د. قياتي عاشور يطرح تساؤلات حول التفاعل الأبوي: هل هو شراكة عادلة أم سلطة غير منصفة؟

التفاعل الأبوي شراكة عادلة أم حكم غير منصف؟..ما معنى أن يكون الأب أو الأم “متفاعلًا” مع المدرسة؟ يتردد هذا السؤال في أذهان الكثيرين، خاصة في مصر حيث يُعتبر التعليم طوق نجاة لملايين الأسر. غالبًا ما يُربط نجاح الطفل الدراسي بمدى اهتمام أهله، لكن من يحدد هذا الاهتمام؟ ولماذا تبدو معاييره متباينة باختلاف الطبقة الاجتماعية أو الإمكانيات؟
فكرة التفاعل الأبوي
فكرة التفاعل الأبوي ليست جديدة، ويمكن تتبع جذورها إلى نقاشات عالمية، مثل تقرير “موينيهان” الأمريكي عام 1965، الذي أثار جدلًا بزعمه أن الفوارق التعليمية تعود إلى “اضطراب” في بنية الأسرة، مقترحًا نموذجًا “مثاليًا” يرتكز على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. رغم بعده عن واقعنا المصري، يجد هذا الطرح صدى في توقعات المدارس من الأهل، حيث يُقاس التفاعل غالبًا بقدرة الأسرة على تلبية متطلبات مثل مراقبة الواجبات أو دفع رسوم إضافية، دون مراعاة الظروف التي تعيق ذلك.
تخيل أمًا في حي شعبي بالقاهرة تعمل ساعات طويلة لتأمين لقمة العيش، ثم تعود لتجد طفلها بحاجة إلى مساعدة دراسية. هل هي “غير متفاعلة” لأنها لا تحضر اجتماعات المدرسة؟ أو أبًا في قرية نائية يطالب بتحسين مدرسة أبنائه المهملة، ليُوصف بـ”المتذمر” بدلًا من “المهتم”. وفي المقابل، يُنظر إلى أهل الطبقات الميسورة كـ”مثاليين” حتى لو كان دورهم شكليًا، مثل تقديم تبرع مالي. هذا التناقض ظهر في إحدى القضايا عام 2023، عندما رفضت مدرسة حكومية تسجيل أطفال من منطقة عشوائية بحجة “عدم الانضباط”، رغم جهود أهاليهم لتأمين تعليمهم.
هذه الفجوة تطرح سؤالًا جوهريًا: لماذا نلوم الأهل بدلًا من النظام التعليمي؟ يعاني التعليم في مصر من تحديات هيكلية، مثل نقص المدارس، وضعف البنية التحتية، والتكدس، لكن المسؤولية غالبًا تُحمل للأسر. فكرة أن الأهل هم المسؤولون الوحيدون عن نجاح أو فشل أبنائهم تتجاهل العوائق الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها أسر كثيرة. الأسر الفقيرة تُطالب أحيانًا بما هو مستحيل، بينما تُمتدح الأسر القادرة، حتى لو اقتصر تفاعلها على الدعم المادي.
لذا، حان الوقت لإعادة تعريف التفاعل الأبوي كشراكة حقيقية تراعي ظروف كل أسرة. الأم التي تكافح الفقر لتضمن تعليم طفلها، والأب الذي يطالب بحقوق أبنائه، كلاهما يتفاعل بطريقته. التعليم حلم مصري مشترك، وتحقيقه يتطلب نظامًا تعليميًا عادلًا يقدّر جهود الأهل بدلًا من محاكمتهم بمعايير لا تناسبهم. التفاعل الأبوي ليس واجبات مدرسية أو حضور اجتماعات فحسب، بل هو التزام مشترك بين الأسرة والمدرسة لصناعة مستقبل أفضل للأبناء، يقوم على العدالة والتفهم لظروف الجميع.