الإسفاف الرقمي وأمن المجتمع

في السنوات الأخيرة، شهدت المجتمعات تحديًا جديدًا يتمثل في إساءة استخدام وسائل الإعلام الرقمي والمنصات الاجتماعية من قبل ما يُعرف بـ«البلوجرز» وبعض المشاهير والفنانين.
أصبحت هذه المنصات منابر تفيض بمحتويات مبتذلة وغير لائقة تتعارض مع القيم الأخلاقية وتخل بالتوازن الاجتماعي.
هذه الظاهرة تستدعي تحركًا عاجلًا على مستوى التشريعات من قِبل الحكومة وأعضاء البرلمان لتقنين وتنظيم المحتوى الرقمي، إما من خلال تشريع جديد صارم أو بتعديل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لعام 2018.
باتت المنصات الاجتماعية بمثابة «ماسورة» تصريف تمطر المجتمع برسائل تؤجج الفساد الأخلاقي وتحث على العنف والانحلال، تجمع بعض المحتويات بين الإسفاف والابتذال، مما يعزز مناخًا سامًا خصوصًا لدى الأطفال والمراهقين والأسَر.
المجتمع لا يمكن أن يتحمل هذا الكم من الضوضاء التي تطغى عليها صرخات البلوجرز ومشاهد تنحط للأدنى، التي تُبث عبر قنوات غير مسؤولة تسعى وراء الربح والشهرة على حساب القيم. يظهر الفنانون والمشاهير أحيانًا بخلافاتهم الشخصية أمام الجميع، وكأنما الحيز الرقمي أصبح حائطًا لنشر الفضائح الشخصية.
على سبيل المثال، أصبح من المألوف أن يطالعنا مستخدمو هذه المنصات بمواقف تتمثل في بث مباشر من الحمامات، أو أحاديث ساخطة من بيئات غير لائقة، أو حتى مشاهد محرجة من الحياة الأسرية الخاصة.
هذا السلوك يستهلك طاقات المجتمع ويصرف الأنظار عن القضايا ذات الأولوية مثل قضايا التنمية والتعليم والصحة.
إضافة إلى ذلك، أصبحت الشهرة على وسائل التواصل الاجتماعي مصدر دخل سريع وسهل، مما دفع البعض إلى تقديم محتوى رخيص للحصول على نقرات ومشاهدات بلا اكتراث لعواقب ما يقدمونه على البنية الاجتماعية والنفسية للمجتمع.
أحد الأمثلة المؤسفة هو تلك الأحداث التي تدور حول قضايا ميراث عائلية يتم نشرها علنًا والإفراط في الخلافات والخوض في أمور شخصية لا تهم سوى أصحابها.
إن التصدي لهذا التدفق من الممارسات السيئة يحتاج إلى تدخل قانوني عاجل، لا فقط بفرض الرقابة، ولكن أيضًا بتشريعات جديدة تحمي المجتمع وتوفر بنودًا واضحة لمعاقبة المسؤولين عن إنتاج أو نشر محتوى مسيء.
يجب أن تتضمن تلك القوانين إمكانية مصادرة الأموال الناتجة عن مثل هذه الأنشطة المخالفة للقيم العامة ووضع عقوبات صارمة تصل إلى إغلاق الصفحات والقنوات التي تروج للإسفاف وإحالتهم إلى القضاء.
واجب الدولة ليس فقط تطبيق القانون، بل أيضًا حماية الفضاء الرقمي كمجال عام يُستخدم لتحقيق الفائدة ونشر الإيجابيات بدلًا من السماح بتحولها إلى وكالات لنشر الزيف والتحريض والإساءة.
نحن بحاجة إلى وعي جماعي وتوحيد الجهود بين مؤسسات الدولة وأفراد المجتمع للحفاظ على قيمنا وضمان مستقبل رقمي مسؤول ومستنير.