القمم العربية على مر الزمن: تأكيد ثابت على دعم القضية الفلسطينية ومواقف مؤيدة من الزعماء العرب

شكلت القضية الفلسطينية محورا ثابتا في مسار القمم العربية، وظلت بندا دائما في جدول أعمالها، بما تمثله من أولوية سياسية وشعبية في الوجدان العربي. وقد حافظت على مكانتها كقضية مركزية، تعكس إجماع القادة العرب واهتماماتهم، وسط مواقف ومساع مستمرة تدعم حقوق الشعب الفلسطيني وتدين ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك الاستيطان والتهويد والتهجير القسري.
وفي ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما يرافقه من انتهاكات إنسانية واسعة، يستضيف العراق اليوم مؤتمر القمة العربية بدورته العادية الرابعة والثلاثين، ومؤتمر القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الخامس، في وقت تواجه فيه المنطقة العربية تحديات متزايدة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وتأتي هذه القمة بعد أكثر من شهرين على انعقاد القمة العربية غير العادية في القاهرة، التي خصصت لمناقشة تطورات القضية الفلسطينية، بما يشمل صياغة موقف عربي موحد رافض لمحاولات التهجير القسري، والدعوة إلى تحرك دولي عاجل لدعم إعمار غزة ووقف العدوان، وضمان بقاء الفلسطينيين على أرضهم.
وقد زاد تنصل حكومة الكيان الإسرائيلي، برئاسة بنيامين نتنياهو من الالتزامات المتفق عليها في المرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إلى جانب استئناف العدوان واستخدام الحصار الغذائي ضد أهالي القطاع، من تعقيد جهود التوصل إلى حل ينهي الحرب في القطاع والمأساة الإنسانية الخطيرة المستمرة منذ أكتوبر 2023.
وتكتسب القمة العربية المرتقبة أهمية كبيرة في ظل الحاجة الملحة لتشكيل موقف عربي موحد لمواجهة التصعيد الإسرائيلي، بالإضافة إلى العمل على الضغط الدولي لوقف العدوان على قطاع غزة وضمان تنفيذ الاتفاقات السابقة، مع التأكيد على ضرورة السعي نحو إيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
وقد تم في السابق اتخاذ العديد من القرارات الاستراتيجية الهامة التي جسدت التضامن العربي تجاه القضية الفلسطينية، فمنذ تأسيس جامعة الدول العربية في عام 1945، وعلى مدار أكثر من ثمانية عقود، شهدت مسيرة القمم العربية انعقاد 45 قمة، منها 33 قمة عادية.
ورغم التحديات التي مرت بها المنطقة، ظلت القضية الفلسطينية في صدارة أولويات القادة العرب، وشكلت محورا أساسيا في مواقفهم ومقرراتهم، إذ لطالما كانت الجامعة العربية حاملة لواء الدفاع عن استقلال الدول العربية وأمنها.
وفي هذا السياق، تعد قمة "أنشاص" الطارئة، التي عقدت في مايو 1946 بمصر، نقطة فارقة، كونها أول قمة عربية تعقد لمناصرة القضية الفلسطينية وكان من أهم قراراتها التأكيد على عروبة فلسطين وارتباط مصيرها بمصير الدول العربية كافة.
وفي سياق التطورات المتسارعة في ذلك الوقت، عقد مؤتمر القمة العربية العادي الثاني في سبتمبر 1964 بمدينة الإسكندرية، حيث تم اتخاذ قرار بالغ الأهمية بعقد قمة سنوية، بالإضافة إلى تعزيز القدرات الدفاعية العربية، وقد تميز هذا المؤتمر باعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، وهو ما عزز موقفها في العالمين العربي والدولي.
ومن ثم، جاءت القمة التي استضافتها المملكة المغربية بمدينة الدار البيضاء في 1965، التي كان لها دور محوري في الموافقة على "ميثاق التضامن العربي" والالتزام به ودعم قضية فلسطين في جميع المحافل الدولية فضلا عن التأكيد على أهمية نزع السلاح ومنع انتشار الأسلحة النووية وحل الخلافات الدولية بالطرق السلمية.
وبعد عدوان 1967، انعقدت القمة العربية العادية الرابعة في العاصمة السودانية الخرطوم في أغسطس من نفس العام، حيث شددت على أهمية وحدة الصف العربي، وأصدرت قرارا يتضمن ثلاث لاءات عربية: لا صلح مع إسرائيل، ولا تفاوض معها، ولا اعتراف بها، والعمل على إزالة آثار العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية المحتلة.
في أعقاب حرب أكتوبر 1973، اجتمعت القمة العربية العادية السادسة في الجزائر في نوفمبر من نفس العام، لاستعادة أرض سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية المحتلة، قبل أن يتوقف إطلاق النار في 24 من الشهر نفسه، لتبرهن القمة على محورية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي وأعمال قمم القادة، حيث دعت إلى الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس، وإلى استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة.
في ذات السياق، جاءت القمة العربية العادية السابعة في الرباط في أكتوبر عام 1974، التي أكدت على ضرورة استعادة الأراضي العربية المحتلة في عدوان يونيو 1967، إلى جانب رفض أي تسوية تمس السيادة العربية على القدس، فضلا عن ذلك تم اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
وفي 2 نوفمبر 1978، استضافت العاصمة العراقية بغداد مؤتمر القمة العربية التاسع، حيث تم تجديد التأكيد على دعم منظمة التحرير الفلسطينية، والتشديد على الموقف العربي الثابت في دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وفي العام الموالي، احتضنت تونس في نوفمبر 1979 القمة العربية العادية العاشرة، حيث جدد القادة العرب تأكيدهم على الالتزام الكامل بدعم القضية الفلسطينية، كما شددت على أهمية تعزيز العلاقات مع منظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الإفريقية، وحركة عدم الانحياز وغيرها من المنظمات، بهدف توسيع الدعم الدولي للمواقف العربية.
وتماشيا مع الجهود السياسية آنذاك، شهدت قمة فاس المغربية سبتمبر 1982، إقرار مشروع السلام العربي، الذي نص على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، مع التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتعويض من لا يرغب في العودة.
وفي سياق متصل، التأمت في نوفمبر 1987 قمة عربية طارئة بالأردن، أعادت التأكيد على التمسك باسترجاع جميع الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمتها القدس، باعتبار ذلك أساسا لأي تسوية سلمية عادلة، كما شددت القمة على أهمية بناء القوة الذاتية العربية لمواجهة التحديات السياسية والأمنية المتصاعدة.
وضمن جهود دعم الفعل الشعبي الفلسطيني، انعقدت قمة الجزائر في 7 يونيو 1988، حيث تصدرت الانتفاضة الفلسطينية جدول أعمال القادة العرب وقد شددت القمة على دعم الانتفاضة وتعزيز فعاليتها وضمان استمراريتها، إلى جانب الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي سياق الزخم السياسي العربي المستمر، استضافت العاصمة العراقية بغداد في مايو 1990 أعمال القمة العربية، حيث جدد القادة العرب دعمهم للانتفاضة الفلسطينية، مؤكدين ضرورة استمرار إسنادها ماديا ومعنويا.
كما أدانت القمة عمليات تهجير الفلسطينيين، واعتبرت المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية وفقا للقانون الدولي، ودعت إلى توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني.
وفي ظل تصاعد التوترات الميدانية، عقدت في أكتوبر عام 2000 القمة العربية الطارئة في القاهرة، والتي عرفت بـمؤتمر"قمة الأقصى"، إثر اقتحام رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون آنذاك المسجد الأقصى، وما تبعه من موجة عنف دامية.
وقد أقرت القمة إنشاء "صندوق انتفاضة القدس" برأس مال قدره 200 مليون دولار أمريكي لدعم أسر الشهداء والمصابين، بالإضافة إلى تأسيس "صندوق الأقصى" برأسمال 800 مليون دولار لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني، مع اتخاذ قرار يسمح بدخول السلع الفلسطينية للأسواق العربية دون قيود.
وفي إطار المبادرات السياسية الرامية لتحقيق تسوية شاملة للقضية الفلسطينية، استضافت العاصمة اللبنانية بيروت في مارس 2002 القمة العربية العادية الرابعة عشرة، حيث تبنت مبادرة السلام في الشرق الأوسط التي تقدمت بها المملكة العربية السعودية.
كما قررت القمة دعم ميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية بمبلغ 330 مليون دولار لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، مع الدعوة لتقديم دعم إضافي لصندوقي الأقصى وانتفاضة القدس بقيمة 150 مليون دولار، لتمويل مشاريع تنموية داخل الأراضي الفلسطينية.
أما في مايو 2004، فقد انعقد مؤتمر القمة العربي العادي السادس عشر في تونس، حيث حمل البيان الصادر إدانة للعدوان الإسرائيلي المتصاعد على الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى اعتماد المبادرة العربية المقدمة لمجلس الأمن في ديسمبر 2003 الرامية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها السلاح النووي، مع التأكيد على ضرورة انضمام إسرائيل إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وفي القمة العربية العادية السابعة عشرة في الجزائر في مارس 2005، جدد القادة العرب الالتزام بمبادرة السلام العربية، بوصفها المشروع العربي لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم، وأدانوا استمرار الكيان الإسرائيلي في بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، كما أكدوا الأهمية الفائقة لقرار محكمة العدل الدولية الصادر بهذا الشأن.
في سياق مواز، استضافت العاصمة السعودية الرياض في مارس 2007 أعمال القمة العربية العادية التاسعة عشرة، حيث جدد القادة العرب في "إعلان الرياض" الصادر في ختام القمة التأكيد على خيار السلام العادل والشامل بوصفه خيارا استراتيجيا للأمة العربية، كما شددوا على أن المبادرة العربية للسلام تمثل النهج الصحيح للوصول إلى تسوية سلمية للصراع العربي – الإسرائيلي استنادا إلى مبادئ الشرعية الدولية وقراراتها، ومبدأ الأرض مقابل السلام.
وفي العام 2009، دعت دولة قطر لقمة طارئة يوم 16 يناير، لبحث الوضع في قطاع غزة، الذي تعرض لعدوان إسرائيلي طيلة أسابيع وخلف 1054 شهيدا ونحو خمسة آلاف جريح.
وفي هذا السياق، دعا صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى إنشاء صندوق خاص لإعادة إعمار غزة، فضلا عن تعليق المبادرة العربية للسلام ووقف كافة أشكال التطبيع مع إسرائيل، بالإضافة إلى إقامة جسر بحري عربي لإيصال المساعدات إلى أهالي القطاع.
كما شهد مؤتمر القمة العربية العادية الحادية والعشرين في العاصمة القطرية الدوحة في مارس 2009، إعلان الدوحة الذي أكد الالتزام بدعم صمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
وقد أدان البيان العدوان على قطاع غزة، الذي خلف 1054 شهيدا ونحو خمسة آلاف جريح، كما دعا لتحميل إسرائيل المسؤولية القانونية والمادية على "ما ارتكبته من جرائم" بحق الفلسطينيين، وشدد على حرص القادة العرب على تعزيز الوحدة الفلسطينية، ودعم جهود إنهاء الخلافات الفلسطينية ومؤسسات السلطة الوطنية.
وفيما يتعلق بالقمة العربية العادية الثانية والعشرين التي عقدت في مدينة سرت الليبية في مارس 2010، فقد نص إعلانها على أن السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
وفي مارس 2013، احتضنت العاصمة القطرية الدوحة مجددا أعمال القمة العربية الرابعة والعشرين، وأعلن خلالها عن تشكيل "صندوق القدس" برأسمال مليار دولار وذلك بمبادرة من صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي دعا الدول العربية إلى المسارعة بتنفيذ قرارات القمة فور انتهائها، من أجل مساعدة الفلسطينيين.
وفي سياق المسار الداعم للقضية الفلسطينية، انعقدت القمة العربية الخامسة والعشرون في دولة الكويت في مارس 2014، حيث أعرب القادة العرب عن الرفض المطلق لاستمرار الاستيطان وتهويد القدس والاعتداء على مقدساتها الإسلامية والمسيحية وتغيير وضعها الديمغرافي والجغرافي، مؤكدين أن الإجراءات الإسرائيلية باطلة ولاغية بموجب القانون الدولي.
وبالانتقال إلى القمة العربية السابعة والعشرين التي انعقدت في موريتانيا في مارس 2016، جدد القادة العرب تأكيدهم على مركزية القضية الفلسطينية في العمل العربي المشترك، حيث دعوا إلى المضي قدما في دعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي الممنهج.
كما رحبت القمة بالمبادرة الفرنسية التي دعت إلى عقد مؤتمر دولي للسلام يمهد بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية بما يكفل حق الشعب الفلسطيني "وفق إطار زمني" في إقامة دولته المستقلة على حدود 4 يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وبعد مرور عام، وفي القمة العربية الثامنة والعشرين التي عقدت في الأردن في مارس 2017، أكد القادة العرب موقفهم الراسخ من القضية الفلسطينية، حيث رفضوا جميع الخطوات الإسرائيلية الأحادية التي تهدف إلى تغيير الحقائق على الأرض وتقويض حل الدولتين. كما طالبوا المجتمع الدولي بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016، الذي يدين الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية.
أما في القمة العربية التاسعة والعشرين التي استضافتها المملكة العربية السعودية في مدينة الظهران في أبريل 2018، فقد أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية، عن تسمية القمة بـ "قمة القدس"، كما تبرعت المملكة بمبلغ "150" مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، وبمبلغ "50" مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا".
وفي مايو 2024 استضافت مملكة البحرين القمة العربية الثالثة والثلاثين، في ظل الهجمات والانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والعدوان على قطاع غزة على وجه التحديد، ودعت القمة للعمل المشترك لحث المجتمع الدولي بكافة دوله ومؤسساته ومنظماته لوقف الانتهاكات الخطيرة والتصعيد العسكري الإسرائيلي المستمر على القطاع.
وقد أكدت القمة الموقف الثابت تجاه القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، ودعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود الرابع من يونيو1967م، وعاصمتها القدس الشرقية.
وعلى امتداد عقود، عكست القمم العربية مواقف متماسكة تجاه القضية الفلسطينية، مؤكدة حضورها الدائم في وجدان القادة العرب وأجندة العمل العربي المشترك، لتتواصل هذه المسيرة في القمة العربية في بغداد، وسط آمال بأن تشكل محطة جديدة للدفع نحو تحرك دولي جاد يضع حدا لمعاناة الشعب الفلسطيني.