رئيس الوزراء: ملتزمون بدورنا في بناء السلام.. وأطفال غزة وسوريا والسودان وأوكرانيا ليسوا مجرد أرقام

رئيس الوزراء: ملتزمون بدورنا في بناء السلام.. وأطفال غزة وسوريا والسودان وأوكرانيا ليسوا مجرد أرقام

أكد معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية التزام دولة قطر بمواصلة دورها كشريك فاعل في جهود السلام والتنمية من خلال دعم الحلول السياسية للنزاعات والعمل الإنساني وبناء شبكات أمان تحمي المجتمعات من التطرف والعنف.

جاء ذلك في كلمته خلال افتتاح منتدى الأمن العالمي 2025، تحت عنوان "تأثير الجهات الفاعلة غير الحكومية على الأمن العالمي" في الدوحة.

وقال معاليه: "يشهد نظامنا الدولي تحولات جذرية تفرض علينا إعادة تقييم مفاهيمنا حول الأمن والاستقرار ولم تعد الصراعات أحداث عابرة يمكن احتوائها بل تحولت إلى ظواهر ممتدة تتوالد وتتداخل فارضة على العالم أزمات متشابكة يغذي بعضها بعضا من أوكرانيا إلى غزة مرورا بالأزمات المتعددة في منطقتنا".

 وأضاف معاليه: "في قلب هذا المشهد المعقد نرى استمرار النزاعات وإمتدادها زمنيا وجغرافيا دون آفاق واضحة للحلول نتيجة غياب الإرادة السياسية الجماعية وتغليب المصالح الضيقة على متطلبات السلام العادل والشامل. وهذا الاستمرار يخلف وراءه أجيالا كاملة تنشأ في ظل العنف واليأس وفقدان الأمل وهو ربما الأثر الأكثر خطورة لهذه الصراعات، فأطفال غزة وسوريا والسودان وأوكرانيا ليسوا مجرد أرقام في تقارير المنظمات الدولية بل هم مستقبل مجتمعاتنا ومرآة لمدى نجاحنا وفشلنا في صناعة عالم أكثر أمنا وإنسانية وحتى لو توقفت الحروب غدا سنجد أنفسنا أمام تحدي لإعادة الإعمار الهائل ليس فقط لإصلاح الدمار المادي بل أيضا لإعادة بناء المجتمعات على المستويات الاجتماعية والنفسية".

 وتابع معاليه: "في ظل تعدد الأزمات وتراجع التمويل الدولي تبدو ملفات مثل إعادة إعمار سوريا أو غزة وكأنها أصبحت أحلام مؤجلة على أجندة المجتمع الدولي لذلك فإن رؤيتنا للحل لا تنحصر في وقف إطلاق النار وإنهاء الحروب فحسب بل تمتد إلى بناء أسس متينة للتعافي الشامل والمستدام في مسؤولية جماعية والتزام دولي حقيقي". 

وأشار معاليه إلى أنه : في خضم هذه التحديات المتشابكة برز دور المنظمات الإنسانية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية والمبادرات المحلية كعنصر محوري في معادلة الأمن والسلام ، وهذه الكيانات أصبحت تشكل خط الدفاع الأول في الاستجابة للأزمات متجاوزة فيها في كثير من الأحيان القيود البيروقراطية والسياسية التي تكبل الجهات الرسمية، لكن في الجانب الآخر نواجه الفواعل من غير الدول التي تستغل الفراغات الأمنية وتتغذى على الفوضى والمعاناة سواء من جماعات إرهابية إلى شبكات جريمة منظمة، وتتخذ التصرفات المارقة لبعض الدول التي لا تواجه إلا بنذر يسير من الحكمة وكثير من الضعف والتراخي من بعض الحكومات ذريعة للتغلغل في وجدان الشعوب واختطاف دور المدافع الأوحد عن حقوقهم، وفي خضم هذا المشهد المأزوم تغيب الحقيقة ويتناثر اللوم أهي الدول المارقة أصل الداء أم الحكومات الضعيفة عن أداء واجبها أم الحكمة التي غدت عملة نادرة في زمن اختلطت فيه المعايير واضطربت الموازين؟، وهنا تكمن أهمية موضوع منتدانا هذا العام فالحدود بين البناء والهدم بين من يسعى للسلام ومن يستثمر في الحرب يجب أن ترسم بوضوح ودقة،  التعامل مع هذه التحديات يستدعي مقاربة ذكية تدعم وتمكن القوى الإيجابية وتحاصر وتجفف منابع المنظمات والمجموعات الإرهابية والاجرامية التي تستغل معاناة الشعوب لتحقيق أجندتها الخاصة ولم يتحقق ذلك إلا من خلال حوكمة عالمية اكثر شمولا وشبكات إستراتيجية بين الحكومات والمجتمع المدني".

كما أكد معاليه أن "ما يجري في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف يقدم لنا دروسا مؤلمة حول هذه الديناميكية، فوسط دمار غير مسبوق وكارثة إنسانية تجاوزت كل الخطوط الحمراء للمنظمات الإنسانية و المبادرات المحلية دور بالغ الأهمية في إبقاء شريان الحياة متدفقا وفي نقل معاناة المدنيين إلى العالم وحتى في المساهمة في جهود الوساطة والمفاوضات، وأكثر ما يؤلم ويمثل وصمة عار على جبين العالم كله أن الغذاء والدواء بات سلاحا في هذه الحرب فيستغل موت الأطفال جوعا وبردا سلاحا لتحقيق مآرب سياسية ضيقة ويحاصر شعبا بأكمله ويمنعه عن أبسط الحقوق في وصول المساعدات إليه دون محاسبة".

 و[شدد معاليه على أن : "دولة قطر ستواصل بالشراكة مع جمهورية مصر العربية و الولايات المتحدة الأمريكية والشركاء الإقليميين جهودها الحثيثة للتوصل إلى وقف دائم وشامل إطلاق النار في غزة وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية بلا عوائق ونؤكد أننا دعم الشعب الفلسطيني ليس موقفا سياسيا قابلا للمساومة بل التزام أخلاقي و إنساني ينبع من قيام العدالة التي نؤمن بها".

ولفت معاليه إلى انه : "رغم قتامة المشهد العام تلوح بوادر إيجابية يجب التمسك بها و تعزيزها في سوريا نرى الدولة التي يعاد بناؤها وشعب يعمل على رسم صورة جديدة لبلاده مع إدراك دقة المرحلة والحاجة إلى خطاب وطني جامع، وفي لبنان يمثل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل للحكومة فرصة لإعادة إحياء المؤسسات وتعزيز الثقة بالدولة ومستقبلها شريطة أن يتزامن ذلك مع إصلاحات جوهرية وإشراك حقيقي للمجتمع المدني، كما أننا نلاحظ بوادر إيجابية مشجعة كما شاهده مؤخرا هنا في الدوحة عبر استضافة محادثات السلام بين جمهورية الكونغو الدمقراطية وجمهورية رواندا والتي أسفرت عن التوصل إلى تفاهمات مبدئية لوقف إطلاق النار وخفض التصعيد وتعزيز بناء الثقة،  هذه النماذج تبرز كيف يمكن للمسارات الرسمية و المبادرات المجتمعية معا أن تساهم في تهيئة بيئة داعمة للمصالحة الوطنية والاستقرار الإقليمي".

وأوضح معاليه أن: "التجارب المتنوعة التي نشهدها تؤكد حقيقة أساسية: الأمن الدائم لا يتحقق بالقرارات بالقرارات الفوقية وحدها بل ببناء مجتمعات متماسكة قادرة على الصمود من خلال توسيع الشراكه وتفعيل دور جميع مكونات المجتمع في صناعة المستقبل".

واختتم معاليه كلمته مؤكدا أن "دولة قطر لطالما كانت ملتزمة بمبدأ الحوار كوسيلة أساسية لحل النزاعات وبناء السلام ونحن نؤمن أن التعامل البناء مع المنظمات الإنسانية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية يشكل جزءا لا يتجزأ من أي جهد جاد لتحقيق الاستقرار المستدام من خلال تجاربنا المتعددة في الوساطة وحل النزاعات أدركنا ان بناء السلام الحقيقي يتطلب فتح قنوات حوار مع جميع الأطراف المؤثرة واحترام خصوصيات كل مجتمع والاعتراف في المظالم التاريخية والعمل على معالجتها بروح من العدالة والمصالحة, رغم كل التحديات التي نواجهها أوكد أن الأمل لا يزال خيارنا وأن القدرة على التغيير الإيجابي لا تزال في متناولنا إذا توافرت الإرادة الصادقه وإذا تمكنا من تجاوز الحسابات الضيقة وإذا وضعنا الإنسان بكرامته وحقوقه وتطلعاته في قلب كل سياسة وكل مبادرة".

وأضاف معاليه: "نحن في دولة قطر ملتزمون بمواصلة دورنا كشريك فاعل في جهود السلام والتنمية من خلال دعم الحلول السياسية للنزاعات والعمل الإنساني وبناء شبكات أمان تحمي المجتمعات من التطرف والعنف ونتطلع إلى أن يكون منتداكم هذا منصة للأفكار المبتكرة والحلول العملية وخطوه نحوه شراكة أوثق بين الحكومات والمجتمعات من أجل عالم أكثر أمنا وعدلا وأكثر احتراما لكرامة الإنسان وأتمنى لكم مناقشات المثمرة".