د. نافجة الكواري: الحوكمة العالمية ضرورة لتنظيم الاستجابة للتحديات الدولية

أكدت الدكتورة نافجة صباح البوعفرة، عضو هيئة التدريس في قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر، أن النظام الدولي ظل أحادي القطبية منذ نهاية الحرب الباردة، إلا أن تحولات عدة أدت إلى بروز بوادر لتحول تدريجي نحو نظام متعدد الأقطاب. جاء ذلك خلال مشاركتها في جلسة نظمتها جامعة قطر، ضمن أعمال منتدى الأمن العالمي، الذي عُقد في الدوحة خلال الفترة من 28 إلى 30 أبريل الماضي. وتطرقت الدكتورة نافجة خلال الجلسة التي حملت عنوان: «التنقل في عالم متشظٍّ: تعددية الأقطاب، والسعي نحو نظام عالمي جديد»، إلى بنية الحوكمة الدولية من خلال مجموعة من المحاور.
تناولت في المحور الأول راهن النظام الدولي، والتحديات التي تواجهها منظمة الأمم المتحدة، ومدى قدرتها على حفظ الأمن والسلم الدوليين، خاصة في ظل تزايد الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية. وقالت: «مع بداية التسعينيات، سيطرت الولايات المتحدة على زمام القيادة، فارضةً نفوذها على النظام الدولي عبر السيطرة على مؤسساته الكبرى، مثل مجلس الأمن الدولي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي.
وقد تجلى هذا التفرد الأمريكي من خلال تدخلات عسكرية واسعة النطاق، بدءًا من حرب الخليج، مرورًا بإسقاط حكومة طالبان في أفغانستان، ووصولًا إلى غزو العراق عام 2003. في الوقت ذاته، روجت الولايات المتحدة للعولمة بوصفها ركيزةً لنموذجها، مستخدمةً مزيجًا من القوة الناعمة (نشر الثقافة الأمريكية وقيم السوق الحر) والقوة الصلبة (التدخلات العسكرية والعقوبات الاقتصادية) لتوسيع نفوذها العالمي. ومع ذلك، فإن هذه الأحادية لم تكن مستدامة، إذ سرعان ما بدأت قوى أخرى بالتحرك لإعادة تشكيل موازين القوى الدولية.»
وأضافت: «برزت الصين كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية منافسة، بينما استعادت روسيا موقعها كفاعل دولي مؤثر. إلى جانب ذلك، ظهرت قوى ناشئة مثل الهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، وأستراليا، مما أضفى طابعًا أكثر تعقيدًا على النظام الدولي.» وخلصت إلى أن هذه المرحلة الجديدة تميزت بتحول نمط الصراع من طابعه الأيديولوجي إلى صراع اقتصادي وجيوسياسي، في ظل تصاعد التنافس التجاري والتكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، وتراجع قدرة الولايات المتحدة على فرض رؤيتها الأحادية للعالم.
وأكدت أن الأمم المتحدة لعبت أدوارًا إيجابية في بعض السياقات، إلا أنها أظهرت في العديد من الأزمات محدودية في قدرتها على تحقيق استجابة عالمية فعالة، سواء بسبب الانقسامات بين القوى الكبرى في مجلس الأمن، أو بسبب نقص الموارد، أو بسبب تعقيد التحديات التي تجاوزت الأطر التقليدية للحوكمة الدولية، كما أشارت إلى أن المرحلة الراهنة تبرز ليس فقط أزمة في توزيع القوة العالمية، بل أيضًا أزمة في أدوات إدارة النظام الدولي، وهو ما يستدعي إعادة التفكير في بنية الحوكمة العالمية وآليات عمل المنظمات الدولية، بما يتلاءم مع طبيعة التحديات المتغيرة.
– تحول نحو عالم متعدد الأقطاب
في هذا المحور، قالت الدكتورة نافجة: «رغم أن الاستراتيجية المعلنة للولايات المتحدة تتمثل في الحفاظ على النظام الدولي بصيغته الأحادية القطبية وقيادته بصورة مستمرة، فإن الممارسات الفعلية للسياسة الأمريكية تكشف عن تناقض بنيوي يُعجّل بعملية التحول نحو نظام دولي متعدد الأقطاب. فانسحاب الولايات المتحدة من عدد من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، مثل مجلس حقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية، ومحكمة العدل الدولية، يعكس تراجعًا في التزامها بقواعد النظام الدولي، الذي كانت نفسها من أبرز مهندسيه.»
وأضافت: «كما أن تآكل الثقة بينها وبين حلفائها الاستراتيجيين التقليديين، مثل كندا، واليابان، وبريطانيا، وكوريا الجنوبية، ساهم في دفع هذه الأطراف إلى البحث عن بدائل سياسية واقتصادية من خلال إنشاء تكتلات وتحالفات مستقلة نسبيًا عن الهيمنة الأمريكية.» وختمت بالقول: «تشير هذه التحولات مجتمعة إلى أن السياسات الأمريكية، رغم تمسكها الخطابي بالأحادية القطبية، تسهم فعليًا في تسريع عملية الانتقال نحو نظام دولي أكثر تعددية وتعقيدًا، مما يفرض إعادة النظر في قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في احتكار قيادة النظام الدولي منفردة في المدى المتوسط والبعيد.»
– الحوكمة العالمية
في هذا المحور، أوضحت الدكتورة نافجة البوعفرة أن الحوكمة العالمية أصبحت إطارًا ضروريًا لتنظيم الاستجابة للتحديات المشتركة، إلا أن تعدد الفاعلين واختلاف المصالح يثير تساؤلات كبيرة حول فاعلية هذا الإطار. وقالت «إن مستقبل الحوكمة العالمية يرتبط بطبيعة التفاعلات في النظام الدولي الحالي، ومن ثم فإن ملامح هذا المستقبل قد تتغير مع تشكل ما يُعرف اليوم بالنظام الدولي متعدد الأقطاب، مما قد يفتح الباب لإعادة بناء الثقة مجددًا في دور المؤسسات الدولية».