غزة تواجه الخلطة الكارثية.. الحرب والمجاعة

غزة تواجه الخلطة الكارثية.. الحرب والمجاعة

في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال استخدام كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، ممثلة بقطع الماء والغذاء والدواء والكهرباء، في ضرب أهالي غزة، كان عدد الشهداء الذين قضوا بالجوع يأخذ في الارتفاع، بينما كانت عقارب ساعة المجاعة تدور إلى الوراء، مذكّرة بالأشهر الأولى للحرب.

وعادت مشاهد الموت جوعاً، إذ منذ استئناف الحرب في 18 مارس الماضي، استشهد 57 مواطناً، هؤلاء كانوا نجوا غير مرة من القصف العنيف والغارات المتواصلة، لكن التهمهم غول الجوع، الذي تصارع غزة لمنع تداعياته وارتداداته القاتلة.

ولم تتردد دولة الكيان في تشديد قبضتها على قطاع غزة، بل أخذت تصر على تطبيق أدوات قتل جديدة، بقطع الكهرباء والوقود، ومنع دخول المساعدات الإغاثية، وهكذا دخل القطاع الذي يئن تحت وطأة حصار مطبق، في مواجهة من نوع جديد، ونزال مع أسلحة غير تلك المعتادة، التي تردي المدنيين في خيامهم، إنها خلطة كارثية تحت سماء واحدة، وأسلحة قتل ثلاثية الأبعاد: قصف وجوع ونزوح.

الرسالة هذه، فسرها مراقبون على أنها وسيلة ضغط على المقاومة الفلسطينية، للرضوخ للشروط والإملاءات الإسرائيلية لوقف الحرب، ويبرز في مقدمتها: الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، تسليم سلاح المقاومة، وإبعاد قادة حركة حماس إلى الخارج، كما أن في ذلك للكيان مآرب أخرى، من أهمها دفع المواطنين إلى الشارع، والضغط على الحركة للموافقة على أي حل يوقف الحرب.

سقطت غزة في براثن الجوع، خرجت الأمور بالفعل عن نطاق السيطرة، فتكايا الطعام المتبقية لم تعد تقدم سوى القليل من الحساء، وفي غضون ذلك يغرق القطاع في ظلام دامس، بعد نفاد الوقود وتوقف كل محطات الكهرباء عن العمل، بينما أقفلت المخابز أبوابها أمام طوابير الجوعى، الذين ينتظرون ساعات طويلة للحصول على رغيف خبز.
«الأوضاع صعبة للغاية، والمجاعة تزيدها تعقيداً، ولا يوجد غير حلين وحيدين: تدخل دولي لمنع استخدام سلاح التجويع ضد المواطنين، أو الموت جوعاً، واعتقد أن الموت هو الذي سيسود» هكذا علّق المواطن رمزي أبو العون على الأوضاع في قطاع غزة، متسائلاً في حديث لـ»الشرق»: «ما ذنب المواطنين العزل في دفعهم إلى هذه الدرجة من العجز»؟.

بينما لفت أحمد الأزبكي إلى أن ما يجرى في قطاع غزة ما هو إلا مقدمة لكارثة انسانية، ستتسع حلقاتها مع استمرار الحصار وإغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات والمواد الغذائية، مؤكداً لـ»الشرق» ان «الأوضاع فاقت كل حدود الصبر، ونعيش في مجاعة هي الأكثر فظاعة في القرن، حتى المواد الأساسية بدأت تنفد، والنازحون منشغلون بالبحث عن الطعام ولا يجدونه». وفي زمن المجاعة، التي تطل مرة أخرى برأسها في «عز الحرب» وجدت غزة نفسها أمام سيناريو لا تتمناه، وهو احتمال موت جماعي، بدأت طلائعه بتسجيل عشرات الحالات، فيما تتمدد المجاعة لتحصد المزيد من الضحايا.

وإذ يُحرم الغزيون من رغيف الخبز، تشتد وطأة الحرب الدامية، ويتسع نطاقها ومداها، تمضي حكومة الاحتلال باتخاذ قرار بالإجماع لتمديد وإطالة عمر الحرب، ما يعني أن كل ما تعرض له السكان من كوارث، ليس سوى قطرة أمام السيناريو القادم.