خبراء ومختصون لـ "الشرق": لجنة السلامة الرقمية خطوة إستراتيجية لحماية الأطفال

■ الأطفال في مواجهة مفتوحة مع محتوى رقمي غير آمن
■ تكامل الجهود لحماية النشء من الانحرافات الرقمية
■ المحتوى الرقمي غير المناسب يهدد القيم الأخلاقية للأطفال
■ مواجهة إدمان الشاشات تبدأ من الوعي الأسري
أشاد عدد من الخبراء والمختصين بموافقة مجلس الوزراء الموقر على مشروع قرار إنشاء لجنة للسلامة الرقمية للأطفال والنشء، تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة، معتبرين أن هذه الخطوة تشكّل نقلة نوعية في جهود تعزيز الحماية الرقمية للفئات الناشئة من مخاطر الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأكدوا في تصريحات لـ «الشرق» أن الاقتراح المتضمن إعداد دراسة شاملة حول حالة الأمان الرقمي للأطفال والنشء، مع تقديم توصيات مخصصة لكل جهة حكومية بحسب اختصاصها، سيسهم في بناء بيئة رقمية آمنة ومستدامة تحصّن الأجيال الجديدة من التهديدات الرقمية. وأشاروا إلى أن العالم الرقمي المفتوح يعرّض الأطفال لمعلومات مضللة ومغلوطة، ما يجعلهم فريسة سهلة في ظل غياب الرقابة والوعي، مؤكدين أن حماية هذه الفئة مسؤولية مشتركة تتطلب تنسيقًا وتعاونًا بين مختلف الجهات للخروج بحلول فعالة لمواجهة التحديات الرقمية المتنامية.
– د. عبدالله الشيبة: الحماية الرقمية للطفل تتطلب شراكة فاعلة
أكد الدكتور عبدالله الشيبة، أن تشكيل لجنة وطنية للسلامة الرقمية يمثل تطورًا نوعيًا في مسار حماية الأجيال الجديدة من التهديدات المتصاعدة التي يشهدها الفضاء الرقمي، مشيرًا إلى أن البيئة الافتراضية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال، ما يتطلب آليات ضبط وتوجيه تتناسب مع طبيعة هذه المرحلة.
وأوضح أن المشكلة لم تعد فقط في المحتوى غير الملائم الذي قد يتعرض له الطفل، بل في التأثيرات التراكمية للتكنولوجيا على بناء الشخصية، مثل ضعف التركيز، وغياب التواصل الأسري، والتأثر بنماذج سلوكية دخيلة قد تتسلل عبر الألعاب الإلكترونية أو تطبيقات الفيديو القصيرة.
وبيّن أن اللجنة الجديدة يجب أن تعمل وفق استراتيجية وطنية متكاملة، لا تقتصر على الحظر والمنع، بل تشمل التوعية، والتثقيف، وإعداد برامج تدريبية للمعلمين وأولياء الأمور حول أساليب التعامل الذكي مع التكنولوجيا، بحيث يتحول الفضاء الرقمي إلى بيئة تعليمية آمنة ومحفزة، بدلًا من أن يكون ساحة مفتوحة للعبث والاختراق.
كما أشار إلى أن حماية الطفل في البيئة الرقمية لا يمكن أن تتم بمعزل عن دور المؤسسات التعليمية، داعيًا إلى إدراج مفاهيم التربية الرقمية في المناهج الدراسية، وتعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب، لتمكينهم من التفاعل الواعي والمسؤول مع المعلومات التي يتلقونها يوميًا عبر الإنترنت.
وختم الشيبة تصريحه بالتأكيد على أن نجاح أي مبادرة رقمية لحماية الطفل يتطلب شراكة فاعلة بين الأسرة، والمدرسة، والمؤسسات الإعلامية، والجهات الحكومية، بهدف خلق وعي مجتمعي شامل بخطورة ترك الطفل ضحية للاستهلاك الرقمي العشوائي، وضرورة تمكينه من أدوات الحماية الذاتية والمعرفة الآمنة.
– د. بتول خليفة: خطوة لحماية جيل كامل من مخاطر الفضاء الرقمي
قالت الدكتورة بتول خليفة، الأستاذ المشارك غير المتفرغ في قسم الصحة النفسية بجامعة قطر، إن الأجيال الحالية تواجه تحديات ومخاطر جسيمة في ظل الفضاء الإلكتروني المفتوح، ما يستدعي وضع آلية واضحة لحماية أبنائنا من هذا الانفتاح الرقمي الذي قد يقودهم إلى انحرافات سلوكية وأخلاقية.
وأوضحت أن الأطفال يتعاملون عبر الإنترنت مع أشخاص في عالم افتراضي، دون أن يدركوا هوية من يتفاعلون معهم، فقد يكون من يشارك الطفل لعبة إلكترونية شخصًا منحرفًا أو مريضًا نفسيًا يشكل خطرًا حقيقيًا، وقد يدفع الطفل إلى ارتكاب أفعال لا أخلاقية أو منافية للعادات والتقاليد والدين. وأكدت ضرورة فرض رقابة صارمة على المواقع التي يتابعها الأطفال، ومراقبة نوعية المحتوى الذي يشاهدونه، إلى جانب تحديد عدد الساعات التي يقضونها أمام الشاشات، حمايةً لهم نفسيًا وجسديًا.
واعتبرت أن قرار إنشاء لجنة تُعنى بالسلامة الرقمية للأطفال يشكل خطوة بالغة الأهمية، لما له من دور في حماية جيل كامل من مخاطر الفضاء الرقمي واسع النطاق. كما شددت على أهمية الدور المحوري للأسرة، وخاصة الوالدين، في مراقبة أبنائهم ومتابعة ما يشاهدونه، خاصة في مرحلة المراهقة، بما يضمن تنشئتهم في بيئة صحية قائمة على القيم الدينية والأخلاقية.
وختمت الدكتورة خليفة بالتأكيد على أهمية تكاتف الجهود للحد من المحتوى غير المناسب الذي يتعرض له الأطفال، بما يضمن مستقبلًا أفضل وأكثر أمانًا لهم.
– المحامية فوزية العبيدلي: توفير بيئة رقمية آمنة تواكب تطورات العصر
أكدت المحامية فوزية العبيدلي أن دولة قطر تولي اهتمامًا بالغًا بالطفل والأسرة في جميع تشريعاتها، انطلاقًا من مبادئ الشريعة الإسلامية والقيم الأخلاقية والوطنية المتجذّرة في المجتمع، مشيرة إلى أن الطفل يحظى بأولوية قصوى ضمن الخطط والبرامج الحالية والمستقبلية، باعتباره ركيزة أساسية في مسيرة التنمية وبناء المستقبل.
واعتبرت أن موافقة مجلس الوزراء الموقر على إنشاء لجنة للسلامة الرقمية للطفل والنشء تُعد خطوة رائدة وغير مسبوقة، تهدف إلى حمايتهم من الآثار السلبية للتكنولوجيا، وتوفير بيئة رقمية آمنة ومرنة تواكب تطورات العصر وتحمي فئات المجتمع الأكثر تأثرًا.
وأوضحت أن الدستور القطري، إلى جانب قوانين الأسرة والعقوبات ذات الصلة بالعالم الرقمي، تناولت بشكل تفصيلي حماية الأسرة والطفل، وأفردت مواد قانونية واضحة تكفل حمايتهم من أي ضرر ناتج عن الاستخدام السلبي للتقنية، كما شددت على العقوبات بحق من ينتهك حقوق الطفل، وأولت رعاية خاصة للطفولة والأمومة.
وأضافت أن رؤية قطر الوطنية 2030 تضم محاور أساسية تتعلق بالطفل، تشمل التعليم، وتنمية القدرات، والرعاية الصحية والوقائية والعلاجية، إلى جانب التزامات الدولة بالاتفاقيات الدولية المعنية بحماية الطفل، لا سيما في ما يخص التقنيات الحديثة.
وفي هذا السياق، دعت العبيدلي الأسر وأولياء الأمور إلى ضرورة التعرّف على طبيعة العالم الرقمي، بما يشمله من وسائل إلكترونية وبرامج ومنصات تواصل اجتماعي، حتى يتمكنوا من احتواء أبنائهم وتقديم الدعم المناسب في حال تعرضهم لأي مشكلات أثناء استخدامهم للتكنولوجيا.
كما شددت على أهمية دور المؤسسات المجتمعية، على اختلاف اختصاصاتها، في تطوير برامج إلكترونية فعّالة تُراعي عمر الطفل واحتياجاته النفسية والمعرفية، وتتوافق مع القيم القطرية الأصيلة، وذلك لتجنب لجوء الأطفال إلى عوالم افتراضية قد تحمل سلوكيات ضارة.
– د. فائزة أحمد: الرقابة الأبوية ضرورة في عصر الانفتاح الرقمي
أكدت الدكتورة فائزة أحمد، الأستاذة بكلية التربية في جامعة قطر، أن إطلاق مبادرة إنشاء لجنة للسلامة الرقمية يمثّل خطوة بالغة الأهمية في سبيل حماية الأطفال من مخاطر الفضاء الإلكتروني المفتوح، مشيرة إلى أن العصر الرقمي الحالي أتاح كل شيء أمام الأبناء دون قيود، في ظل غياب شبه تام لأي رقابة على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي.
وشددت على أن اللجنة المزمع إنشاؤها سيكون لها دور فعّال في حماية النشء، خاصة المراهقين، الذين يُعدّون الفئة الأكثر عُرضة للانحرافات السلوكية في ظل التفاعل غير المنضبط مع العالم الافتراضي. ولفتت إلى خطورة ظاهرة الإدمان على الإنترنت، حيث يقضي الأطفال والمراهقون ساعات طويلة أمام الشاشات في التواصل مع أشخاص مجهولين، أو التفاعل مع محتويات ومواقع غير آمنة، وهو أمر ينعكس سلبًا على سلوكهم وتطورهم النفسي والاجتماعي.
وأشارت إلى أن ترك الطفل لفترات غير محددة أمام الأجهزة الإلكترونية يعرضه لمخاطر كبيرة قد تتسبب في أضرار جسيمة، ما يستدعي ضرورة إيجاد آليات سريعة وفعالة للحد من تلك التهديدات، من خلال تضافر جهود الأسرة والمدرسة وكافة الجهات المعنية بالدولة.
وأضافت أن إنشاء لجنة السلامة الرقمية يأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث بات العالم الرقمي مفتوحًا على مصراعيه أمام الأطفال، وهم في مرحلة عمرية لا يمتلكون فيها القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، الأمر الذي يجعل من حمايتهم مسؤولية دينية وأخلاقية تهدف إلى تنشئة جيل واعٍ، مثقف، ومحصّن بالقيم والمعرفة.
وختمت بتأكيدها على الدور المحوري للأسرة، وخاصة الوالدين، في فرض رقابة صارمة على أبنائهم، من خلال متابعة المحتوى الذي يتعرضون له، وتقنين عدد ساعات استخدام الشاشات، بما يضمن سلامة نموهم الجسدي والنفسي في بيئة صحية وآمنة.