قطر ولبنان.. دبلوماسية فاعلة وشراكة راسخة في وجه التحديات

قطر ولبنان.. دبلوماسية فاعلة وشراكة راسخة في وجه التحديات

ترتبط دولة قطر والجمهورية اللبنانية بعلاقات تاريخية وثيقة مبنية على أسس الأخوة والتعاون ، وترتكز على الاحترام المتبادل والأخوة العربية الصادقة، وتشهد هذه العلاقات نموا وتطورا ملحوظا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية.
وترجمة للرغبة المشتركة والحرص المتبادل على تعزيز وتطوير العلاقات بين الدوحة وبيروت ، يبدأ فخامة الرئيس العماد جوزاف عون رئيس الجمهورية اللبنانية الشقيقة، زيارة رسمية للبلاد، ويستقبل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى فخامة الرئيس العماد جوزاف عون بالديوان الأميري لبحث العلاقات بين البلدين وآفاق تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات بما يخدم مصالح البلدين وشعبيهما الشقيقين.
وتعود بداية العلاقات الدبلوماسية بين دولة قطر والجمهورية اللبنانية إلى أوائل السبعينيات حيث افتتحت السفارة القطرية في بيروت والسفارة اللبنانية بالدوحة عام 1972، وتستمد العلاقات القطرية اللبنانية قوتها ورسوخها من تاريخ عريق من العلاقات المميزة بين البلدين وسجل حافل من الدعم القطري للبنان، حيث كانت قطر سباقة في تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي والمعنوي والمادي للبنان على امتداد السنوات والعقود الأخيرة.
وقد برز الدور القطري في الوساطة والدبلوماسية خلال الأزمات اللبنانية، فقد استضافت دولة قطر مؤتمر الدوحة للحوار الوطني اللبناني عام 2008، والذي أثمر عن إعلان "اتفاق الدوحة"، وشكل هذا الاتفاق نقطة تحول هامة في تاريخ لبنان، حيث ساهم في إنهاء أزمة سياسية حادة وتحقيق مصالحة وطنية، ومهد الطريق لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. كما استمرت قطر في دعم لبنان سياسيا من خلال المشاركة في المؤتمرات الدولية المتعلقة بلبنان، مثل مؤتمر باريس لدعم لبنان.
وأظهرت دولة قطر قولا وعملا على مر السنين تضامنها الكامل ودعمها المطلق للبنان على كافة الأصعدة خاصة ، خاصة في أعقاب حرب يوليو 2006، ولم يقتصر الدعم القطري على الجانب السياسي والإنساني خلال الحرب، بل امتد إلى مرحلة إعادة الإعمار ، حيث لعبت قطر دورا محوريا في هذا المجال ، من خلال تقديمها مساعدات مالية ولوجستية كبيرة للمساهمة في ترميم البنية التحتية والمنازل المتضررة. كما أولت قطر اهتماما خاصا بدعم الجيش اللبناني، حيث قدمت له مساعدات مالية وكميات من الوقود للمساهمة في الحفاظ على قدراته في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان.
وعقب انفجار مرفأ بيروت المأساوي عام 2020، كانت قطر من أوائل الدول التي سارعت إلى تقديم مساعدات عاجلة للبنان، شملت مواد طبية وغذائية وإغاثية، بالإضافة إلى ذلك، ساهمت قطر في ترميم المكتبة الوطنية اللبنانية، التي تضررت جراء الانفجار، كما قدمت قطر دعما للقطاع التعليمي في لبنان بشكل عام، من خلال مبادرات مختلفة تهدف إلى تحسين جودة التعليم وتوفير فرص التعلم للجميع. وفي إطار دعمها المستمر للجيش اللبناني، قدمت قطر دعما شهريا من المواد الغذائية للعسكريين. كما أعلنت عن مساهمة بقيمة 50 مليون دولار لإعادة إعمار مرفأ بيروت. وخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان سيرت دولة قطر وبتوجيهات من حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى جسرا جويا نقل عشرات الأطنان من المساعدات ومواد الإغاثة للشعب اللبناني. وتلعب الزيارات الرسمية المتبادلة بين المسؤولين القطريين واللبنانيين دورا بارزا في تعزيز العلاقات الثنائية وتعميق التعاون بينهما في مختلف المجالات.
وقد حضر صاحب السمو أمير البلاد المفدى القمة العربية الاقتصادية والتنموية في بيروت في يناير عام 2019، وهو ما شكل ترجمة عملية لسياسة قطر الخارجية وللدعم المستمر الذي تقدمه للبنان. وفي يوليو 2010، قام صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني /حفظه الله/ بزيارة إلى لبنان، حيث أجرى مباحثات مع الرئيس اللبناني وتفقد مناطق في الجنوب اللبناني.
وفي يناير 2017، قام الرئيس اللبناني /السابق/ ميشال عون بزيارة رسمية إلى دولة قطر، كانت ثاني زيارة خارجية له بعد توليه منصبه، مما يؤكد الأهمية التي يوليها لبنان للعلاقات مع دولة قطر. وفي فبراير الماضي قام معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بزيارة إلى بيروت التقى خلالها فخامة الرئيس العماد جوزاف عون وعدد من كبار المسؤولين اللبنانيين.

وجدد معاليه خلال الزيارة الترحيب بانتخاب العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية، معربا عن الأمل بأن تكون هذه الخطوة، خطوة في إرساء الأمن والاستقرار في لبنان، وأكد معاليه أن زيارته لبيروت هي زيارة دعم من دولة قطر، مؤكدا وقوف دولة قطر دائما إلى جانب لبنان وإلى جانب الشعب اللبناني في لحظات الفرح وفي لحظات الحزن، مؤكدا معاليه استمرار الدعم القطري للبنان من خلال الدعم الإنساني ودعم العمل المجتمعي، وأيضا دعم القوات المسلحة اللبنانية، المؤسسة العسكرية التي تجمع كل اللبنانيين، وشدد معاليه على أن دولة قطر تؤكد استمرار دعمها للشعب اللبناني، وتتطلع بعد تشكيل الحكومة اللبنانية للنظر في كيفية العمل معها لتقديم الدعم لمؤسسات الدولة اللبنانية والعمل على مشاريع مشتركة بين البلدين.
وتنظم العلاقات بين الدولتين مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي ترسخ التعاون بين الدوحة وبيروت في مختلف المجالات وخاصة الاقتصادية والاستثمارية والزراعية والإعلامية والأمنية والسياحية والقانونية وفي مجال التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات.
وقد شهد التعاون الاقتصادي والتجاري بين دولة قطر والجمهورية اللبنانية نموا ملحوظا على مر السنين، مما يعكس حرص البلدين على توسيع آفاق التبادل التجاري والاستثماري. ويوجد حوالي 1500 شركة قطرية لبنانية مشتركة تعمل في السوق القطرية في مختلف القطاعات الاقتصادية، بالإضافة إلى 29 شركة لبنانية مملوكة بالكامل تعمل في قطاعات متنوعة. ويعد السوق القطري من أضخم الأسواق بالنسبة للمنتجات اللبنانية، مشددا على أن التبادل التجاري بين البلدين شهد قفزات عملاقة خلال السنوات الماضية، وبشكل خاص في مجال المنتجات الزراعية.
وتشهد العلاقات بين الدوحة وبيروت زيارات متبادلة بين الوزراء والوفود التجارية والمسؤولين في البلدين بشكل دوري لبحث العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. ففي نوفمبر لعام 2023 استقبلت رابطة رجال الأعمال القطريين وفدا اقتصاديا لبنانيا، برئاسة سعادة السيد أمين سلام، وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية آنذاك ونوه الوزير سلام، بالاستثمارات القطرية الداعمة لاقتصاد بلاده، لافتا إلى وجود العديد من الفرص الاستثمارية المجدية في لبنان، والتي بمقدور رجال الأعمال القطريين استغلالها. ومن جهته، نوه سعادة الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، رئيس مجلس إدارة الرابطة، بالعلاقات الأخوية المتينة بين دولة قطر والجمهورية اللبنانية، مشيرا إلى الاستثمارات العديدة لرجال الأعمال القطريين، منذ فترة السبعينيات، في لبنان. وأكد سعادته وجود معرفة حقيقية بالسوق اللبنانية والفرص المتاحة بها، مع ضرورة استغلالها لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين، مؤكدا على أن الرابطة ومجتمع الأعمال القطري على استعداد للاستثمار في لبنان حال عودة الاستقرار.
وفي نوفمبر لعام 2023 دعا سعادة السيد أمين سلام وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، رجال الأعمال القطريين للاطلاع عن كثب على الفرص الاستثمارية المتاحة في بلاده، خصوصا في قطاعات الأمن الغذائي والطاقة والسياحة. جاء ذلك خلال اجتماعه مع سعادة الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني رئيس غرفة قطر ، حيث تم بحث أوجه التعاون المشترك، وسبل تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين القطاع الخاص في البلدين.
وفي إطار العلاقات الثقافية بين البلدين ، قامت سعادة السيدة لولوة بنت راشد بن محمد الخاطر وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، في التاسع من أبريل الجاري بزيارة عمل رسمية إلى الجمهورية اللبنانية، برفقة وفد تربوي رفيع المستوى، وذلك للاطلاع على التجربة اللبنانية في تطوير التعليم، لا سيما في مجال إعداد المناهج الدراسية، وبحث سبل تعزيز التعاون التربوي والتعليمي بين البلدين.
وفي مارس الماضي نوه فايز رسامني وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني بالعلاقات التاريخية القائمة بين لبنان وقطر، وبالدعم القطري لبلاده في مختلف المراحل ، وشدد سعادته في حوار خاص مع وكالة الأنباء القطرية /قنا/، على ضرورة تطوير التعاون بين البلدين من خلال مشاريع مشتركة، لا سيما في ما يتعلق بالمرافئ والمطارات وقطاع النقل، بما يسهم في دعم التنمية الاقتصادية وتحسين البنية التحتية في لبنان. وأكد على أن أولويات الوزارة تتمثل في العمل على إعادة تأهيل البنى التحتية التي تضررت جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، مع التركيز على إصلاح الطرقات والمعابر الحدودية والمرافق الحيوية مثل المرافئ والمطارات.