إسرائيل تحتل العالم.. من يضمن شرعيتها؟

إسرائيل تحتل العالم.. من يضمن شرعيتها؟

رغم كل الضغوط الدولية التي تتعرض لها إسرائيل اليوم، من أوروبا إلى أمريكا، ومن آسيا إلى الأمم المتحدة، لا تزال آلة القتل مستمرة دون توقف. تتعالى الأصوات المنددة، وتُصدر القرارات المستنكرة، وتجوب المظاهرات شوارع العالم، ومع ذلك، لا تزال المجازر بحق الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة، تُرتكب بلا هوادة.فالمعضلة الحقيقية لم تعد فقط في ما تفعله إسرائيل، بل فيمن يمنحها القدرة على الاستمرار في ارتكاب هذه الجرائم دون رادع.شهدت مواقف دولية تغيّرات ملحوظة، حيث بدأت بعض الدول الأوروبية، مثل إسبانيا، تدعو إلى فرض عقوبات. كذلك طالب نواب في الكونغرس الأميركي بإيقاف الدعم غير المشروط لإسرائيل، حتى في عهد إدارة ترامب، المعروفة بموقفها المنحاز لتل أبيب، صدرت دعوات للحلول العاجلة تفاديًا للفوضى المتصاعدة.أما في آسيا، فقد عبرت ماليزيا عن موقفها الثابت، مؤكدة أن غزة جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية، ومتمسكة بالحق التاريخي والسياسي للشعب الفلسطيني. ومع أن المواقف الدولية باتت أكثر وضوحًا وجرأة، إلا أن حكومة نتنياهو لا تزال ماضية في ارتكاب الجرائم، ضاربة بعرض الحائط كل دعوات التهدئة والعدالة.السؤال الجوهري هنا: ما الذي يمنح نتنياهو القدرة على الاستمرار؟كيف يمكن تفسير هذا التحدي الصارخ للإجماع الدولي؟من يدعم هذه الجرائم ويغض الطرف عنها، رغم وضوحها ودمويتها؟المفارقة المؤلمة أن جرائم الاحتلال تُرتكب على الهواء مباشرة، أمام عدسات الإعلام، وموثقة بالأدلة والشهادات، بينما يتغير الرأي العام العالمي تدريجيًا. ومع ذلك، يظل العدوان مستمرًا، ما يشير إلى وجود تواطؤ واضح لا يمكن إنكاره.إسرائيل ليست قوة عظمى بذاتها، بل تعتمد على تحالفات دولية ودعم إعلامي يصوغ الرواية لصالحها. شرعيتها المفترضة ليست قانونية، بل تنبع من موازين قوى تفرض الواقع بالقوة لا بالحق.نتنياهو لا يتحرك بمعزل عن العالم، بل كجزء من منظومة مصالح دولية معقدة. فالصمت الأميركي، والتردد الأوروبي، وازدواجية المعايير العالمية، تمنحه مساحة آمنة لاستباحة دماء الفلسطينيين دون محاسبة.إن القضايا الدولية الكبرى، لا سيما المرتبطة بالاحتلال والاستعمار، لا يمكن فصلها عن شبكة التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية. فإسرائيل ليست كيانًا منفصلًا عن موازين القوى، بل هي أداة ضمن منظومة مصالح مترابطة مع قوى دولية نافذة، خصوصًا في الغرب.تلعب اللوبيات الصهيونية دورًا محوريًا في هذا الدعم، بفضل نفوذها داخل المؤسسات السياسية والإعلامية الغربية. الدعم لا يقتصر على المال والسلاح، بل يمتد إلى الغطاء السياسي والدبلوماسي الذي يعطل أي قرار دولي حاسم، كما يحدث في مجلس الأمن.وعندما ترتفع أصوات الاحتجاج، يُواجَه العالم بفيتو أميركي أو تبريرات جاهزة مثل “حق الدفاع عن النفس”، تُستخدم كغطاء لارتكاب أبشع الجرائم بحق المدنيين.ما يجري اليوم يفضح زيف شعارات حقوق الإنسان التي ترفعها بعض الدول، والتي تُسارع إلى التنديد في قضايا معينة، لكنها تصمت – أو تبرر – حين تكون الضحية فلسطينية. ومع هذا السقوط الأخلاقي، تتساقط الأقنعة واحدًا تلو الآخر.فالقضية لم تعد مجرد احتلال عسكري، بل معركة سرديات، وتحالفات، ومصالح. الفلسطينيون لا يواجهون إسرائيل فقط، بل يواجهون نظامًا دوليًا منحازًا منذ عقود. ومع ذلك، فإن تصاعد الأصوات الحرة حول العالم، وكسر جدار الصمت من قبل صحفيين، وسياسيين، ونشطاء، يشير إلى أن الرواية بدأت تتغير، ولو ببطء.لقد بات واضحًا أن قوة إسرائيل لا تنبع من شرعية، بل من مَن يُشرعنها.الصمت الدولي لم يعد مجرد تقاعس، بل غطاء فعّال يتيح لإسرائيل مواصلة جرائمها. فحين تتراجع القوى الكبرى عن اتخاذ خطوات حقيقية، فإنها تُسهِم، بقصد أو بغير قصد، في شرعنة استمرار الاحتلال.الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل ليست عرضية، بل نتيجة لشبكة مصالح وتحالفات تضغط على مؤسسات القرار العالمي. لذلك تمر جرائمها دون محاسبة، رغم وضوح الأدلة وفداحة الفظائع.