قضايا غسل الأموال تطارد جماعة الإخوان في الأردن

تواجه جماعة “الإخوان المسلمين” المنحلة في الأردن ضغوطًا رسمية متصاعدة من السلطات الأردنية التي تتبنى استراتيجية شاملة لتفكيك بنيتها المالية وتجفيف مصادر تمويلها، بعد قرار حظرها في 23 أبريل 2025.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، تتركز هذه الجهود على ملاحقة أصول الجماعة المخفية خلف واجهات شخصية أو جمعيات متداخلة، مع توجيه تهم “غسل الأموال” للأفراد الذين يحتفظون بممتلكات تعود للجماعة دون تسوية أوضاعهم القانونية ضمن المهلة المحددة من قبل لجنة حل الجماعة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية.
خناق مالي وتفكيك قانوني
بدأت المواجهة القانونية مع “الإخوان المسلمين” في الأردن منذ قرار محكمة التمييز عام 2020، الذي اعتبر الجماعة، التي تأسست عام 1946، منحلة حكمًا منذ 16 يونيو 1953 لعدم تصويب أوضاعها القانونية وفق قانون الجمعيات لعام 2008.
هذا القانون يلزم الجمعيات بالشفافية المالية والمساءلة ويمنعها من ممارسة أنشطة سياسية، وهو ما اعتبرته السلطات مخالفًا من قبل الجماعة.
وبموجب المادة 25 من قانون الجمعيات، تؤول جميع أصول الجماعة المنحلة إلى صندوق دعم الجمعيات التابع لوزارة التنمية الاجتماعية.
وقد أمهلت الوزارة الأفراد الذين يحتفظون بأموال أو ممتلكات تعود للجماعة، سواء كانت منقولة أو غير منقولة، مدة شهر لتسوية أوضاعهم، وإلا سيواجهون تهم “غسل الأموال” بموجب قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الذي يعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات وغرامات مالية تعادل قيمة الأموال المخفية أو تزيد عنها.
تؤكد السلطات أن هذه الإجراءات تستند إلى أدوات تشريعية مدنية وإدارية، بينما تصر الجماعة على أن الاستهداف سياسي بحت. ووفقًا لأمين وزارة التنمية الاجتماعية برق الضمور، فإن التحذير من تهم “غسل الأموال” صدر لأول مرة عام 2020 وجدد في 2025، مشيرًا إلى أن اللجنة تتابع بدقة الممتلكات المسجلة بأسماء أفراد أو موروثة من الجماعة، مع تهم محتملة تشمل إساءة الأمانة والاحتيال وتعطيل سير العدالة وشهادة الزور.
وأوضح أنه لا توجد تقديرات واضحة لحجم هذه الأموال، لكن النائب السابق غازي ذنيبات أكد أن هذه الأصول تُعتبر أموالًا عامة بعد قرار الحل، وإخفاؤها يشكل جريمة غسل أموال مكتملة الأركان.
أصول متنازع عليها وشبكة مالية معقدة
يُعد ملف ممتلكات “الإخوان المسلمين” المنحلة من أكثر القضايا تعقيدًا في الأردن، حيث تشمل عقارات، مقار تنظيمية في مدن مثل عمان، الزرقاء، إربد، السلط، ومادبا، إضافة إلى أراضٍ ومدارس ومؤسسات تعليمية وحسابات بنكية مسجلة بأسماء واجهات أو شركات استثمارية في العقارات والتجارة.
وتواجه السلطات تحديًا كبيرًا بسبب تسجيل بعض هذه الأصول بأسماء قياديين أو أقربائهم لتفادي الرقابة، مما حوّل أملاك الجماعة إلى “تركة متنازع عليها”، كما يصفها التقرير.
ويشير رئيس اللجنة القانونية النيابية مصطفى العماوي إلى وجود وثائق رسمية تثبت مصادر هذه الأموال والجهات التي تحتفظ بها، نافيًا أي التباس قانوني.
تاريخيًا، تأسست الجماعة عام 1946 كجمعية خيرية دينية بموجب قانون الجمعيات العثماني لعام 1909، وظلت تعمل قانونيًا حتى صدور قانون الجمعيات الأردني لعام 2008، الذي طالبها بتصويب أوضاعها. وفي عام 2015، ظهرت جمعية جديدة مرخصة باسم “جمعية الإخوان المسلمين”، بينما فشلت الجماعة الأصلية في الامتثال للقانون، مما أدى إلى قرار حلها عام 2020.
وبعد الحل، نقلت أصول الجماعة إلى الجمعية الجديدة، لكن نزاعات قضائية استمرت حول ملكية المقار والعقارات الوقفية، مع رفض المحاكم دعاوى الجماعة للطعن في قرار الحل أو وقف نقل الممتلكات.
سوابق مالية وشبهات تمويل
تشير تقارير محلية إلى سوابق واضحة لاستخدام أملاك الجماعة في أغراض مالية غير شفافة، حيث وثقت تحقيقات أمنية وقضائية خلال السنوات الأخيرة شبهات حول سوء إدارة أموال جمعية المركز الإسلامي الخيرية، الذراع المالية الرئيسية للجماعة، التي وضعت تحت إدارة حكومية عام 2006 بعد الكشف عن تحويلات مالية لكيانات لا علاقة لها بالأعمال الخيرية.
كما فتحت تحقيقات خلال فترة “الربيع العربي” حول استثمارات مملوكة لقيادات الجماعة، مع تقارير إعلامية عن استغلال أملاكها، مثل المدارس والمستشفيات، لأغراض انتخابية وحزبية.
وعلى الرغم من عدم صدور أحكام قطعية تتهم الجماعة كمؤسسة بـ”غسل الأموال”، فإن السلطات تمتلك مبررات قانونية قوية لملاحقة الأفراد الذين يخفون أصولها أو يستخدمونها بطرق غير مشروعة.
استراتيجية التفكيك الناعم والصمت الإخواني
يعكس توجيه تهم “غسل الأموال” استراتيجية حكومية حاسمة لتفكيك البنية المالية للجماعة، التي يعتقد المراقبون أنها قد تمثل أكبر ضربة استراتيجية منذ تأسيسها، مما يحد من إمكانية عودتها للواجهة.
وقد قوبلت هذه التحذيرات بصمت مطبق من الجماعة، خاصة مع قرار بمنع النشر حول قضية الحظر.
ولم تعلن السلطات عن عدد الأفراد الذين استجابوا للتحذيرات أو رفضوها، لكن تقارير إعلامية أشارت إلى متابعة دقيقة لممتلكات لم يُفصح عنها، سواء آلت إلى أفراد مباشرة أو عبر الوراثة.
ويقول المحلل السياسي حسين الرواشدة إنه غير متفائل بإفصاح قيادات الجماعة عن الأصول المسجلة بأسمائهم، مشيرًا إلى أن لجنة الحل، التي تشكلت قبل خمس سنوات، لم تتلق إبلاغات من أعضاء الجماعة حول ممتلكاتها.
ومع ذلك، تطوع بعض الأعضاء السابقين بتقديم معلومات، بينما تمكنت الجهات الرسمية من كشف شبكة تمويل ضخمة وتحويلات مالية غير متوقعة مرتبطة بالجماعة.
ويؤكد الرواشدة أن شبكة علاقات ممتدة واستثمارات داخلية وخارجية، إضافة إلى دعم من رجال أعمال مرتبطين أيديولوجيًا بالجماعة، ساهمت في تعزيز نفوذها السياسي والاجتماعي على مدى عقود.
تحديات مستمرة وتداعيات مستقبلية
يواجه ملف ممتلكات “الإخوان المسلمين” تعقيدات قانونية ومالية وسياسية، خاصة مع تشعب العلاقات المالية وتعدد الأجهزة الرقابية.
ويخشى مراقبون من استمرار دعم مالي خارجي أو داخلي للجماعة من رجال أعمال مرتبطين بها، مما قد يعرقل جهود التفكيك.
ومع ذلك، تؤكد السلطات التزامها بتطبيق القانون، معتبرة أن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية الأموال العامة ومنع استغلالها في أنشطة غير مشروعة.