وزير الدولة للتعاون الدولي: العالم يشهد تحديات غير مسبوقة من نزاعات وموجات نزوح وانتهاكات صارخة للقانون الدولي

وزير الدولة للتعاون الدولي: العالم يشهد تحديات غير مسبوقة من نزاعات وموجات نزوح وانتهاكات صارخة للقانون الدولي

أكدت سعادة السيدة مريم بنت علي بن ناصر المسند وزير الدولة للتعاون الدولي أن الواقع الدولي اليوم يشهد تحديات غير مسبوقة من نزاعات لا تميز بين المدنيين والعسكريين إلى موجات نزوح جماعي، فضلا عن انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني، تشمل منع المساعدات الإنسانية والغذاء، واستهداف المنشآت الحيوية والعاملين في المجال الإنساني، بالإضافة إلى التضييق على المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق الصراع.
وقالت سعادتها خلال افتتاحها مؤتمر القيادة الإنسانية بعنوان "القيادة التغييرية في زمن الأزمات المتعددة"، الذي ينظمه مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بالتعاون مع مركز القيادة الإنسانية في جامعة ديكن الأسترالية على مدى يومين: "إن العالم اليوم يواجه أزمات متشابكة ومتفاقمة، إذ لا تكاد تلبث أزمة إنسانية أن تهدأ حتى تستبدل بأخرى أشد وأقسى، ومع كل أزمة هناك ضحايا أبرياء، حرموا من حقهم في التنمية بل وحقهم في الحياة الكريمة"، مشيرة إلى أنه مع اتساع رقعة المعاناة وازدياد أعداد الضحايا، لم تعد الاستجابة الإنسانية مسؤولية دولة بعينها أو طرف منفرد، وإنما مسؤولية جماعية تتطلب تكاتفا دوليا، وتعاونا شاملا وفعالا وإرادة سياسية جادة.
وأضافت "إننا من منطلق مسؤوليتنا الأخلاقية والإنسانية نؤمن بضرورة حشد الجهود الدولية لمواجهة هذه الأزمات ومنع الانتهاكات وإحلال السلام، كما تعمل دولة قطر، انطلاقا من التزامها الراسخ بمبادئ القانون الدولي الإنساني، بشكل وثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين لحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها، وكذلك تفعيل أدوات المساءلة القانونية على المستوى الدولي".
ونوهت سعادتها بأنه "رغم التحديات المتزايدة في العمل الإنساني، مثل نقص التمويل وارتفاع مستوى المخاطر التي يواجهها العاملون في الإغاثة، والذي أجبر العديد من المنظمات على تقليص عملياتها، فإننا لم نتوان عن أداء دورنا في كثير من مناطق الأزمات حول العالم، مثل فلسطين والسودان وغيرها".
وفيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة، أشارت سعادة وزير الدولة للتعاون الدولي أن التصعيد العسكري في قطاع غزة جاء ليكشف مجددا هشاشة النظام الدولي في حماية المدنيين، حيث نشهد يوميا استهدافا ممنهجا للبنية التحتية والمرافق المدنية، وسقوط آلاف الضحايا من الأطفال والنساء.
وقالت سعادتها: "إن دولة قطر شاركت بفعالية في الجهود الدولية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة، وأكدنا على أهمية تنفيذ جميع مراحل الاتفاق، بما في ذلك إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، ووقف العدوان، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2735"، موضحة أنه رغم التحديات واصلت دولة قطر إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة بالتنسيق مع الأمم المتحدة، ولن تتوقف عن ذلك ما دام هناك طفل ينام تحت الأنقاض أو مريض ينتظر دواء لا يصل.
وتابعت "إن الحرب الدائرة في السودان، أدت إلى كارثة إنسانية تتسع يوميا، مع تصاعد النزوح الداخلي والخارجي وتفاقم الاحتياجات الأساسية"، مؤكدة أن دولة قطر حرصت على الاستجابة العاجلة، عبر إرسال المساعدات الإغاثية، ودعم البرامج الإنسانية، ودعوة كافة الأطراف للجلوس إلى طاولة الحوار، إيمانا منا بأن الحلول الدائمة للنزاعات لا تأتي إلا بالحوار والتفاهمات السياسية، مهما طالت أعمار تلك النزاعات".

وأكدت سعادة السيدة مريم بنت علي بن ناصر المسند، أهمية إعادة تقييم آليات العمل المشترك، وحشد الإرادة السياسية والدعم الدولي، والعمل على تنسيق الجهود بكفاءة، وتعزيز الشفافية والمساءلة والاستناد إلى بيانات دقيقة لتحديد الأولويات والاحتياجات التي تضمن الاستجابة الإنسانية الفعالة، وتطوير آليات الاستجابة الإنسانية لتكون أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع الواقع المتغير، وألا تقتصر على المساعدات فقط، بل تشمل الوقاية وبناء القدرات والضغط الدبلوماسي لحماية المدنيين ومحاسبة من ينتهكون القانون الدولي.
وقالت: "إن على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته الكاملة، لا أن يتقاعس أمام المآسي أو يعتاد على صور المعاناة، فلا يجوز لنا أن نقبل بسياسة الأمر الواقع، بل يتوجب علينا أن نتكاتف لإعادة تشكيل هذا الواقع على أسس من العدالة والكرامة والرحمة".
وأعربت سعادة وزير الدولة للتعاون الدولي في ختام كلمتها، عن ثقتها بأن يشكل هذا المؤتمر، بما يضم من عقول وخبرات متنوعة منصة لصياغة رؤى جديدة ومبادرات جريئة تحدث فرقا حقيقيا على أرض الواقع.
بدوره، قال الدكتور غسان الكحلوت مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني: "إن عقد هذا المؤتمر في ظل ما يشهده العالم من أزمات مركبة ومتصاعدة، يعد موقفا نابعا من إدراك عميق بأن العمل الإنساني في صورته التقليدية، يواجه اليوم اختبارات صعبة على مستوى المفاهيم، وعلى مستوى الممارسة، وعلى مستوى المشروعية الأخلاقية والسياسية".
وأضاف أن "الضغط على المنظومة الإنسانية الدولية قد بلغ حدا غير مسبوق، إذ نواجه اليوم واقعا تتراجع فيه الموارد، وتتعقد فيه أنظمة الامتثال، وتقيد فيه مساحة الحياد والاستقلال والنزاهة، وتستهدف فيه المنظمات والعاملون الإنسانيون بشكل ممنهج بالقتل المباشر المتعمد أو عبر القيود القانونية، أو الاتهامات السياسية، أو التضييق المالي، أو التشكيك في النوايا"، لافتا إلى إنه في المقابل تتعاظم الحاجة إلى المساعدات الإنسانية، ليس فقط في مناطق النزاع، بل في مجتمعات الهشاشة الاقتصادية، وفي وجه الكوارث الطبيعية المتزايدة، وفي ظل آثار التغير المناخي المتسارعة.
وأشار إلى أن موضوع المؤتمر المتمثل بالقيادة الإنسانية في عالم متعدد الأزمات، يأتي استجابة موضوعية لحاجة ملحة إلى إعادة تعريف من يقود وكيف ولمصلحة من، مبينا أن القيادة لا ترتبط فقط بالسلطة أو التمويل أو التمثيل الرسمي، بل باتت مرتبطة بالقدرة على الربط بين الأخلاق والفعالية، وبين المحلي والعالمي وبين الأصوات المهمشة وصناعة القرار.
وقال مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني: "إننا لا يمكننا أن نبدأ هذا المؤتمر دون أن نستحضر المآسي الإنسانية التي يشهدها العالم والمنطقة، خاصة تلك الفاجعة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة التي لا تمثل مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل صدمة كبيرة لكل من آمن بأهمية المنظومة الإنسانية وقيمها، فمنذ أكتوبر 2023، يتعرض المدنيون في غزة لوضع كارثي بكل المقاييس"، مبينا أن هذه ليست مجرد معاناة، وإنما مذبحة موثقة تجري أمام أعين العالم، وسط عجز فادح للمنظومة الدولية، وتراجع مقلق في قوة القانون وانعدام الإرادة على الاضطلاع بمسؤولية الحماية.
وأضاف أن "الإشارة إلى غزة في هذا المؤتمر ليست موقفا سياسيا، بل واجبا إنسانيا وأكاديميا يفرض علينا أن نعيد التفكير في أدوات مسؤولية الحماية، ومعايير التدخل الإنساني ومفهوم القيادة الإنسانية في مواجهة المذابح الجماعية".
وأكد الدكتور الكحلوت أنه لا يمكن إغفال الدور الذي تضطلع به دولة قطر في دعم العمل الإنساني إقليميا ودوليا، إذ شكلت قطر خلال العقود الماضية رافدا أساسيا للجهود الإغاثية والتنموية، كما ساهمت في بناء مساحات للحوار الإنساني والنقاش الأكاديمي حول التحديات الأخلاقية والسياسية التي تواجه العمل الإنساني، ما يعكس التزاما متزايدا بترسيخ نهج أكثر عدالة واستدامة.