كيف قدم محفوظ عبد الرحمن سيرة “كوكب الشرق” في الأعمال التلفزيونية؟

عندما قرر الكاتب محفوظ عبد الرحمن (11 يونيو 1941 – 19 أغسطس 2017) أن يكتب عن أم كلثوم، لم يكن يخطّ سيرة فنانة فحسب، بل كان يُدوِّن تاريخ وطن بصوت امرأة أصبحت رمزًا لمصر في وجدان ملايين العرب، فلم يكتبها كتمثال مقدس، بل كإنسانة من لحم ودم، صعدت من قلب الريف إلى قمة المجد، في زمن كانت فيه الأغنية مرآة لتحولات المجتمع.وبهذا العمل، نقل محفوظ عبد الرحمن السيرة من حدود التوثيق إلى فضاء الإبداع، مقدّمًا دراما استثنائية مزجت بين الحقائق والروح، وبين الحكي والمتعة، فجاء مسلسل “أم كلثوم” ليكون ليس فقط عملًا فنيًا، بل وثيقة زمنية تتحدث بلغات متعددة: التاريخ، الموسيقى، السياسة، والحب.
التحدي الأكبر: كيف تكتب سيرة الأسطورة؟
حين طُلب من محفوظ عبد الرحمن أن يكتب عن أم كلثوم، لم يتردد، لكنه أدرك صعوبة المهمة، وهي أنه يكتب عن أيقونة، وشخصية تتجاوز حدود الفن إلى رمز وطني، ومحط إجماع نادر.لم يكتف محفوظ عبد الرحمن بالسرد التقليدي، بل عمل على رسم ملامح إنسانية دقيقة لأم كلثوم، فصوّرها ابنة الفلاح المصري، الطموحة، الحازمة، والعاشقة للفن، وفي الوقت نفسه، ظل أمينًا لوقائع التاريخ، فاستعان بوثائق نادرة، وأجرى مقابلات مع من عاصروها.لم يقع محفوظ عبد الرحمن في فخ التقديس الأعمى أو التجميل الزائف، بل قدّم سيرة نقدية وإنسانية متوازنة، تناول فيها العلاقات الشخصية لأم كلثوم، صراعاتها الفنية، مواقفها الوطنية، وحتى لحظات ضعفها.وكان حريصًا على أن يضع كل ذلك في سياقه الزمني والسياسي، فظهر في العمل مشهد المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين: الملكية، ثورة 52، المد القومي، وصعود عبد الناصر.
“أم كلثوم”.. ليس فقط سيرة فنية
في كل عمل كتبه محفوظ عبد الرحمن، كانت الدراما وسيلة لزرع الوعي، وفي مسلسل “أم كلثوم”، لم يُرد فقط أن يُمتع الجمهور، بل أن يُعرّفه بمرحلة مهمة في تاريخ مصر.نجد في العمل خطابًا ثقافيًا عميقًا: عن صعود الريف، ودور المرأة، والتحولات الاجتماعية، وصعود الطبقة الوسطى، وانعكاس ذلك كله على الغناء والسياسة.شكلت صابرين، بملامحها وصوتها وأدائها، مفاجأة للمشاهدين في أداء أم كلثوم، ويُحسب لمحفوظ عبد الرحمن اختياره لها ودعمه الفني، إذ كتب الدور بخصوصية إنسانية، دون أن يقع في فخ التقليد الصوتي، فكان الأداء نابضًا بالحياة، كما كانت المخرجة إنعام محمد علي شريكة النجاح، بقدرتها على تجسيد النص بصريًا، ونقل روح العصر من خلال التفاصيل الدقيقة للديكور والملابس والزمن.