عيد غزة.. قصص التهجير عند مدخل الخيمة

عيد غزة.. قصص التهجير عند مدخل الخيمة

كان صوت شريف أبو عبيد 82 عاماً، يرتفع تارة ويخبو أخرى، وهو يستعيد من ذاكرته الأحداث التي شهدتها غزة في حرب يونيو قبل 58 عاماً، وحكايات اللجوء والنزوح المشابهة لما يجري اليوم بفعل الحرب الدائرة منذ نحو 20 شهراً، مستذكراً بعض طقوس العيد قبل العدوان الجائر.
ولم تعد الخيمة في قطاع غزة مجرد مكان للنزوح والإقامة للعائلات التي شردتها الحرب، فمع حلول الذكرى الـ58 لما يعرف بـ»النكسة» التي تتزامن هذا العام مع عيد الأضحى، تحولت الخيمة إلى رمز لمعاناة الفلسطينيين من الحروب المتعاقبة، وعلى بابها ينسج النازحون الحكايات، ويتبادلون أطراف الحديث.

وأدى تراص الخيام وتكدس مخيمات النازحين في قطاع غزة إلى إقامة علاقات صداقة بين الجيران النازحين، وباتت هناك سهرات شبه يومية، يسترقها النازحون من بين جحيم الغارات، بعضها تخص النساء وهموم الحياة اليومية، وأخرى يلتقي فيها الرجال، يستذكرون فيها أيامهم قبل الحرب، ومحطات عديدة مرّت على حياتهم. يقول أبو عبيد: «لولا الجيرة الطيبة والصحبة الجيدة مع جيران الخيمة، لما تحمّلنا النزوح وقسوته، مبيناً: «الحمد لله رزقني الله بجيران رائعين، وفي كل يوم نجلس أمام الخيام ونسرد لأولادنا وأحفادنا حكايات مر عليها زمن طويل، مع التركيز على معاناة اللجوء والنزوح التي عشناها، ونستذكر طقوس العيد والأضاحي».

ولفت أبو عبيد إلى تعاون المهجّرين والنازحين على مواجهة الظروف الصعبة التي حلت بهم، وكيف كان لتآزرهم دور هام في تجاوز الأزمات، منوهاً: «أسرد هذه الحكايات لرفع معنويات الناس، والشد من أزرهم، ومنع اليأس من التسلل إلى نفوس الأجيال الناشئة، واجتماعنا على باب الخيمة يخفف علينا مرارة النزوح، ويعطينا فسحة للتنفيس، والخروج من ضغط الحرب ولو للحظات».

وما بين حرب يونيو عام 1967 وحرب غزة المستعرة منذ أكتوبر 2023، تتقد ذاكرة الآباء والأجداد بما تزخر به من شهادات وذكريات يتوارثها الخلف عن السلف، فترى أبو عبيد وأقرانه يحفظون تفاصيلها وأن مرّ عليها 58 عاماً وأكثر.
وتعود الذكرى بالرجل الثمانيني، إلى حرب «الأيام الستة» التي استغرقتها حرب 5 يونيو 1967، مبيناً أنه كان شاباً في منتصف العشرينيات، واضطرت عائلته للنزوح وافتراش الخيام كما هو حاصل في قطاع غزة اليوم، مستذكراً الأحداث الصعبة التي دفعت الناس للمشي مسافات طويلة، خوفاً من تكرار المجازر.

وعن الساعات التي سبقت الحرب، نوه أبو عبيد إلى أن قوات الحرس الوطني في قطاع غزة، لم تكن مدربة ومجهزة بشكل كاف لخوض مواجهة مع جيش الاحتلال الذي كان يتفوق بسلاح الجو، بينما اليوم الحرب تجري ضد مدنيين عزل، على حد تعبيره.
واستدرك: «الظروف هي نفسها، خرجنا من منازلنا حاملين بعض الطعام، غير أنه لم يكن كافياً لسد الحاجة، خصوصاً وأننا أمضينا عدة أيام في العراء، وشربنا من مياه الآبار وبعضها كان ملوثاً، واليوم في ظل الحرب، أصبحت أوضاعنا صعبة للغاية، في ظل ما نعانيه من تشريد ومجاعة قاتلة».

واستذكر: «كنا نحتمي من القصف في الكهوف وخلف الأشجار، ولم يكن بهذه القسوة التي نراها اليوم، وبعد أيام غامرنا بالعودة إلى منازلنا، أما اليوم فلا شيء يحمينا من الغارات، ولا أفق لنهاية الحرب».
ويوالي: «ما نعيشه اليوم في قطاع غزة، يشبه كثيراً حصار شعب أبي طالب، ونتطلع إلى اليوم الذي تزول فيه هذه الغمة عن شعبنا، ويتوج صبرنا وتحملنا بالفرج ووقف الحرب».