سميرة عبدالعزيز.. وجود يتفوق على الضوضاء

سميرة عبدالعزيز.. وجود يتفوق على الضوضاء

لا يحتاج الفنّ الحقيقي إلى ضجيج. يكفيه أن يمرّ كنسمة صيفٍ على شاطئ الذكرى، ويغرس أثره العميق بهدوء، كما تفعل سميرة عبد العزيز في كلّ ظهور لها، سواء على خشبة المسرح أو عبر شاشة التلفزيون. هي ليست مجرّد فنانة قديرة، بل ذاكرة حيّة من دفء، وكرامة، وصدقٍ نادر في الأداء.وُلدت سميرة عبد العزيز في مدينة الإسكندرية، وبدأت رحلتها من المسرح القومي، حيث تشكّلت ملامح موهبتها الصافية، وسرعان ما امتدّ حضورها إلى التلفزيون والإذاعة، دون أن تفقد بوصلة الرقيّ والعمق في كلّ ما تقدّمه. ورغم أنها لم تسعَ للبطولة بمعناها التسويقي، إلا أنها تفرّدت بدور الأمّ النبيلة، ومنحته طابعًا خاصًا جعل اسمها مرادفًا للوقار والهيبة والحنان.في أعمال مثل “أم كلثوم” حيث جسّدت شخصية والدة كوكب الشرق، و*“بوابة الحلواني”* التي شاركت في أجزائها المتعددة، لم تكن سميرة عبد العزيز تؤدّي دورًا فحسب، بل كانت تنقل روح الشخصية كما لو كانت تعيشها من الداخل، تُصغي إلى نبضها، وتتنفّس وجعها، ببساطة لا يُجيدها سوى الكبار.صوتها وحده كان يكفي لبعث الطمأنينة، ونظرتها الحانية كانت تصنع الفرق في المشهد. لم يكن غريبًا أن يُطلق عليها النقاد والجمهور لقب “أمّ العظماء”، فهي الأمّ التي احتضنت عبر الشاشة شخصيات بحجم الإمام الشافعي، وسيد درويش، والشيخ الشعراوي، وأبو حنيفة النعمان، وآخرين، وقدّمتهم بصدقٍ يليق بمكانتهم، وبأمومة تُشبه الوطن نفسه في حنانه واتّساعه.ورغم ابتعادها أحيانًا عن الأضواء، لم تغب سميرة عبد العزيز عن الذاكرة الجمعية للجمهور. ظلّت وجهًا نقيًّا من وجوه الفن الذي لا يتبدّد، وإحدى القلائل اللواتي حملن رسالة التمثيل كقيمة، لا كشهرة عابرة. رفضت أدوارًا لا تُشبهها، وتمسّكت بما يُمليه عليها ضميرها الفني، حتى لو كلّفها ذلك البقاء خارج السباق.لم تنحنِ لأي دورٍ ينتقص من المرأة، ولم تتورّط في أي عمل يُشوّه صورة الأم. ولذلك، ظلّت محلّ احترامٍ عميق من زملائها، ومن جمهورها الذي يرى فيها صورة الأمّ المصرية الأصيلة، التي تعرف كيف تحبّ، وتربّي، وتُضحّي، وتصمت بحكمة.هي ليست فقط ممثلة. سميرة عبد العزيز حالة وجدانية نادرة، من تلك الوجوه التي لا تحتاج إلى صخب كي تُثبت حضورها، ولا إلى نجومية زائفة لتترك أثرًا. يكفي أن تمرّ على الشاشة لحظة، حتى تتذكّر الأم التي احتضنتك في لحظة ضعف، أو الكلمة الصادقة التي كانت تُقال بلا مقابل.تحيّة لسميرة عبد العزيز… وجه مصر الوادع، وصوتها الذي لا يشيخ، وسيّدة عرفت كيف تقول الكلمة بصدق، وتكون حضورًا صامتًا يعلو فوق الصخب.