قمة مجلس التعاون الخليجي و”آسيان” الصين: تقوية العلاقات في عالم يتغير بسرعة

تتجه الأنظار إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور لمتابعة القمة الاقتصادية الأولى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والصين، وسط تطلعات بأن تسهم هذه القمة الثلاثية في تعزيز وزيادة التعاون المشترك واستكشاف الفرص الجديدة والدفع بالشراكة القائمة بين جميع الأطراف إلى المستوى الاستراتيجي.
وتهدف القمة إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية و/آسيان/ والصين، بما في ذلك التعاون الاقتصادي والإقليمي وغيرها من الملفات التي تخدم المصالح المشتركة، حيث تأتي هذه القمة امتدادا للقمة الأولى التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض في العام 2023 بين دول مجلس التعاون ورابطة /آسيان/ وصدر في ختامها بيان مشترك رحب فيه القادة بانضمام جميع دول المجلس إلى معاهدة الصداقة والتعاون مع الرابطة.
وتعقد هذه القمة في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد، يشهد فيها العالم تغيرات متسارعة وتوترات متصاعدة وتكتلات وتحالفات شتى، تحتم على الأطراف المشاركة في القمة توحيد الرؤى والأهداف وتنسيق المواقف لتحقيق التطلعات المشتركة على الصعد السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية والتقنية، وتوثيق وتطوير التعاون والعلاقات بينها على المستوى الجماعي والثنائي لتحقيق الأهداف والتطلعات المشتركة، وهو ما يكسب القمة زخما واهتماما متصاعدا.
ومن هذا المنطلق فإن من مصلحة الأطراف المشاركة في ظل التحولات الجيوسياسية الدولية الاستفادة من الفرص المتاحة لتوثيق شراكاتها وتبادل المعارف والخبرات والتجارب، ليس فقط من النواحي الاقتصادية والاستثمارية، وإنما فيما يتعلق بالجوانب السياسية والأمنية والثقافية أيضا، وذلك لمواجهة التحديات وتحقيق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.
وفي ظل تلك الظروف الحساسة التي يمر بها العالم، تكتسب القمة أهمية بالغة، كونها تعد فرصة مواتية لمناقشة التعاون الجماعي والثنائي بشتى صوره وأبعاده من جهة، وتشكيل رؤية موحدة تجاه العالم الخارجي والتعامل معه بندية من موقع قوة ومن منظور المصالح الحاكمة للعلاقات بين الدول والتكتلات، وكذلك من منطلق الجوار والتداخل الشعبي والاجتماعي بين مواطني الدول المشاركة.
ويرى الدكتور عبدالله الخاطر الخبير الاقتصادي القطري، أن القمة تكتسب أهميتها من كونها تجمع قادة دول لها مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، ما يفرض عليهم التشاور للتعامل مع المجتمع الدولي والتأثير الإيجابي على التطورات والتحديات العالمية بتنسيق وتوافق تامين.
وأشار الى أن كل طرف سيعمل على توضيح وجهة نظره حيال التحولات العالمية، بما في ذلك وجهة النظر العربية والإسلامية التي ستعمل المجموعة الخليجية على إيصالها بشكل مباشر للمجموعات المشاركة.
وقال الدكتور الخاطر، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن ملفات مهمة مثل السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والثقافة عادة ما تكون حاضرة في مثل هذه القمم، وهو ما يكسبها أهمية أيضا من حيث دعم النمو وبناء شراكات واسعة وإحداث التوازنات المطلوبة في هذه الجوانب.
وحول مشاركة الصين في القمة مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة /آسيان/، لفت الخبير الاقتصادي القطري إلى أن المشاركة الصينية تعد مهمة للغاية في مثل هذه القمم والاجتماعات، لما للصين من ثقل وتأثير دولي كبير، وباعتبارها دولة محورية في المسرح الدولي والمشهد العالمي، لا سيما في ظل ما يشهده العالم من حروب تجارية وتقلبات في أسواق الطاقة.
وأشار إلى أن الجميع، من خلال تبادل الأفكار والرؤى والتفاهمات والاتفاقيات التي سيتم التوصل إليها، سيستفيد من هذه القمة التاريخية، في ظل الرغبة والحرص المتبادل لتحقيق الإنجازات والمصالح المشتركة التي تخدم الشعوب.
من جانبه، يرى الدكتور خير ذيابات من قسم الشؤون الدولية في جامعة قطر أن أهمية هذه القمة تكمن في كونها ستعمل على ترجمة أطر التعاون بين الأطراف المشاركة فيها، مشيرا إلى ما توصلت إليه دول مجلس التعاون و/آسيان/ خلال القمة الأولى بينهما لتعزيز التعاون خلال الفترة من (2024 – 2028)، في العديد من المجالات التي شملت الحوار السياسي والأمني والتجارة والاستثمار، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي بين المنطقتين.
وقال ذيابات، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: "إن القمة ستشهد مناقشات جادة حول اتفاقية تجارة حرة محتملة بين مجلس التعاون و/آسيان/ في ظل تنامي المصالح المتبادلة بين الجانبين"، مشيرا إلى أن دول مجلس التعاون تسعى في إطار استراتيجيتها الاقتصادية إلى زيادة حصتها من الأسواق الآسيوية، والاستفادة من القفزة التكنولوجية التي حققتها هذه الدول، ما يفتح لها أفق استثمار جديدة ضمن مساعيها في تحديث اقتصادياتها وتنويع مصادر دخلها.
وتوقع أن تسعى دول /آسيان/ بدورها إلى ضمان إمدادات النفط والغاز من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى جانب جذب رؤوس الأموال الخليجية لأسواقها، ما ينعكس عليها بالعديد من الفوائد الاقتصادية، معتبرا أن هذا التعاون سيتيح الفرصة لاستكشاف المجال الاقتصادي الإقليمي المشترك، ويوفر فرصا غير مسبوقة للتنمية الاقتصادية لجميع الأطراف.
وفي ظل الروابط التاريخية العميقة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول رابطة جنوب شرق آسيا /آسيان/ والصين، يصبح من الضروري استمرار التشاور والتواصل واللقاءات بين القادة، والدفع باتجاه توحيد الرؤى نحو القضايا محل الاهتمام المشترك على الصعد الثنائية والجماعية والإقليمية والدولية، وكذا بالنسبة لتكتلي مجلس التعاون و/آسيان/ مراجعة ما تم إنجازه والتوافق عليه في القمة الأولى التي استضافتها السعودية في العام 2023.
ويمثل مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا /آسيان/ والصين، قوة إقليمية كبيرة، ويشكل ثلاثتهم في مثل هذه الأوقات الحساسة التي يمر بها العالم، رقما صعبا لا يمكن تجاوزه، ومنافسا صعبا على المسرح الدولي في مواجهة تجمعات وتكتلات أخرى تسعى لتحقيق مصالحها، الأمر الذي يكسب قمة مجلس التعاون الخليجي و/آسيان/ والصين أهمية إضافية.
وتأتي أهمية القمة أيضا من كونها تمثل فرصة لتبادل القادة وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وبحث سبل الارتقاء وتنمية الشراكة للاستفادة من فرص النمو المتوفرة من خلال التعاون بين المنطقتين لتحقيق التنمية المستدامة وإطلاق مبادرات مشتركة ذات صلة، بالإضافة إلى استعراض ملفات السلام والأمن والاستقرار والازدهار والتفاهم بشأنها، بما في ذلك التأكيد على وجوب تسوية الخلافات والنزاعات بالطرق السلمية، والتنسيق في مواجهة التحديات واستكشاف الفرص لتنفيذ المشاريع والشراكات الاقتصادية ذات الأولوية.
كما تكمن أهمية القمة في تعزيز موقع ومكانة الأطراف المشاركة كمجموعات استراتيجية على الساحة الدولية بالشكل الذي يخدم مصالحها بالدرجة الأولى داخل أروقة الأمم المتحدة والمحافل الدولية خارجها، ما يجعلها مصدر قوة في كل مجالات وساحات التعامل الدولي.
وبالنظر للظروف الدولية الراهنة، فإنه يتحتم على المجموعات والدول المشاركة في القمة التنسيق للتعامل برؤية مشتركة حكيمة مع كافة مستجدات العصر، وهو ما يتطلب فتح آفاق جديدة واستحداث آليات إطلاق مبادرات مبتكرة لتعاون وتكامل استراتيجي بعيد المدى.
وفي هذا الصدد، يرى الدكتور حازم الرحاحلة مدير وحدة الدراسات الاقتصادية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن التعاون الاقتصادي بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا /آسيان/ والصين، فرصة استراتيجية واعدة لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي وبناء شراكات مستدامة قائمة على المصالح المتبادلة.
وأكد الرحاحلة، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أنه في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي وتزايد حدة الاضطرابات الجيوسياسية وتصاعد الحروب التجارية، تكتسب قمة مجلس التعاون الخليجي و/آسيان/ والصين أهمية كبيرة، كون جميع تلك الأمور تفرض على التكتلات الإقليمية إعادة صياغة علاقاتها التجارية والاستثمارية على أسس أكثر توازنا واستقرارا.
وقال إنه بالنسبة لدول مجلس التعاون، تعد رابطة /آسيان/ بيئة استثمارية واعدة للصناديق السيادية، لما تتمتع به من أسواق كبيرة ونشطة وقطاعات نمو مزدهرة تشمل التكنولوجيا والبنية التحتية والخدمات اللوجستية والطاقة المتجددة والصناعات التحويلية.
وأوضح أن هذا التنوع والمرونة يسهمان في تعزيز جاذبية المنطقة لاستثمارات طويلة الأجل تساهم في تعزيز التنويع الجغرافي للمحافظ الاستثمارية الخليجية ومصادر عوائدها، كما تتقاطع هذه الفرص مع الرؤى الاستثمارية طويلة المدى للصناديق الخليجية، بما يتيح تأسيس شراكات تتجاوز الطابع المالي لتشمل التعاون في الابتكار ونقل المعرفة وتوطين الصناعات.
وأضاف أن الشراكة مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تتيح في المقابل فرصا استراتيجية لدول /آسيان/، لا سيما في مجالات تأمين الطاقة وجذب رؤوس الأموال وتوسيع التعاون في قطاعات واعدة مثل الاقتصاد الرقمي والأمن الغذائي.
واعتبر أن هذا التعاون يمثل خطوة نوعية نحو بناء علاقة مؤسسية راسخة تعزز من منعة الدول المنضوية تحت هذين التكتلين أمام تقلبات الاقتصاد العالمي، وتفتح المجال أمام امتيازات متبادلة ومبادرات مشتركة تخدم الأهداف الاستراتيجية والتنموية للطرفين.
وأشار إلى أن تطوير الروابط في المجالات المتعددة بين المشاركين في القمة الثلاثية سيؤدي بدوره إلى تعميق العلاقات بينهم ويتيح فضاءات للتعاون والشراكات، الأمر الذي يسهم في بناء عالم مستقر وآمن وتعزيز الجهود الدولية للنماء المستدام ورفاه الشعوب، فضلا عن ترسيخ العمل المشترك لمواجهة التحديات، بما يحفظ المصالح المشتركة لجميع الأطراف ويلبي تطلعاتها في التنمية والازدهار والسلام.