قُتلوا من مسافة 50 مترا.. تحقيق يكشف أدلة جديدة عن إعدام المسعفين في رفح

نشرت صحيفة واشنطن بوست تحقيقا حاولت فيه الكشف عن اللحظات الأخيرة في حياة المسعفين الفلسطينيين الذين اغتالهم الاحتلال ودفنهم في مقبرة جماعية في تل السلطان برفح.
وقالت الصحيفة إن إسرائيل تزعم أن إطلاق النار وقتل عمال الطوارئ جاء لأنهم تحركوا “بطريقة مشبوهة”. لكن سجل المسعفين والشهادات ولقطات الفيديو والتسجيلات الصوتية تقدم صورة مثيرة للقلق وسردا آخر. فقد ظل 14 مسعفا فلسطينيا في عداد المفقودين لمدة أسبوع، عندما عثر عليهم أفراد من الأمم المتحدة والدفاع المدني أواخر الشهر الماضي في مقبرة جماعية محفورة في الرمال.
وأظهرت مقاطع فيديو أن الجنود الإسرائيليين دفنوهم، بالإضافة إلى حطام سيارات الإسعاف الخاصة بهم، خارج مدينة رفح جنوب غزة حيث تميز مقرهم الأخير بأحد أضواء الطوارئ الحمراء الخاصة بهم.
إلا أن تحليل صحيفة “واشنطن بوست” لأحداث ذلك اليوم وقبل انبلاج الفجر، استنادا إلى سجلات المراسلات وشهادات الشهود ولقطات الفيديو وصور الأقمار الصناعية وصور القتلى، يتناقض مع الرواية الإسرائيلية الرسمية في جوانب رئيسية.
فبينما زعم الجيش الإسرائيلي أن الجنود أطلقوا النار من بعيد، جاء إطلاق النار في البداية من مسافة 150 قدما أو أقل، وفي وقت لاحق، من مسافة حوالي 50 قدما، وذلك حسب تقديرات خبيرين في الأدلة الجنائية الصوتية قاما بتحليل فيديو للأحداث بناء على طلب صحيفة “واشنطن بوست”.
وبينما زعم الجيش الإسرائيلي أن السيارة التي أطلق جنوده النار عليها في البداية كانت تابعة لـ “شرطة حماس” تقل “إرهابيين”، تشير سجلات الإرسال التي حصلت عليها الصحيفة والمقابلات إلى أنها كانت سيارة إسعاف أرسلها الهلال الأحمر الفلسطيني قبل وقت قصير من تلقيه نداء طوارئ. وكان على متنها فريق من ثلاثة مسعفين لديهم 55 عاما من العمل مع الجمعية.
وتضيف الصحيفة أن سيارات الإسعاف الأخرى والتي تعرضت لاحقا لإطلاق النار كانت تحمل علامات واضحة على أنها تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني الفلسطيني. وكان المسعفون الذين خرجوا من مركباتهم يرتدون في الغالب ملابس فسفورية تميزهم كعمال طوارئ، كما يظهر في الفيديو.
وبينما أخبر الجيش الإسرائيلي الصحافيين في البداية أن الجنود أطلقوا النار على المركبات لأن أضواء الطوارئ الحمراء المشعة لم تكن مضاءة، فإن الفيديو يظهر العكس.
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن التحقيق يتركز على لواء النخبة غولاني. فقبل أيام من نشر لواء غولاني في جنوب قطاع غزة، أظهر مقطع فيديو بثته القناة 14 الإسرائيلية أحد القادة، المقدم د، وهو يخاطب قواته قائلا لهم: “كل من نواجهه عدو، إذا تم تحديد هوية شخص ما، نطلق النار عليه، ونقضي عليه، ثم نتقدم للأمام. لا تخلطوا الأمر”.
وتشير الصحيفة إلى تسلسل اكتشاف المذبحة، ففي مساء يوم 22 مارس قال سكان حي تل السلطان والمخيم السعودي في رفح إنهم تعرضوا لقصف إسرائيلي كثيف.
وقد انطلقت أول سيارة إسعاف من مواقف جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في خربة العدس، شرقي رفح، حوالي الساعة 3:50 صباح يوم 23 آذار/مارس، استجابةً لقصف منزل في تل السلطان، حسب نبال فرسخ، المتحدثة باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
انتشل الطاقم ثلاث جثث من ذلك الموقع ونقلت إلى مستشفى ناصر، قبل أن يعود إلى القاعدة حوالي الساعة 4:35 صباحًا. في غضون ذلك، أُرسلت سيارة إسعاف ثانية من المستشفى الميداني البريطاني في شمال رفح للمساعدة في موقع قصف تل السلطان. وبعد فترة وجيزة، اتصلت سيارة الإسعاف الأولى عبر الراديو لتخبر أن الحادث قد انتهى، ولكن لم يكن هناك رد من الثانية. وقالت فرسخ إن مسعفيها، منذر عابد ومصطفى خفاجة وعز الدين شعث لم يعودوا يردون على هواتفهم. وبدأ عمال الطوارئ الفلسطينيون بتوقع الأسوأ.
وقدر ستيفن بيك، خبير الأدلة الجنائية الصوتية الذي عمل مستشارا لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) لأكثر من عقد، أن اثنين على الأقل من مطلقي النار كانا في البداية على بعد حوالي 130 قدما من الهاتف المحمول الذي سجله الشهيد رضوان قبل إطلاق النار عليه. وأضاف أنه مع اقتراب نهاية التسجيل الصوتي، بدا أن إطلاق النار يأتي من مسافات تتراوح بين 60 و50 و40 قدما.