واقع مضطرب: هل يمكن إنقاذ العلاقة بين المعلم والمؤسسة التعليمية؟

وقائع اليوم تشعل تساؤلات الأمس في لحظة بدت عادية على السطح، لكنها فجّرت في عمق المشهد التربوي زلزالًا من التساؤلات، رحل مدير إدارة تعليمية بعد لقاء جمعه وزير التربية والتعليم، وبين رواية رسمية تنفي تمامًا حدوث توبيخ أو تعنيف، وروايات متداولة تشير إلى تعرضه لضغط نفسي شديد، تاهت الحقيقة.
وزير التربية والتعليم نفت، وآخرون تحدثوا، والناس انقسموا بين مصدّق ومشكك، وفي قلب هذا كله، يقف المعلم حائرًا بين ما يراه، وما يقال له، وبين ما يشعر به.
قضية لا تبدأ اليوم.. بل جذورها ضاربة في عمق التاريخ
ليست الأزمة وليدة لحظة، ولا هو خلاف عابر، بل هو ميراث ثقيل تراكمت فوقه الأحمال.
عقود مضت، ساهم فيها المجتمع والإعلام والأعمال الدرامية، في ترسيخ صورة مهزوزة لدور المعلم، فصار يُحمّل فوق طاقته.
وما حدث اليوم، من تداول واسع لحادث الوفاة، ليس مجرد جدل حول وفاة مدير، بل هو تجلٍّ لحالة متراكمة جعلت الناس ينصاقون للاشاعة أكثر من البيان، ويتبنون الاتهام حتى قبل ظهور الحقائق.
هل نحن بحاجة إلى لجنة تقصي؟ أم إلى لغة تفاهم جديدة؟ ربما لا نحتاج فقط إلى لجنة تقصي شفافة ومستقلة تضع حدًا للجدل، بل نحتاج إلى منظومة جديدة تؤمن أن المعلم له قرار.
لجنة لا تكتفي بنفي الشائعات، بل تستمع، وتحلل، وتفهم دوافع كل طرف، وتُعيد رسم ملامح العلاقة بين القيادة التعليمية والمعلم.
نحو غدآ مشرق لا يمكن تطبيق رؤية تعليمية حقيقية دون أن يشعر المعلم أنه جزء منها، دون أن يُمنح حق المشاركة، والتعبير، والتعديل، دون أن يُقدَّر علمه، وخبرته، وميدانيته.
المعلم لا يطلب امتيازات.. بل اعتراف بفضله
المعلم لا يطلب ما ليس له، بل يطالب بما يليق بمهنته بمكانته، بمهمته الإنسانية لا يطلب سلطة، بل مشاركة، لا يريد أن يكون موظفًا يتلقى التوجيهات، بل صاحب رسالة يُحتفى برأيه ويُصغى إليه.
ما الحل؟ وكيف نكسر دائرة الشك؟
تشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومحايدة، مهمتها الوقوف على كافة ملابسات ما حدث اليوم، من خلال شهود عيان بنزاهة وشفافية.
فتح قنوات تواصل مباشر بين الوزارة والمعلمين، تُبنى على الحوار.
إطلاق مجلس وطني للمعلمين يشارك في وضع السياسات التعليمية، ويُستشار في القرارات المصيرية.
مراجعة كافة المواد الإعلامية والدرامية التي أسهمت في تشويه صورة المعلم، والبدء بحملة مجتمعية لتصحيح الوعي العام.
وضع ميثاق شرف تربوي، يضمن حقوق المعلم كاملة، لا تعليم بلا معلم.
الحقيقة التي لا تقبل الجدل، هي أن المعلم هو جوهر العملية التعليمية، هو الركيزة التي تُبنى عليها كل خطة، وكل تطوير، وكل إصلاح.