د. محمد سعد يتناول: إعلام التيك توك والمهرجانات في زمن ما بعد الحقيقة!

خرج علينا الكاتب الصحفي خالد صلاح بدعوة جديدة لابتكار قوالب صحفية جديدة، تساير التغير في أنماط استهلاك الأخبار وذوق الجمهور، وإنقاذ الصحافة من حالة الموت السريري.
والدعوة لا غبار عليها، إذا كان الهدف هو استعادة مصداقية الصحافة في عصر ما بعد الحقيقة وهيمنة الأخبار الزائفة. ولكن خالد صلاح مهموم بالذوق أكثر من المصداقية، حيث يدعو لتقديم صحافة جديدة أشبه بالتيك توك وأغاني المهرجانات، من خلال دمج الدراما والغناء في القوالب الصحفية، عبر المونو دراما والموش جرافيك، ومعالجة الأزمة الاقتصادية في قالب درامي أو غنائي.
تأتي هذه الدعوة في الوقت الذي ينشغل المجال العام الأكاديمي الغربي بكبح جماح حرية الصحافة، واستعادة السيطرة عليها، بدعوى مواجهة الأخبار الزائفة، وتهديد الديمقراطية وسط صعود التيار الشعبوي المتطرف.
وأزمة الصحافة لدينا، مختلفة تماما عن أزمة الصحافة الغربية، إنها أزمة الحرية والمصداقية. فالأولوية لتحرير الصحافة من قبضة السلطة السياسية ونفوذ المال، عبر صحافة حرة مستقلة.
إن المجال العام الأكاديمي المصري مهموم ببطالة خريجي الإعلام والتوسع في كليات الإعلام، وهي قضية جديرة بالاهتمام، ولكنها أقل أهمية من حالة الركود الإعلامي والاختلال الوظيفي الناجم عن تجفيف منابع التنوع والتعدد والمساءلة والرقابة سياسيا وإعلاميا، حتى صارت نفايات وسائل التواصل الاجتماعي بديلا مقبولا لدى الجمهور يستقون منه الحقيقة.
يرى بعض الأكاديميين الغربيين أن الصحفيين في عصر ما بعد الحقيقة، تحولوا من حراس للحقيقة إلى وسطاء للحقيقة، وأن الحقيقة الصحفية أو الإعلامية غير الحقيقة العلمية التي تحتاج لوسائل معرفية، وإنها مجرد اقتراب من الحقيقة بشكل متعدد ومتوازن وموثوق ومقبول.
إننا في حاجة لجدل علمي حول إنقاذ الصحافة المصرية، عبر اجتهادات علمية جادة ومبدعه، لمناقشة أبعاد الاختلال الوظيفي للإعلام بوجه عام والصحافة بوجه خاص، وتناول الجوانب المعرفية والنظرية للمشكلة، من خلال تحليل متعمق للتغير في مهام الصحفيين وأدوارهم، وتقديم رؤي جديدة لتقصي الحقيقة، لا ادعاء احتكارها، عبر تقديم روايات متوازنة ومتعددة لما يحدث سياسيا واقتصاديا ومحليا ودوليا، وكشف التلاعب الأيديولوجي الذي يمارس في تأطير الحقيقة وتشكيلها، وكشف مروجي الأكاذيب والأخبار الزائفة، والمتلاعبين بوعي الجمهور، وتحديد ماهية من يسمح لهم بالكلام والخطاب وأهدافهم، ومن يقصى عن الكلام والخطاب، وتطوير القوالب الصحفية وتوظيفها لخدمة الحقيقة، لا لمسايرة الأذواق الهابطة.
أما الدعوة لقوالب صحافة التيك توك والمهرجانات، فالسرد الرقمي بديل ناجع، والحاجة ماسة لتأصيله علميا وتطوير بنيته في إطار الالتزام بالتعدد والتنوع والتوازن وأخلاقيات المهنة