"الشرق" تنشر تفاصيل أول زراعة قلب في قطر

بعد إعلان إجراء أول عملية زراعة قلب في دولة قطر، نفذها فريق متعدد التخصصات من مستشفى القلب التابع لمؤسسة حمد الطبية، يكشف عدد من الأطباء الذين قاموا على هذا الإنجاز في حوار مع "الشرق" تفاصيل جديدة عن التجربة، تتعلق بالحالة الحرجة للمريض قبل الجراحة، إلى التحديات الطبية واللوجستية التي رافقتها.
بدوره روى الدكتور علي الكنداوي -استشاري أول جراحة وزراعة القلب بمستشفى القلب التابع لمؤسسة حمد الطبية-، خطوات الجراحة من لحظة اتخاذ قرار إخضاع المريض لزراعة القلب لإنقاذ حياته، وحتى بلوغه حد التعافي، بينما أوضح الدكتور عمرو بدر- استشاري أمراض القلب وضعف عضلة القلب وزراعة القلب، ومدير عيادات ضعف القلب المتقدمة بمستشفى القلب التابع لمؤسسة حمد الطبية-، حجم انتشار المرض في الدولة، لافتا إلى أن أكبر تحدٍ أمام برنامج زراعة القلب هو توفر المتبرعين، مشيرا إلى أهمية سجل قطر للتبرع بالأعضاء كركيزة إنسانية وصحية لا بد من دعمها مجتمعيا، وانعكاس استكمال برنامج زراعة القلب ضمن برنامج زراعة الأعضاء في دولة قطر، وتأثيره على خفض تكاليف العلاج بالخارج للمرضى الذين كانت حالتهم تتطلب إجراء زراعة القلب في الخارج.
هذا الحوار يضع القارئ في قلب التجربة، ويسلّط الضوء على الجهود المحلية لتقليل الاعتماد على العلاج في الخارج، وتوفير رعاية متقدمة ضمن بيئة طبية مؤهلة بكل المقاييس… إليكم التفاصيل:
• منذ عام 2022
– د. علي منذ متى وتعكف مؤسسة حمد الطبية على الاستعداد لبرنامج زراعة القلب؟
بداية من المهم أن أوضح أنني لقد التحقت بالعمل في مستشفى القلب التابع لمؤسسة حمد الطبية بهدف تأسيس برنامج زراعة القلب في مستشفى القلب، حيث بدأ العمل الجاد نهاية عام 2022، ومن ثم بدأنا في تشكيل فريق جراحة القلب والذي يتألف من عدة اختصاصات، لذا كان من الصعب استقطاب هذا العدد من الاختصاصيين بوقت قليل، لذا استغرق الأمر فترة لاستقطاب الكفاءات للانضمام إلى برنامج زراعة القلب، لذا لدينا أخصائيو زراعة القلب، وأخصائي تخدير خاص بزراعة القلب، وأخصائي الماكينة الهوائية لزراعة القلب، وأخصائي التهابات، وأخصائيون للأدوية المثبطة للمناعة، فهذه الاختصاصات يجب أن تكون مهيأة ومتدربة على زراعة القلب، فليس من السهل توفير الفريق بين عشية وضحاها.
– ما متطلبات زراعة القلب؟ ومن هو مريض القلب المؤهل لإجراء زراعة القلب؟
العلامات الموجبة لزراعة القلب تتمثل في عجز القلب الكلي عن أداء وظائفه، لذا في حال كان هناك مريض ولديه عجز في القلب 100% ولايمكن علاجه بالأدوية، ولا توجد طريقة لعلاج القلب حتى بالأجهزة، فهنا يكون العلاج الذهبي لتعويض فشل القلب هو زراعة القلب.
• وضع صحي حرج
– كيف كان وضع المريض الصحي قبل إجراء الجراحة؟
حقيقة كان بحالة صحية دقيقة وحرجة، حيث كان المريض –وهو يبلغ من العمر 42 عاما- بقسم المرضى الداخليين في مستشفى القلب لمدة ثلاثة أشهر بسبب تدهور حالته الصحية، فكانت حياته على الأدوية والمحاليل الوريدية الذي يصعب أن تفصل عنه، كما كان يحيا على ماكينة مرتبطة به موصلة به عن طريق الفخذ، وكان لابد من تغييرها كل أسبوعين منعا لحدوث الإلتهابات، كما كان من الصعب إخراجه من العناية المركزة للحد الذي بلغ به أنه غير قادر على أداء مهامه اليومية واحتياجاته الشخصية، كما أنَّ حالته الصحية أثرت على وظائف الكلى والكبد بسبب أن الدم لا يصل لهذه الأعضاء بالصورة الواجبة من القلب، ولهذا وضعنا اسمه على لائحة الانتظار، وبتيسير من الله استطعنا أن نجد له متبرعا يطابق فصيلة دمه ويطابق الأنسجة، فالمريض كان يعاني منذ قرابة الخمس سنوات من تصلب الشرايين القلبية، كما أنه تعرض لقرابة 4 مرات لذبحات قلبية، وكان يدخل المستشفى بصورة منتظمة، ولكن مع الدخول الأخير وهو منذ ثلاثة أشهر لم يستطع مغادرة المستشفى نظرا لدقة حالته.
– كيف كان نمط حياة المريض حتى بات في هذا السوء؟
كان المريض مدخنا سابقا، ومصابا بالسكري وارتفاع معدل الكوليسترول فهذه الأسباب أدت إلى إصابته بمرض تصلب الشرايين والذبحات الصدرية المتكررة.
• تأهيل المريض للجراحة
– ما الخطوات التي اتخذتموها لتأهيل المريض لهذه الجراحة، سيما وأنها تُجرى لأول مرة؟
إنَّ من يعانون من فشل تام في القلب يُتوفون خلال سنة من الإصابة تقريبا، فتهيئة المريض لزراعة القلب تمر بمسار معقد جدا، فعمر المريض يعد عاملا رئيسيا لإجراء الجراحة أو عدم إجرائها، فضلا عن مطابقة فصيلة دم المريض مع فصيلة المانح، وقبل هذه الإجراءات يتطلب إخضاع المريض لسلسلة من الفحوصات تستغرق فترة من أسبوعين إلى شهر ما قبل العملية من قبل اختصاصيي القلب والرئة واختصاصيي الطب النفسي، مع التأكد من مدى قدرة جسم المريض على تقبل الجراحة من حيث التخدير والعديد من التفاصيل، وهل قادر على تقبل الأدوية المثبطة للمناعة حتى لا يُرفض الجسم العضو بعد الجراحة، فيمر المريض بسلسلة معقدة من الإجراءات والفحوصات للتأكد من تهيئة المريض لإجراء هذه الجراحة ومن بعدها يتم إدراج المريض على لائحة الانتظار، حتى يجد الفريق الطبي المانح المناسب لهذا المريض أو ذاك بناء على تطابق فصيلة الدم، فالطريقة معقدة، والحصول على الأعضاء في زراعة الأعضاء أسهل باعتقادي من الحصول على مانح للقلب لأن المانح لابد أن يكون متوفيا، وليس كغيرها من الأعضاء.
• 5 ساعات مدة الجراحة
– كم المدة التي استغرقتها الزراعة؟
نقل القلب من المريض المتوفي دماغيا استغرق ثلاث ساعات إلى أربع ساعات، والجراحة أجريت في مستشفى القلب لزراعة القلب في جسد المريض استغرقت من 4 ساعات إلى 5 ساعات.
• رعاية مكثفة
– متى قررتم أن الجراحة تكللت بالنجاح؟
القرار بنجاح الجراحة منذ لحظة فصل المريض المتلقي عن الماكينة الهوائية لإنعاش القلب والرئة، وبعد ست ساعات إلى سبع ساعات من بعد الجراحة فهذه تمنحنا ما بنسبته 90% على نجاح الجراحة، وفي اليوم الأول واليوم الثاني نتابع المريض وأن ليس لديه أي علامة من علامات الرفض هنا نقرر نجاح الجراحة.
– ما نوعية الرعاية التي من المهم أن يتلقاها أي مريض زراعة قلب؟
مع إخراجه من العناية المركزة، والعلاج ما بعد الجراحة لابد أن يخضع لفترة نقاهة طبية، من خلال متابعة المعالج الطبيعي، والتأكد من أنه لايعاني من أي انتكاسات، ومن ثم يتم ترخيصه للمنزل مع الأدوية للقلب وللمناعة، فواحد من الأدوية بالإمكان وقفه بعد مرور عام من الجراحة، والدواء الآخر بالإمكان الاستمرار عليه مدى الحياة مع الفحوصات الدورية كل ستة أشهر أو عام، وإجراء خزعة للقلب، وأحيانا بالإمكان تخفيض الجرعات شيئا فشيئا.
• فحوصات يومية
– كم الفترة التي استغرقها وجود المريض لديكم بعد إجراء الجراحة؟
كون هذه الجراحة الأولى لزراعة القلب فنحن أبقينا على المريض من أسبوع إلى عشرة أيام في العناية المركزة حتى يتم التأكد من أنه استجاب للجراحة، واستجاب للأدوية المضادة للالتهابات وللأدوية المثبطة للمناعة فهي علامات وفحوصات كانت تجرى يوميا إلى جانب الفحوصات المخبرية والتصوير التلفزيوني للتأكد من أن كل شيء يجري على ما يرام.
– متى يمكن لمرضى زراعة القلب ممارسة حياتهم بصورة طبيعية؟
بعد ثمانية أسابيع إلى عشرة أسابيع من العملية يستطيع أن يمارس حياته الطبيعية في منزله، والبعض منهم من يعمل عملا مكتبيا بالإمكان أن يعود إلى عمله، وبعد أربعة أشهر إلى ستة أشهر بالإمكان ممارسة حياته الطبيعية مئة بالمائة، ولكن الأمر الوحيد هو متابعته لأدوية المناعة، والمتابعة مع الأطباء بعد الخروج من المستشفى،حيث بعد الخروج من المستشفى لابد من متابعته كل أسبوعين، ومن ثم كل شهرين، وبعد ستة أشهر ممكن أن نتابعه كل فترة.
• رؤية مؤسسة حمد
– ما التقنية التي استخدمت في هذا النوع من الجراحات؟
مستشفى القلب مجهز بالكامل لإجراء جراحات كبرى، وقد تم اضافة التقنية المتعلقة بطريقة نقل العضو المزروع من مستشفى حمد العام إلى مستشفى القلب، فضلا عن استخدام خزعة القلب بعد أسبوع من الجراحة لمتابعة استجابة المريض للعضو من عدمه. ونود التأكيد على أن هذا الإنجاز يتوافق مع الرؤية الاستراتيجية لمؤسسة حمد الطبية والتي تعمل على تحقيق التميز في مجال تقديم الخدمات الطبية وتحسين تجربة المرضى، بما يتماشى مع استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة لدولة قطر، ورؤية قطر الوطنية 2030، حيث تلتزم المؤسسة بتبني أحدث التقنيات الطبية وتوفير رعاية صحية متقدمة تُحدث فارقاً ملموساً في حياة المرضى.
• رفض العضو من التحديات
– هل واجهتم صعوبات في عملية زراعة القلب؟
لقد قمنا بتدريب الفريق لمدة ستة أشهر قبل البدء بالجراحة، وحتى أننا قمنا بمحاكاة جراحة زراعة القلب من مرتين إلى ثلاث مرات لمحاكاة عملية زراعة القلب لتدريب الفريق الطبي الذي سيشارك في هذه الجراحة وذلك منح الفريق الاستعداد الضروري قبل اجراء الجراحة.
– ما مخاوفكم بعد الجراحة، وهل هناك احتمالية لرفض العضو؟
يمثل رفض العضو المزروع نوعا من المضاعفات في هذه الجراحات، لذا في هكذا جراحات لابد من متابعة المريض متابعة حثيثة، ونأخذ منه خزعات للقلب، والتأكد من الأدوية، فالمتابعة مهمة بأهمية الجراحة.
• إضافة حقيقية لبرنامج الزراعة
ما انعكاسات هذا الإنجاز على برنامج زراعة الأعضاء في دولة قطر؟
إن زراعة القلب تعد إضافة حقيقية لبرنامج زراعة الأعضاء في دولة قطر، وهو إتمام لجميع عمليات زراعة الأعضاء، كما أنه إتمام لجميع الجراحات المتعلقة في القلب، فنحن نجري الجراحات القلبية كافة في مستشفى القلب مما لا يدفعنا إلى تحويل أي حالة إلى خارج قطر، والسبب أن التقنيات والأطباء متوفرين هنا.
هل أنتم مستعدون لاستقبال مرضى من الخارج لإجراء هذه الجراحة؟
في مستشفى القلب نحن نقدم كافة الجراحات، ومتوفر لدينا التقنيات كافة وعلى أعلى مستوى، لذا نحن مستعدون لاستقبال أي حالة من الخارج، ومن المهم التأكيد أن ليس كل مستشفى قلب لديه زراعة قلب، فعلى سبيل المثال بريطانيا لديها 50 مستشفى قلب، 5 مستشفيات فقط منها تقوم بجراحات زراعة القلب، كما أن الأمر يعتمد على المتبرعين المناسبين.
• تصلب الشرايين
– ما نصيحتكم لأفراد المجتمع حتى يحموا قلوبهم؟
إنَّ حماية القلب تتطلب تجنب الضغوط النفسية، وممارسة الرياضة، الإقلاع عن التدخين، تناول الطعام الصحي، وتجنب السهر.
– ما أكثر أمراض القلب شيوعا في دولة قطر؟
يعد تصلب الشرايين التاجية أكثر أمراض القلب شيوعا.
د. عمرو بدر: تحسن خدمات تشخيص وعلاج أمراض القلب
التقت الشرق بالدكتور عمرو بدر – استشاري أمراض القلب وضعف عضلة القلب وزراعة القلب، ومدير عيادات ضعف القلب المتقدمة بمستشفى القلب – للحديث عن حجم هذا التطور، والتحديات المرتبطة بعمليات زراعة القلب، وتقديم النصيحة للمرضى.
– كم نسبة المرضى الذين يراجعون مستشفى القلب ويعانون من ضعف عضلة القلب؟
قبل عام 2011، لم تكن هناك عيادات متخصصة لضعف عضلة القلب في قطر، ولكن مع افتتاح أول عيادة عام 2012 بدأنا نرصد حجم هذه الحالات. في البداية، سجلنا 80 زيارة فقط، ومع مرور الوقت وزيادة عدد العيادات وتوسع الفريق الطبي، بلغ عدد الزيارات في عيادات ضعف عضلة القلب 9 آلاف زيارة في عام 2024، ما يعكس ازدياد الوعي وتحسن خدمات التشخيص والعلاج.
• عيادة زراعة القلب
– متى بدأتم بمتابعة مرضى زراعة القلب؟ وكم عدد المرضى الذين يتابعون حاليًا؟
بدأنا في عام 2012 بفتح عيادات متابعة خاصة بزراعة القلب، وذلك للمرضى الذين أجروا عمليات زراعة في الخارج، خاصة من المواطنين. لدينا حاليا 25 مريضا قطريا خضعوا لزراعة قلب ويتابعون حالتهم الصحية في العيادة بشكل منتظم، وجميعهم يتمتعون بصحة جيدة.
– كيف تسير عملية زراعة القلب؟ وما الذي يتطلبه الأمر من المريض والطبيب؟
أهم ما في الأمر هو الشفافية مع المريض. يجب أن يكون على دراية تامة بأن حالته خطيرة، وأن قلبه لم يعد قادرًا على منحه حياة طبيعية بدون تدخل جذري. لا يعني هذا أن كل من يعاني من ضعف عضلة القلب يحتاج إلى زراعة، فالنسبة الأكبر من المرضى يتجاوبون مع العلاج الدوائي. أما من لا يستجيب، فقد يحتاج إلى جهاز بطارية أو مضخة مساعدة للقلب ريثما يتوفر متبرع مناسب، زراعة القلب هي الخطوة الأخيرة، وتحتاج إلى تهيئة نفسية وطبية كاملة للمريض.
• تقليل تكاليف العلاج
– ما أهمية إجراء زراعة القلب داخل قطر بدلاً من الخارج؟
هذا إنجاز طبي كبير لدولة قطر، في السابق كان المرضى يُحولون للعلاج في الخارج، لكنهم في كثير من الأحيان يظلون على قوائم الانتظار لعدة أشهر حتى يتوفر متبرع يطابق فصيلة دمهم وأنسجتهم. الآن، ومع توفر هذه الخدمة داخل الدولة، يتم تقليل التكاليف على الدولة، ويُجرى المريض عمليته وسط ذويه، وتحت رعاية طبية محلية لا تقل كفاءة عن أي مكان آخر في العالم.
• توفر متبرعين
– ما أبرز التحديات التي تواجه عمليات زراعة القلب؟
التحدي الأكبر هو توفر المتبرعين، لأن عملية زراعة القلب تعتمد على تبرع من شخص متوفي، بعض العائلات قد تجد صعوبة في تقبّل هذا المفهوم، رغم أنه عمل إنساني نبيل، و هنا يبرز دور "سجل قطر للتبرع بالأعضاء"، فهو مفخرة بحد ذاته، لكنه بحاجة إلى دعم مجتمعي من خلال التوعية والتثقيف ليتوسع ويشمل شريحة أكبر من المجتمع.
– ما نصيحتكم للمرضى المقبلين على زراعة القلب؟
أن يثقوا تماما بالكفاءات الطبية في مستشفى القلب، لدينا استشاريون وجراحون على مستوى عالٍ من التخصص والخبرة، بالإضافة إلى تقنيات متقدمة تجعل من قطر بيئة آمنة لإجراء مثل هذه العمليات الدقيقة، كما أن بعض المرضى الذين أجروا الجراحة في الخارج – للأسف – عادوا بمضاعفات والتهابات، بسبب ضعف بعض المراكز الطبية هناك، لذلك من الأفضل دائما للمواطنين والمقيمين إجراء الجراحة داخل الدولة، حيث الأمان الطبي والخبرة العالية.