبكر، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أمتعنا بنفسك». لقد منع النبى صديقه أبا بكر من مواجهة ولده المشرك. ويقول «السيوطى» فى كتابه «تاريخ الخلفاء»: «وأخرج ابن عساكر عن ابن سيرين أن عبدالرحمن بن أبى بكر كان يوم بدر مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لى يوم بدر فانصرفت عنك ولم أقتلك، فقال أبوبكر: لكنك لو أهدفت لى لم أنصرف عنك». وقاتل عبدالرحمن بن أبى بكر مع المشركين حين خاضوا معركتهم الثأرية فى أُحد، وظل مُصرًا على معاداة أبيه أبى بكر وأمه «أم رومان» حتى صلح الحديبية سنة ٦ هجرية، بعدها هاجر «عبدالرحمن» إلى المدينة، وشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وانضم إلى صفوف الإسلام. ويعنى ذلك أن عبدالرحمن أسلم قبل فتح مكة سنة ٨ هجرية، ما يؤشر إلى أن عمره الإيمانى لم يكن يتجاوز الأعوام الثلاثة حين توفى النبى، صلى الله عليه وسلم، سنة ١١ هجرية.ولم يكن لعبدالرحمن بن أبى بكر أى ظهور خلال السنوات الثلاث التى استظل فيها بوجود الرسول، المشهد الوحيد الذى حضر فيه كان مشهد وفاته، صلى الله عليه وسلم. يقول «ابن كثير»: «وهو- أى عبدالرحمن بن أبى بكر- الذى دخل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم مات، وعائشة مسندته إلى صدرها، ومع عبدالرحمن سواك رطب، فأخذه بصره فأخذت عائشة ذلك السواك فقضمته وطيبته ثم دفعته إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاستن به أحسن استنان، ثم قال: اللهم فى الرفيق الأعلى، ثم قضى، قالت: فجمع الله بين ريقى وريقه، ومات بين سحرى ونحرى فى بيتى ويومى لم أظلم فيه أحدًا». ويعنى ذلك أن عبدالرحمن كان حاضرًا مع شقيقته من أبيه وأمه فى اللحظة الموجعة المؤلمة التى فاضت فيها روح النبى إلى رب العزة. ليس ذلك وفقط، بل إن «السيوطى» يذكر فى كتابه «تاريخ الخلفاء» حديثًا يقول فيه: «وأخرج أحمد وغيره، قالت: قال لى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى مرضه الذى فيه مات: ادعِ لى عبدالرحمن بن أبى بكر أكتب لأبى بكر كتابًا لا يختلف عليه أحد بعدى، ثم قال: دعيه معاذ الله أن يختلف المؤمنون فى أبى بكر». حضور عبدالرحمن بن أبى بكر داخل هذا المشهد أمر يثير الحيرة، فكيف له أن يحظى بهذه المكانة، ويكون من أواخر من دخلوا على النبى فى هذا المشهد العظيم، وعمره فى الإسلام لم يتجاوز حينذاك ٣ أعوام، وهل يمكن أن يتقبل العقل أن يطلبه النبى بالاسم لكى يتولى تسطير كتاب يعهد فيه لأبى بكر بالخلافة من بعده؟ أظن- والله أعلم- أن هذه الروايات تستوجب التحفظ عليها، إذ إنها لا تعدو فى أغلبها محاولة بناء صورة ذهنية إيجابية عن عبدالرحمن بن أبى بكر الذى عاش مُعاديًا لأبيه «ثانى اثنين» فى هجرة النبى، ولرسول الإسلام، ولشقيقته أم المؤمنين عائشة، لمدة تقترب من ٢٠ عامًا، ولم يؤمن إلا فى السنوات الثلاث الأخير من حياة النبى، وليس من المنطقى أن يتصدر أخطر مشهد عاشه المسلمون بعد حجة الوداع، مشهد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم.