غزة.. 6 أشقاء خرجوا لتوزيع الأرز فعادوا شهداء

خطى متسارعة، ومشاعر مختلطة، وكلمات مبعثرة، مع اقترابه من مستشفى شهداء الأقصى، هكذا تعرف المواطن إبراهيم أبو مهادي على أبنائه الستة، الذين استشهدوا دفعة واحدة، جراء استهدافهم بغارة إسرائيلية في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، في خضم القصف الهمجي المجنون الذي عاد يشعل ليل غزة. كان وقع الخبر على الأب كالصاعقة، إذ لم يصدّق في بادئ الأمر، أن أولاده الستة: محمود، محمـد، أحمد، مصطفى، زكي، وعبد الله، الذين كانوا استقلوا سيارتهم للتو، قاصدين خيام النازحين في دير البلح، لتوزيع الأرز وما تيسر من المواد الغذائية عليهم، استهدفتهم غارة غادرة، ما أدى إلى تدمير المركبة، وتحويل جثامينهم إلى أشلاء.
أبو مهادي، بدا متماسكاً محتسباً، كأنما يتوضأ بالصبر، لدرجة أنك تستعين بصلابته وأنت تلقي أسئلتك عليه، ويقول إن مصابه كان كبيراً وحزنه عميقاً، لكنه يحتسب أبناءه الستة شهداء عند ربهم يرزقون، لافتاً إلى أنه ودّعهم بكل الفخر، معتبراً أنهم كانوا يسبقونه إلى إغاثة النازحين، وسبقوه إلى الجنة. ويضيف: «لا أدري كيف تمالكت نفسي قبل أن أودعهم التراب، وأمّيت عليهم صلاة الجنازة، وسرت في موكب تشييعهم ولم أذرف دمعة واحدة، رغم الحزن الشديد الذي كان يعتمل قلبي.. الحمد لله الذي اختارهم إلى جواره، ونحن أفضل حالاً من غيرنا، فهناك عائلات أبيدت بالكامل، والصدمة لم تفجعني وحدي، بل فجعت كل أهالي دير البلح وقطاع غزة، ومساندة الناس لي ومواساتي في مصابي الجلل، خففت عني مصيبتي».
أما والدة الشهداء الستة، فبدت صلبة وقوية عند علمها برحيلهم، وراحت تنعاهم بما يليق بالشهداء وتضحياتهم، وبعبارات أسالت دموع المعزيات المحيطات بها، رغم دخولها في غيبوبة لبعض الوقت، وبكائها بحزن شديد، كلما شاهدت صورتهم الأخيرة، التي كانوا قد التقطوها مع والدهم، خلال عيد الفطر قبل نحو الشهر.
تقول الوالدة، وملامح وجهها تنطق بحزن عميق: «الحزن يدمي قلبي على رحيلهم دفعة واحدة، لكني فخورة بأبنائي وأعمالهم الإنسانية، ومنذ الأيام الأولى للحرب، كنت أراهم يجمعون المساعدات لتوزيعها على النازحين والعائلات التي يشتد عليها الحال، لم يكونوا يحملون السلاح عندما قصفتهم الطائرات الإسرائيلية، بل كانوا يحملون الطعام للجوعى».وتحت ركام المنازل التي دمرتها الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة، قضت عائلات بأكملها، ومسحت أخرى من السجل المدني للسكان، وهي حصيلة غير مسبوقة للمجتمع الغزي الصغير، الذي يتكون في معظمه من اللاجئين وأبنائهم وأحفادهم. فخلال الحرب التي قفزت عن العام ونصف العام، أبيدت 2165 عائلة عن بكرة أبيها، بحيث لم يعد لها وجود، ويضاف إليها 6664 عائلة أُبيدت جزئياً وفقدت معظم أفرادها، ومن بين الضحايا أكثر من 3500 مسن، وما يزيد على 12500 امرأة، وأكثر من 18000 طفل، فضلا عن أكثر من 11000 مفقود، بينهم نحو 4700 طفل، وهناك ما يقارب الـ 40000 طفل فقدوا والديهم (أحدهما أو كليهما) وأصبحوا أيتاماً.