كيف أصبحت “نيوسوم” خصمًا لترامب في سباق الحاكمية بكاليفورنيا؟

يُشكل جافين نيوسوم، الحاكم الديمقراطي الديناميكي لولاية كاليفورنيا، تحديًا سياسيًا مبكرًا وخصمًا محتملًا قويًا للرئيس دونالد ترامب، مما يرسم ملامح سيناريو سياسي معقد ومثير للاهتمام على الساحة الأمريكية.
وتشير التقارير إلى أن صعود نيوسوم لم يكن وليد الصدفة أو طفرة مفاجئة في المشهد السياسي؛ فقد بنى من قبل السير في شارع السياسة مسيرته بعناية فائقة وتدرج في مناصب السلطة بخطوات محسوبة.
وبدأ نيوسوم حياته المهنية في عالم الأعمال، مكتسبًا خبرة قيمة في قطاع الضيافة، والتي شكلت أساسًا لفهمه لآليات الإدارة والتنظيم قبل أن يدلف إلى معترك السياسة.
وكانت انطلاقته الفعلية من قلب سان فرانسيسكو كعمدة للمدينة، حين لفت الأنظار إليه بسرعة بقراراته الجريئة ومواقفه التقدمية التي غالبًا ما كانت تسبق التيار العام، مثل موقفه الرائد في دعم زواج المثليين الذي سبّق التشريعات الفيدرالية.
هذا التدرج الممنهج عبر مناصب رفيعة، وصولًا إلى منصب نائب الحاكم ثم حاكم الولاية الأكثر تأثيرًا اقتصاديًا وسكانيًا في البلاد، منحه قاعدة صلبة من الخبرة الإدارية والسياسية اللازمة لمواجهة التحديات الكبرى.
وبحسب موقع صحيفة تايم، فإن مسيرة نيوسوم تكشف بوضوح عن طموحات تتجاوز حدود كاليفورنيا، مما يجعله لاعبًا رئيسيًا محتملًا في أي سباق رئاسي مستقبلي وفقًا لمجلة “تايم”.
وأصبحت حدة المواجهة بين نيوسوم والرئيس ترامب على أشدها في سلسلة من الأحداث المتصاعدة التي شهدتها كاليفورنيا مؤخرًا، والتي أظهرت مدى تباين الرؤى بين الإدارة الفيدرالية برئاسة ترامب وحكومة الولاية برئاسة نيوسوم.
ومنذ اندلاع الاضطرابات في لوس أنجلوس، احتّل جافين نيوسوم مكانًا ثابتًا في عناوين الصحف الأمريكية، التي سلطت الضوء على دوره المتنامي كخصم للرئيس.
ومنذ مستهل يونيو 2025، بلغت التوترات ذروتها عندما أمر الرئيس ترامب بنشر قوات فيدرالية في لوس أنجلوس للتعامل مع الاحتجاجات.
هذا التحرك، الذي رآه الكثيرون تدخلًا في شؤون الولايات، أثار رد فعل عنيفًا وفوريًا من نيوسوم، الذي لم يتردد في وصفه بأنه اعتداء صريح على المبادئ الديمقراطية وحقوق الولايات.
ووفقًا لأسوشيتد برس، صرح نيوسوم بأن “الديمقراطية تتعرض للهجوم” من قبل ترامب، مؤكدًا على أن هذا التدخل الفيدرالي غير قانوني ويتجاوز الصلاحيات الدستورية الممنوحة للحكومة الفيدرالية في شؤون الولايات.
هذه المواجهة لم تكن مجرد خلاف عابر حول سياسة معينة، بل كانت تجسيدًا “لخلاف قديم” ومتجذر بين الرجلين، مما دفع نيوسوم ليصبح الصوت الأبرز للمعارضة الديمقراطية على مستوى الولايات، والمتصدي للسياسات الفيدرالية التي يرى أنها تنتهك حقوق الولايات والحريات المدنية الأساسية، وهذا الصراع المتزايد يُظهر كيف يمكن لحاكم ولاية أن يصبح قطبًا سياسيًا مؤثرًا على الساحة الوطنية.
لم يكتفِ نيوسوم بالانتقاد اللفظي أو التصريحات النارية، بل حول أقواله إلى أفعال قانونية حاسمة، مما أضفى بُعدًا جديدًا على المواجهة. ففي التاسع من يونيو 2025، أقدم نيوسوم على خطوة غير مسبوقة برفع دعوى قضائية مباشرة ضد الرئيس ترامب ووزارة الدفاع الأمريكية.
اتهمت الدعوى الإدارة الفيدرالية بـ”الاستيلاء غير القانوني” على وحدة من الحرس الوطني في كاليفورنيا، في خطوة تهدف إلى حماية سيادة الولاية وصلاحيات حاكمها الدستورية، وفقًا لموقع الحاكم الرسمي لولاية كاليفورنيا، ورغم أن محكمة الاستئناف قد ألغت لاحقًا حكمًا سابقًا، مما سمح لترامب بالتحكم المؤقت في الحرس الوطني بكاليفورنيا، وفقًا لموقع الإذاعة الوطنية العامة، إن بي آر، فإن هذه المعركة القانونية نفسها أرسلت رسالة واضحة حول تصميم نيوسوم على تحدي السلطة الفيدرالية وعدم التنازل عن حقوق الولاية.
وبدوره، جاء رد الرئيس ترامب على هذه الدعوى حادًا وغير متوقع، فتحدث علنًا عن اعتقال نيوسوم، مما زاد من حدة التوترات وأظهر مدى الخصومة الشخصية العميقة بينهما، بحسب التايم، ولكن هذه التطورات لم تمر مرور الكرام، بل شكلت محطات رئيسية في إبراز نيوسوم كقائد ديمقراطي شجاع ومستعد لمواجهة البيت الأبيض بشكل مباشر ودون تردد.
تأتي قوة نيوسوم كتهديد محتمل للرئيس ترامب من عدة جوانب استراتيجية وسياسية وديموغرافية. فهو لا يكتفي بكونه حاكمًا لأكبر اقتصاد في الولايات المتحدة، والذي يتمتع بثقل سياسي واقتصادي هائل، بل يتمتع أيضًا بمهارات خطابية فائقة وقدرة استثنائية على التواصل بفعالية مع الجماهير. هذه القدرات تجعله خصمًا سياسيًا قويًا ليس فقط على شاشات التلفزيون وفي وسائل الإعلام، ولكن أيضًا في التجمعات الجماهيرية حيث يمكنه تعبئة الناخبين.
ويُنظر إليه على نطاق واسع كرمز للوجه التقدمي للحزب الديمقراطي، القادر على استقطاب قاعدة واسعة من الناخبين الساعين إلى بديل للتوجهات المحافظة التي يمثلها ترامب.
ووفقًا لموقع صحيفة موذر جونز، فإن نيوسوم قد “كشف بوضوح عن التهديد الاستبدادي لترامب” من خلال مواقفه وأفعاله التي تدافع عن الحريات الفردية والديمقراطية، مما يعزز من مكانته كقائد يمكن أن يقود جبهة المعارضة الوطنية ويوحد الصفوف ضد ترامب.
وبينما يواصل نيوسوم نفي نيته الترشح للرئاسة في عام 2024 (مؤكدًا دعمه للرئيس السابق جو بايدن ونائبته كامالا هاريس)، فإن تحركاته المستمرة وتزايد نفوذه السياسي على الساحة الوطنية لا يزال يثير تساؤلات جدية حول طموحاته المستقبلية وما إذا كان يستعد لسباق رئاسي في السنوات القادمة.
كما يرى المراقبون أن هذا الصعود اللافت، وما صاحبه من احتكاك، أو بالأخرى اشتباك مباشر ومتزايد مع الرئيس ترامب، يجعل من جافين نيوسوم لاعبًا سياسيًا مؤثرًا يُنظر إليه كتهديد حقيقي ومباشر للرئيس الحالي دونالد ترامب، وفقًا لموقع صحيفة الإندبندنت البريطانية، فهل سيتحول هذا الخلاف المتصاعد إلى مواجهة رئاسية مباشرة في المستقبل، أم أن نيوسوم سيواصل دوره كقائد للمعارضة من خارج البيت الأبيض؟