غزة: حين تفقد المال والمركبات قيمتهما!

قدر الفلسطينيين في الحرب، أن تتوزع معاناتهم على جبهات عدة، إذ وجد غالبية الغزيين أنفسهم أمام معركة جديدة، ومصدرها أزمة سيولة نقدية أخذت تتعمق، وعواقبها تتجاوز حتى الحصار المطبق المفروض على قطاع غزة، إذ بات أهل غزة يبحثون عن توفير الأوراق النقدية بأي وسيلة ممكنة، في وقت ارتفعت فيه عمولة السحوبات النقدية من المصارف بشكل كبير، لتتجاوز في بعض الأحيان نسبة الـ 30 في المائة.
وألقت أزمة السيولة النقدية، ظلالاً قاتمة على مختلف المعاملات التجارية، ما أربك حركة البيع والشراء، وخلّف أزمات وتداعيات موازية، أبرزها انتشار الأوراق النقدية البالية، التي ترفض البنوك استبدالها، بينما ساهم تدمير بنوك وإغلاق أخرى في تفاقم الأزمة.
ولم يفلح المواطن أحمد العمري، في سحب أي مبلغ من حسابه البنكي، رغم إيداع راتبه التقاعدي بشكل دوري، مبيناً أنه توجه إلى عدة مصارف للتغلب على أزمته دون جدوى، فالسيولة النقدية شحيحة، والعمولات مرتفعة، ولا أفق لانتهاء الأزمة، على حد قوله.
ولفت العمري إلى أن غالبية الأوراق النقدية التي يتم تداولها في الأسواق الغزية، بدت عليها علامات التلف وأصبحت بلا قيمة، وغير مقبولة بالنسبة للباعة، وهذا ما خلّف واقعاً تجارياً صعباً، موضحاً: «السلع المتبقية في الأسواق لا تجد من يشتريها، وقلة السيولة زادت الطين بلّة، والمواطنون يعانون الفقر والجوع».
ويقول الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، إن تعمد الاحتلال منع إدخال سيولة نقدية إلى قطاع غزة، أسهم في سرعة تدمير وانهيار الأوضاع الاقتصادية في القطاع، منوهاً إلى أن الأوراق النقدية المتوفرة تدور ما بين الباعة والمشترين، وما يخرج منها لشراء سلع من الخارج لا يتم تعويضه، ما ألقى بتداعيات صعبة.
وليس فقط الأوراق النقدية، المركبات أيضاً فقدت قيمتها في الحرب، فمئات السيارات التي كان المواطنون قد اشتروها بمبالغ كبيرة قبل الحرب، تخلت قسراً عن دورها في تنقلات المواطنين وتحركاتهم، نتيجة لاستمرار الكيان في منع إدخال الوقود، وباتت مركونة أمام المنازل وفي الشوارع، بانتظار انتهاء الأزمة، هذا بطبيعة الحال إن سلمت من القصف.
ويروي المواطن مهدي سلامة من مخيم المغازي وسط قطاع غزة، أنه منذ عدة أشهر لا يستطيع تحريك مركبته، التي كان اقترض ثمنها من أحد البنوك قبل الحرب بعام واحد، مشيراً إلى أنها فقدت قيمتها، وأصبحت عبارة عن «كومة حديد».
بل إن المركبة التي تعطلت نتيجة لنفاد الوقود من قطاع غزة، أصبحت عبئاً عليه، إذ يتوجب عليه نقلها كلما نزح من مكان إلى آخر، خشية قصفها من قبل الطائرات الإسرائيلية، كما يقول.
وفي خضم الحرب الطاحنة، اضطر كثيرون في قطاع غزة للتخلص من مركباتهم بعد خلوها من الوقود، فيقول سليمان أبو جياب، أن ظروف النزوح والتنقل الدائم، أجبرته على بيع مركبته بأقل من نصف ثمنها، بينما حوّل آخرون مركباتهم إلى وسيلة للإنارة، بعد استحالة التنقل من خلالها.