الاقتصاد المصري يشهد انتعاشاً

الاقتصاد المصري يشهد انتعاشاً

هل الاقتصاد المصرى يتعافى؟ سؤال يتردد صداه حاليًا داخل المجتمع، مع تباين فى الآراء والتحليلات حول مسار هذا التعافى. وللإجابة عن هذا السؤال، يجب أن ننظر إلى مجموعة من المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية، بالإضافة إلى التحديات الهيكلية والفرص المتاحة. فى الفترة الأخيرة، شهد الاقتصاد المصرى تقلبات كبيرة، تزامنت مع أزمات عالمية مثل جائحة كوفيد-١٩ والحرب الروسية- الأوكرانية، إضافة إلى الضغوط التضخمية الكبيرة. ومع ذلك هناك مؤشرات توحى بوجود جهود حثيثة لتحقيق الاستقرار. وقد بدأت هذه الجهود تؤتى ثمارها فى بعض القطاعات. على سبيل المثال، بدأت تحويلات المصريين العاملين بالخارج فى الارتفاع مرة أخرى، ما يوفر شريان حياة حيويًا للعملة الصعبة، كما أن إيرادات قناة السويس تواصل تحقيق مستويات قياسية، مدفوعة بزيادة حركة التجارة العالمية واستراتيجيات التوسع التى تنتهجها هيئة القناة، ما يعزز احتياطيات البنك المركزى من العملات الأجنبية. وفيما يتعلق بالقطاع السياحى فقد شهد انتعاشًا ملحوظًا بعد فترة ركود، مع عودة أعداد السياح إلى مستويات ما قبل الجائحة، ما يمثل مصدرًا رئيسيًا للدخل القومى والعملة الصعبة. هذه المؤشرات الإيجابية تعكس جزءًا من الصورة، فى ظل التضخم الذى لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا، حيث يؤثر بشكل مباشر على القوة الشرائية للمواطنين ويزيد من تكلفة المعيشة. ورغم الجهود المبذولة من قبل البنك المركزى المصرى للسيطرة على التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة، فإن العوامل الخارجية والداخلية ما زالت تضغط على الأسعار. كما أن الدين العام، سواء الداخلى أو الخارجى، يمثل عبئًا آخر على الميزانية العامة للدولة، وتتطلب خدمته جزءًا كبيرًا من الإيرادات، ما يحد من قدرة الحكومة على الإنفاق على قطاعات حيوية. ومع ذلك تسعى الحكومة إلى تنويع مصادر التمويل وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التى يمكن أن تسهم فى خلق فرص عمل وزيادة الإنتاجية. وتلعب برامج الإصلاح الاقتصادى التى تتبناها الحكومة، بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولى، دورًا مهمًا فى معالجة الاختلالات الهيكلية. وتهدف هذه البرامج إلى تعزيز الانضباط المالى، وتحسين بيئة الأعمال، وتشجيع القطاع الخاص على القيام بدور أكبر فى الاقتصاد. ورغم أن بعض هذه الإجراءات قد تكون مؤلمة على المدى القصير، فإنها ضرورية لتحقيق استقرار مستدام على المدى الطويل. كما أن الحكومة تستثمر بشكل كبير فى مشاريع البنية التحتية العملاقة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة وشبكة الطرق، بهدف تحفيز النمو الاقتصادى وخلق فرص عمل. ورغم أيضًا الجدل حول جدوى بعض هذه المشاريع، فإنها تسهم فى جذب الاستثمارات وتوفير بيئة أفضل للأعمال على المدى البعيد. وفى سياق التعافى، تلعب الصادرات المصرية دورًا حيويًا فى توفير العملة الصعبة وتقليل العجز التجارى. وتسعى الحكومة إلى زيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق العالمية من خلال تقديم حوافز للمصدرين وتبسيط الإجراءات الجمركية. كما أن هناك قطاعات مثل الزراعة والصناعات الغذائية والصناعات التحويلية لديها إمكانات كبيرة للنمو والتصدير. بالإضافة إلى ذلك فإن القطاع المصرفى المصرى يتمتع بالاستقرار والسيولة، ويلعب دورًا أساسيًا فى تمويل الشركات والمشاريع، ما يدعم النشاط الاقتصادى. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى تعزيز الشمول المالى وتسهيل وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل. إن الاقتصاد المصرى يمر بمرحلة دقيقة، حيث توجد مؤشرات إيجابية تدل على بداية التعافى فى كثير من القطاعات، مدعومة بجهود إصلاحية مكثفة ودعم من المؤسسات الدولية. ومع ذلك لا تزال التحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالتضخم والدين العام وزيادة توفير فرص العمل لعدد السكان المتزايد. والتعافى الحقيقى والمستدام يتطلب استمرارًا فى الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز دور القطاع الخاص وجذب المزيد من الاستثمارات، ومعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية التى تؤثر على حياة المواطنين. نعم الاقتصاد يتعافى، وهو طريق ملىء بالصعاب، لكن الإرادة السياسية والجهود المشتركة من جميع الأطراف المعنية تسهم فى تحقيق هذا الهدف.