"الشرق" تنقل مشاهد من قصف مستشفى المعمداني بغزة

القصف قريب المسافة، وقوته أفزعت القلوب، الأمر الذي أدى إلى استشهاد قريبي واصابة نجله اصابة خطيرة للغاية. الأمر لم ينته بذلك فقد تطايرت الشظايا، لتصيب قريبتي المثقلة بالأوجاع فقد نزحت من الشمال إلى الجنوب، وعادت بهدنة إلى غزة فكان لقائي بها بعد عام ونصف، بل أكثر. إحدى تلك الشظايا مرت برحلة شاقة في جسدها من شقها الأيمن حتى الأيسر مرورا بالكبد والبنكرياس الذي أصيب بنزيف داخلي. بقيت ساعات طويلة مع قريبتي حتى كان الاطمئنان بتوقف النزيف بعد عملية جراحية تم خلالها إزالة الشظية رغم صغر حجمها لكن أحدثت الكثير. كانت ساعات الوقوف في مستشفى المعمداني ليست بالأمر السهل حيث العدد الكبير للجرحى فلم يعد هنالك متسع لهم.
وبين فترة وأخرى يأتي الجرحى والكثير منهم أشلاء، وسيارات الإسعاف قليلة العدد التي ما زالت تعمل وكثير ما تهرع بين دقائق معدودة من قصف إلى قصف، ومن نقل جرحى إلى نقل أشلاء لا مكان لجمعها إلا البطانية لعلها تستر أشلاء صاحبها الذي غيبت صواريخ الاحتلال ملامحه.
الطاقم الطبي بكل أفراده يحاولون جاهدين أن يقدموا الخدمات الطبية للجرحى لكن العدد أكبر بكثير من عددهم وإمكانياتهم المتواضعة جراء النقص الحاد في الأدوات، والمستلزمات الطبية، وغير ذلك.
تجولت في أروقة المستشفى فكل من كان فيه إما من الطواقم الطبية أو الجرحى، ولم يكن فيه شيء آخر غير ذلك. كان المستشفى يعمل بكل ما لديه من قوة لإنقاذ الجرحى رغم قلة الإمكانيات، وتواصل الحرب الشرسة على قطاع غزة.
الفاجعة كانت بطلب الاحتلال في الليل إخلاء المستشفى لقصف أحد مبانيه الرئيسية، الأمر كان في غاية الصعوبة فقريبتي كانت تحت الجهاز التنفسي، ويرتبط بجسدها ظرف الدم.
وجريحة أخرى تعاني من بتر في قدميها لا تقوى على الحركة، وجريح غائب عن الوعي لشدة الجراح التي أصابت جسده. وكذلك غرفة العمليات فلازالت في حالة طوارئ تجري عمليات جراحية مستعجلة جدا لا مجال للتأجيل فعامل الوقت في غاية الأهمية.
مستشفى المعمداني من المستشفيات الرئيسية التي تستقبل أعدادا كبيرة من الجرحى، الأمر الذي جعل من قصفه، وخروجه عن الخدمة معاناة قطعت بها وريد الجرحى.
عملية الإخلاء أدت إلى مضاعفات كبيرة زادت من الجرح الغائر للجرحى، الأمر الذي أدى إلى ارتقاء منهم.
أعداد الجرحى كانت تفوق أعداد الطواقم الطبية، ذلك جعل من عملية الإخلاء بمثابة الإعدام لهم.
حالة الخوف من الصعب وصفها بالكلمات خاصة أن الجرحى لم ينقلوا لمستشفيات أخرى نظرا لعدم توفرها أصلا بعد استهداف أعداد كبيرة منها وخروجها عن الخدمة فتم نقلهم إلى أرصفة الشوارع التي لم تكن بعيدة عن قصف المستشفى.
الوضع خطير لكن لا مجال لأمر آخر تحت العامل الزمني للقصف، وقلة الإمكانيات، وعدم وجود سيارات إسعاف أو حتى كراسي متحركة كافية، والعدد الكبير للحالات الخطرة من الجرحى في جنح ظلام الليل.
كانت ليلة القصف مفجعة فقد اجتمع على الجرحى الوجع، والخوف، والبعض منهم زاد جرحه بجرح آخر جديد اصابه بهذا القصف.
قصف المستشفى زاد معاناة الجرحى والمرضى خاصة أن القطاع الصحي أصلا يعاني من العجز فنسبة العجز في الأرصدة الدوائية والمستهلكات الطبية وصلت إلى مؤشرات خطيرة وغير مسبوقة. وكل مرة يبرر الاحتلال سبب قصف المكان بوجود مسلحين؛ ليجعل من ذلك مبررا له لمزيد من القصف والدمار حتى وإن وصل الأمر إلى استهداف المستشفيات التي تعدها كل القوانين خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، لكن الاحتلال لم يتجاوز هذا الخط فحسب؛ بل تجاوز كل المعاني الإنسانية والأخلاقية.