قافلة الصمود: دعم غزة أم محاولة لإحراج مصر؟

قافلة الصمود: دعم غزة أم محاولة لإحراج مصر؟

يثير تحرك ما يُعرف بـ”قافلة الصمود”، والتي تضم مئات النشطاء من دول مختلفة، علامات استفهام جوهرية بشأن أهدافها الحقيقية، خصوصًا في ظل انطلاقها دون أي تنسيق مُعلن مع الجهات المصرية المعنية، وسط دعم صريح أو تغاضٍ من بعض السفارات. وهو ما يفتح الباب أمام تساؤل مشروع: هل الغرض من هذه القافلة هو فعلًا دعم غزة، أم توجيه ضغوط سياسية وإحراج متعمد لمصر، الدولة التي تُحكم بالقانون وتخضع حركة الأفراد عبر أراضيها لضوابط سيادية صارمة لا تقبل التجاوز؟تمثل قافلة “الصمود” نموذجًا لتحركات تبدو في ظاهرها إنسانية، لكنها تطرح تساؤلات حساسة تتعلق بالسيادة والأمن القومي. فهي تقف بين الشعارات والمخاطر، وتثير حالة من الريبة نظرًا لتحركها دون تنسيق مسبق مع مصر، ما أربك الحسابات وأشعل الجدل حول أهدافها الحقيقية. فهل هي فعلًا مبادرة لدعم غزة، أم أنها محاولة لفرض أمر واقع يتجاوز سلطة الدولة؟ إن تحرك قافلة بهذا الشكل، بلا شرعية واضحة، وفي ظل معابر مغلقة، يشكّل اختبارًا جديدًا للسيادة المصرية، خاصة أن الدعم الإنساني لا يمكن فصله عن مقتضيات الأمن القومي.
مصر، في هذه اللحظة، تقف أمام مفترق طرق حاسم: كيف يمكن دعم القضية الفلسطينية دون المساس بالسيادة الوطنية أو تعريض أمن الدولة للخطر؟ فبين عبور محفوف بالشكوك وتحرك غير منضبط، تبرز تساؤلات مشروعة: من يملك الحق في التحرك باسم فلسطين؟ وأين ينتهي الواجب الأخلاقي وتبدأ الحسابات السيادية؟
إن موافقة تونس وليبيا على تحرك القافلة دون تنسيق مسبق مع القاهرة تثير تساؤلات حول مدى التزام هذه الأطراف بالمبادئ الأساسية للتعاون العربي، خاصة في القضايا ذات الحساسية الأمنية. فمصر، باعتبارها المعبر الجغرافي الوحيد تقريبًا إلى قطاع غزة، لا يمكن تجاوزها في أي مبادرات إنسانية أو سياسية تتعلق بالقضية الفلسطينية، لا سيما في ظل الوضع الإقليمي بالغ التعقيد.
ومع اقتراب القافلة من الحدود الغربية لمصر، تواجه السلطات تحديات أمنية ولوجستية دقيقة. فدخول هذا العدد الكبير من الأفراد – المجهولين من حيث الانتماء السياسي أو الفكري – يمثل تهديدًا حقيقيًا، لاسيما أن تحركهم من الغرب إلى الشرق يعني عبور أكثر من 700 كيلومتر داخل الأراضي المصرية. وهو أمر لا يمكن السماح به دون ترتيبات أمنية معقدة وموافقات سيادية صارمة.
ورغم عدم صدور قرار رسمي بشأن السماح بدخول القافلة حتى الآن، فإن من حق مصر، قانونيًا وسياسيًا، أن تتخذ القرار الذي تراه مناسبًا، انطلاقًا من مسؤوليتها السيادية. خاصة أن المعابر المؤدية إلى غزة مغلقة حاليًا، مما يُضعف منطقية القافلة، ويطرح علامات استفهام حول نوايا منظميها وتوقيت انطلاقها.
وتأتي هذه التطورات في ظل تزامن لافت مع حادثة السفينة “مادلين”، التي أطلقها “التحالف الدولي لكسر الحصار”، قبل أن تصادرها القوات الإسرائيلية من المياه الدولية وتعتقل من كانوا على متنها. هذا التزامن يُضفي بُعدًا سياسيًا لا يمكن تجاهله، ويؤكد أن بعض التحركات التي تُرفع تحت شعار “الدعم الإنساني” قد تُستغل لأهداف دعائية، أو للضغط على دول بعينها، وفي مقدمتها مصر.
إن التحرك داخل الأراضي المصرية، وخصوصًا في الملفات ذات الحساسية الإقليمية مثل غزة، لا يمكن أن يتم إلا في إطار منظم، وتحت سقف القانون، وضمن احترام تام لسيادة الدولة. فالتصرفات الأحادية – أيًا كانت نواياها – تضع الدولة أمام خيارات صعبة، وتفتح الباب أمام اختراقات محتملة للأمن القومي.
قافلة “الصمود”، في صورتها الحالية، تفتقر إلى الشفافية والتنسيق، وتُعد نموذجًا لتحرك غير منضبط سياسيًا وأمنيًا. ومن حق مصر، كدولة مركزية ومحورية في المنطقة، أن تتعامل بحذر بالغ مع هذا النوع من التحركات، وأن تتخذ القرارات التي تحفظ أمنها واستقرارها، خاصة في ظل محاولات مستمرة لاستغلال العواطف الشعبية وابتزاز المواقف الوطنية تحت غطاء إنساني.
لا شك أن القضية الفلسطينية تظل في صدارة أولويات كل عربي ومسلم، ومصر كانت – ولا تزال – الداعم الأول للشعب الفلسطيني، سياسيًا وإنسانيًا. لكن دعم فلسطين لا يكون عبر استعراضات إعلامية أو مبادرات تفتقر للمشروعية، ولا عبر محاولة توريط مصر في تحركات غير محسوبة قد تُستغل للإساءة إلى مواقفها الوطنية الثابتة. إن فلسطين لا تحتاج إلى “شو إعلامي”، بل إلى عمل دبلوماسي منظم، واستراتيجية واقعية تحمي حقوقها، وتحترم سيادة الدول الداعمة لها.