مصر توسع مصادر استيراد القمح بسبب التوترات الجيوسياسية

تسعى مصر، التي تعد واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم، إلى تنويع مصادر استيراد القمح لمواجهة المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة التي تهدد استقرار إمدادات هذه السلعة الإستراتيجية، ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة أكرأجروكونسلت، المتخصصة في متابعة الحاصلات الزراعية.
تأتي هذه الخطوة في ظل التوترات الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، التي أثرت بشكل كبير على الأسواق العالمية، حيث كانت روسيا وأوكرانيا تمثلان معًا حوالي 80% من واردات مصر من القمح قبل عام 2022.
وأعلنت مصر عن توقيع عقود توريد مع شركاء استراتيجيين في فرنسا ورومانيا، مع تعزيز مواقعها في أمريكا الجنوبية وأستراليا من خلال عمليات شراء في الوقت المناسب، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى ضمان استقرار إمدادات القمح، الذي يُعد العمود الفقري لبرنامج الخبز المدعم الذي يعتمد عليه ملايين المصريين، مع تقليل الاعتماد على مصادر محدودة قد تتأثر بالاضطرابات السياسية أو الاقتصادية.
توسيع قائمة الموردين وتكتيكات الشراء
ومن أجل تعزيز أمنها الغذائي، وسّعت مصر قائمة الدول الموردة للقمح لتشمل أكثر من 14 دولة، من بينها فرنسا، ورومانيا، وبلغاريا، والهند، والبرازيل، وألمانيا، والولايات المتحدة، وأستراليا، وفقًا لتصريحات مسؤولي وزارة التموين وهيئة السلع التموينية.
وأشارت رويترز إلى أن وكالة مستقل مصر بدأت في اعتماد تكتيكات الشراء المؤجل لتثبيت الإمدادات وتحسين جودة المنتجات، مما يتيح لها الاستفادة من انخفاض الأسعار في الأسواق العالمية.
وعلى سبيل المثال، خلال الفترة من يوليو 2022 إلى فبراير 2023، استوردت مصر حوالي 7.4 مليون طن من القمح، معظمها من روسيا، فرنسا، ورومانيا، بعد خروج أوكرانيا من قائمة الموردين الرئيسيين بسبب الحرب. كما أبرمت مصر اتفاقيات مع شركات مثل “الظاهرة” الإماراتية لاستيراد القمح بدءًا من يناير 2024، مما يعكس نهجًا استباقيًا لتأمين مصادر بديلة وتنويع الموردين لضمان استمرارية الإمدادات في ظل التقلبات العالمية.
التحديات الاقتصادية والجيوسياسية
تواجه مصر تحديات اقتصادية معقدة، تشمل نقص العملة الأجنبية وارتفاع أسعار القمح عالميًا، مما دفعها إلى استغلال فترات انخفاض الأسعار لزيادة مشترياتها.
فعلى سبيل المثال، في سبتمبر 2023، استفادت مصر من تراجع أسعار القمح بنسبة 32% مقارنة بالعام السابق لشراء كميات كبيرة.
ومع ذلك، فإن التوترات الجيوسياسية، مثل الحرب في غزة والعقوبات المفروضة على روسيا، زادت من المخاطر المرتبطة بالإمدادات، مما دفع مصر إلى استيراد 1.6 مليون طن في غضون شهر ونصف خلال عام 2023.
ووفقًا لتوصيات أمنية وحكومية، أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي بتكوين مخزون إستراتيجي يكفي لمدة 5 إلى 9 أشهر لحماية برنامج الخبز المدعم.
هذه الخطوات تعكس استجابة سريعة للتحديات الجيوسياسية، مع التركيز على تقليل الاعتماد على مصادر غير مستقرة وتعزيز المرونة في إدارة الإمدادات.
تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الفجوة
إلى جانب تنويع مصادر الاستيراد، تسعى مصر إلى تقليل الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك من خلال توسيع الرقعة الزراعية وتحسين أساليب الزراعة.
يبلغ الإنتاج المحلي من القمح حوالي 8-9 ملايين طن سنويًا، في حين يصل الاستهلاك إلى 18-21 مليون طن، مما يجعل مصر تعتمد على استيراد 9-12 مليون طن سنويًا.
وفقًا لتقرير وزارة الزراعة الأمريكية، من المتوقع أن تصل واردات مصر إلى 11.9 مليون طن في موسم 2023/2024.
تهدف الحكومة إلى زيادة الإنتاج المحلي إلى 4 ملايين طن إضافية بحلول عام 2025 من خلال مشاريع زراعية طموحة، مثل استصلاح الأراضي واستخدام تقنيات الري الحديثة.
هذه الجهود تهدف إلى تقليل الاعتماد على القروض الخارجية لتمويل الاستيراد، مع تعزيز الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح على المدى الطويل.
رؤية مستقبلية للأمن الغذائي
تُظهر استراتيجية مصر في تنويع مصادر استيراد القمح التزامًا قويًا بتعزيز الأمن الغذائي في مواجهة المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية.
من خلال توسيع الشراكات مع دول مثل فرنسا، رومانيا، وأستراليا، واعتماد تكتيكات شراء مرنة، تسعى مصر إلى ضمان استقرار إمدادات القمح الذي يُعد أساس النظام الغذائي لملايين المواطنين.
كما أن التركيز على تحسين الإنتاج المحلي وتطوير البنية التحتية الزراعية يعكس رؤية طويلة الأمد لتحقيق الاستدامة.
وتؤكد أكرأجروكونسلت أن هذه الجهود، بدعم من التعاون الدولي وتحليلات السوق الدقيقة، ستعزز قدرة مصر على مواجهة التحديات المستقبلية، مع الحفاظ على استقرار برنامج الدعم الغذائي وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.