القصة الشاملة: لماذا تواصل الفصائل الفلسطينية الاحتفاظ بأسلحتها في مخيمات لبنان؟

أثار الاتفاق بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونظيره اللبناني، جوزاف عون، على بدأ تنفيذ آلية لجمع السلاح من المخيمات الفلسطينية في لبنان والتي يبلغ عددها نحو 12 مخيمًا، وحصر امتلاك السلاح في يد الجيش اللبناني، حفيظة العديد من الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس والجبهة الشعبية.
لكن برزت جملة من التساؤلات حول:
ما هي الفصائل الفلسطينية التي تتواجد في لبنان؟
أسباب امتلاك تلك الفصائل للسلاح؟
من الجهة التي تتولى مسؤولية تأمين تلك المخيمات؟
لماذا تتواجد مخيمات فلسطينية بهذه الخصوصية في فلسطين؟
هل قرار جمع السلاح قابل للتنفيذ؟
“الرئيس نيوز” حاول الإجابة على تلك التساؤلات:
الفلسطيني المتخخص في شؤون الاستيطان، فخري أبو دياب يقول لـ”الرئيس نيوز”: “إن نحو 12 فصيلًا فلسطينيًا يتواجدون في مخيمات لبنان، أبرزها (فتح وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، وأن الفلسطينيين اللاجئين في لبنان هم ممن نزحوا بعد نكبة 1948، وعلى الرغم من أن البرلمان اللبناني، أسقط في ثمانينيات القرن الماضي، اتفاق 1969 الذي أبرم في القاهرة وسمح للفصائل الفلسطينية بإدارة تلك المخيمات وتأمينها، إلا أن الحكومة اللبنانية دخلت في ترتيبات أمنية مع الفصائل الفلسطينية سمح لها بالحفاظ على درجة من الحكم الذاتي مع الحد من قدراتها العسكرية”.
يشير أبو دياب إلى أن الاتفاق نص على أن تأمين المخيمات هو من مسؤولية الفصائل الفسلطينية، وهو ما جعل امتلاك تلك الفصائل للسلاح أمر طبيعي، لكن على مر الأوقات شهدت تلك المخيمات صدامات بين الفصائل الفلسطينية، تارة فيما بينهم وبين بعضهم البعض، وتارة أخرى فيما بينهم وبين المحتل الإسرائيلي”.
وعن إمكانية تنفيذ آلية جميع سلاح الفصائل في لبنان، يوضح أبو دياب أن الأمر صعب، وربما يفتح بابًا من الصدامات بين الجيش اللبناني، والفصائل الرافضة لتسليم سلاحها، وأنع من الضروري تواصل الدولة اللبنانية مع قادة الفصائل في المخيمات، لبحث آلية لتنفيذ القرار وجمع السلاح؛ للحيلولة دون وقع صدمات بين الجيش والفصائل، وأن الاتفاق الذي تم بين الرئيس عباس والرئيس عون لابد من إشراك الفصائل الفلسطينية فيه لضمان تنفيذع دون تفاقم الأوضاع”.
بحسب تقارير مختلفة فإن المخيمات الفلسطينية في لبنان، يتواجد فيها فصائل فتح وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (الثورية الماركسية)، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة (وهو فصيل مسلح منشق عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين).والجبهة الديمقراطية الشعبية لتحرير فلسطين، (وهي منظمة ثورية علمانية)، وفصيل عصبة الأنصار (جهادية سلفية) ولها وجود قوي في مخيم عين الحلوة. وفصيل جند الشام، (السلفية)، وفصيل عصبة النور.
ولطالما كان مخيم عين الحلوة مسرحًا للاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة.
نزوح خارج الأراضي
وتشير تقارير إلى أنه بين أواخر عام 1947 حتى أوائل عام 1949 نزح نحو 750 ألف فلسطيني خارج الأراضي التي أصبحت فيما بعد إسرائيل، بعد طرد معظمهم أو فرارهم خوفًا على سلامتهم، ولم يُسمح لهم بالعودة.
واستقبل لبنان نحو 100 ألف منهم، استقروا في 12 مخيمًا للاجئين في جميع أنحاء البلاد. وفي عام 1969، وبعد انطلاق بعض العمليات العسكرية من جنوب لبنان ضد إسرائيل، أبرم الفرقاء في لبنان اتفاقية القاهرة في ما بينهم برعاية الرئيس جمال عبد الناصر.
نصّت الاتفاقية على أنه لا يمكن نشر الجيش اللبناني داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأن الفصائل الفلسطينية الموجودة في المخيمات هي المسؤولة عن أمنها.
بحلول عام 1971، أصبح لبنان القاعدة الوحيدة لمقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات، بعد اشتباكات مسلحة بين مقاتلي المنظمة والجيش الأردني، عُرفت بأحداث “أيلول الأسود” عام 1970 والتي قضت على وجودهم في المملكة الأردنية.
في بداية السبعينيات، امتد نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية إلى مناطق خارج المخيمات في بيروت وجنوب لبنان، وأصبحت بعض المناطق في الجنوب تُعرف باسم “فتح لاند” (أرض فتح).
وإلى جانب استخدامها لبنان كقاعدة عمليات للغارات على إسرائيل ومصالحها في جميع أنحاء العالم، بدأت منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها سلسلة من عمليات اختطاف الطائرات التي استهدفت الرحلات الجوية الإسرائيلية والدولية التي تقل الإسرائيليين.
وكان لهذه العمليات تأثير كبير على الاستقرار الداخلي في لبنان وزيادة الصراع الطائفي، لا سيما بين أحزاب اليمين المسيحي وأحزاب اليسار المتحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية، في أزمةٍ تحولت في نهاية المطاف إلى حرب أهلية شاملة بدءًا من 13 إبريل 1975.

مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية لبنان
وفق تقارير صحفية فقد لعبت الفصائل الفلسطينية المسلحة دورًا كبيرًا في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، ويرى بعض اللبنانيين أن الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان هو السبب الرئيسي لاندلاع الصراع الأهلي.
في البداية، تحالف العديد من الفصائل الفلسطينية، وبخاصة حركة فتح، مع الجماعات اللبنانية اليسارية مثل الحركة الوطنية اللبنانية ولعبت دورًا رئيسيًا في الجولة الأولى من الحرب الأهلية والتي تُعرف باسم “حرب السنتين” (من أبريل 1975 حتى أكتوبر 1976).
وفي يونيو 1982، بدأت إسرائيل اجتياحًا واسع النطاق للبنان تحت عنوان الرد على محاولة اغتيال فاشلة لسفيرها في لندن، شلومو أرغوف. وقد أُعلن عن هذا الهجوم من قِبَل مجموعة منشقّة عن منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة صبري البنا، المعروف أيضًا باسم أبو نضال.
قُدِّرت الخسائر المدنية اللبنانية والفلسطينية بين 17 ألف و20 ألف وفق تقارير منظمات إنسانية كالصليب الأحمر الدولي ومنظمة العفو الدولية،. بينما قُدِّرت خسائر الجيش الإسرائيلي بحوالي 650 جنديًا وفقًا لمصادر حكومية إسرائيلية ومنشورات الجيش الإسرائيلي.
أجبر الاجتياح منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة مقرها في بيروت بموجب اتفاق جديد توسط فيه مبعوث الأمم المتحدة آنذاك فيليب حبيب. ومع انتقال حوالي 12 ألف مقاتل إلى العديد من الدول العربية، شكل اجتياح 1982 نهاية وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.
بعد أقل من أسبوعين على مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية، شهد مخيما صبر وشاتيلا للاجئين مجرزة راح ضحيتها الآف الفلسطينيين من القتلى والجرحى والمفقودين.
وُجّهت الاتهامات إلى ميليشيات لبنانية بعد يومين على اغتيال قائد “القوات اللبنانية” المُنتخب رئيسًا للجمهورية بشير الجميّل.
مع انتهاء إسرائيل من انسحاب جزئي من جنوب لبنان بحلول ربيع 1985 في أعقاب تصاعد الهجمات المسلحة ضدها من قبل فصائل لبنانية مختلفة، عاد مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية إلى المخيمات في المنطقة. وأعادوا تنظيم صفوفهم وبدأوا الاستعداد لاستئناف أنشطتهم المسلحة ضد القوات الإسرائيلية المتبقية في جنوب لبنان.
لكن العائدين اصطدموا بحركة أمل التي كانت تمثل المجتمع الشيعي اللبناني وكانت شعبيتها كبيرة في جنوب لبنان. وعلى الرغم من أنها نفذت عمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي في الجنوب، كانت حركة أمل مصممة على عدم السماح باستئناف منظمة التحرير الفلسطينية هجماتها على إسرائيل من الأراضي اللبنانية.
في السنوات التالية تراجع النشاط المسلّح الفلسطيني في لبنان. وتم إلغاء اتفاقية القاهرة من قبل البرلمان اللبناني في مايو 1987. وفي أكتوبر 1989، وقع النواب اللبنانيون اتفاقًا بوساطة سعودية-سورية لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد، عُرف باسم “اتفاق الطائف”.
وفي محاولة لاستعادة سلطته في جميع أنحاء البلاد، نشر الجيش اللبناني قواته في مناطق واسعة من جنوب لبنان في يوليو 1991، مما أجبر مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية على العودة إلى المخيمات.

ما بعد الحرب الأهلية
بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية شهدت العديد من الفصائل الفلسطينية المسلحة انخفاضًا في عملياتها العسكرية وتحولًا نحو الأنشطة السياسية. وكان اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية، يهدف إلى نزع سلاح الميليشيات واستعادة سلطة الدولة، مما أدى إلى توترات بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية.
ووضعت الحكومة اللبنانية ترتيبات أمنية مع الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين، مما سمح لها بالحفاظ على درجة من الحكم الذاتي مع الحد من قدراتها العسكرية.
وعلى الرغم من جهود نزع السلاح، استمرت وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان.
وتحافظ جماعات مثل فتح وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها على وجودها في مخيمات اللاجئين، وغالبا ما تنخرط في القضايا الأمنية والسياسية المحلية.
ووقعت اشتباكات دورية بين مختلف الفصائل الفلسطينية، وكذلك بين الجماعات الفلسطينية والجيش اللبناني.