كعك قليبية: تراث غير مادي وحرفة تمرر عبر الأجيال وتزدهر في شهر رمضان

"التسويم"، "التبشمير"، "التمنيش"، مصطلحات قد تبدو غريبة لدى عدد من التونسيين، ولكنها مألوفة وضاربة في القدم في منطقة "الدخلة" من الوطن القبلي وتحديدا لدى متساكني قليبية والهوارية ومنزل تميم وحمام الأغزاز، وهي مصطلحات ارتبطت بعنصر هام من الموروث الغذائي "القليبي" وهو كعك التمر أو كعك "الطابونة" كما يسميه أبناء المنطقة، إذ يكاد لا يغيب عن أي منزل في قليبية.
تتولى نساء قليبية إعداد هذا العنصر الغذائي بكميات كبيرة ويقمن بتخزينه ليكون قوتا لأبنائهن على مدار السنة. كما يقوم "القليبيون" بإهدائه للأصدقاء من المناطق التونسية الأخرى وحتى الدول العربية والأجنبية للتعريف به لدى الجمهور الواسع.
في البداية، كان الكعك يصنع خلال شهر رمضان من كل سنة، حيث تحرص النسوة على إعداده بداية من الأسبوع الثالث ضمن حلويات العيد، إذ لم يكن يباع وإنما يتم تحضيره في جلسات نسائية تقوم المشاركات فيها بالتجمع كل ليلة في منزل إحداهن لمساعدتها في تحضير زاد أسرتها ويقضين أسبوعا وأكثر كل ليلة في بيت امرأة منهن.
أما اليوم فلم تعد صناعة الكعك مرتبطة بفترة من السنة، وإنما تعده النساء طوال العام، ومنهن من امتهنت هذه الحرفة وصارت مصدر قوتها تصنعه وتبيعه للأفراد ولمحلات المرطبات.
ومن بين رائدات بيع الكعك في منطقة وادي الخطف بقليبية من ولاية نابل، نجيبة بن خليفة وهي امرأة تجاوزت السبعين من عمرها، تعرف في مختلف مناطق ولاية نابل كأول مصدر يتوجه له طالبوا الكعك والجمعيات المحلية التي تنظم أنشطة للتعريف به وهي أول امرأة بدأت ببيعه.
"بدأت تعلم صناعة الكعك في العاشرة من عمري وكذلك هو الحال بالنسبة لأغلب نساء عائلتنا"، هكذا تحدثت نجيبة بن خليفة عن بداياتها في صناعة الكعك في لقاء مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء. وبينت أن النساء في قليبية اعتدن توريث حرفة صناعة الكعك لبناتهن. وحسب نجيبة فإن أغلب الأمهات يبدأن بالاستعانة ببناتهن منذ سن ما بين 10 و12 سنة وذلك في إطار "لمات" (اجتماعات) النساء للغرض.
وتبدأ الفتيات مشوارهن مع تعلم هذه الحرفة بالمساهمة في تزيين الكعك، وكلما أتقنت إحداهن مرحلة من مراحل الإعداد، تنتقل لتعلم الأخرى إلى غاية إلمامها بجميع الجوانب وتصبح في سن العشرين قادرة على إجادة "التدوير" وهي العملية التي تلي حشو التمر بالكعك.
كعك قليبية رمز للهوية الثقافية
وتعتبر منال مجيد، محافظة مستشارة للتراث بقليبية وعضوة بفريق الجرد الوطني للتراث الثقافي غير المادي، أن كعك قليبية يمثل "هوية" تحرص النساء على التمسك بها وتساهم في نشرها ونقلها لبناتهن من أجل ضمان استمرارية هذه العادة، وهو، حسب تصريحها لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، رمز للأصالة والتقاليد ويعكس مهارة نساء قليبية وقدرتهن على الابتكار من خلال إعداد وصفة مشحونة بعبق التاريخ، وتتوارثها الأجيال حتى تبقى جزءا من التراث الثقافي للمنطقة.
وتم خلال شهر يوليو من سنة 2017 حصر كعك قليبية ضمن قائمة الجرد الوطني للتراث الثقافي اللامادي التونسي، وقد قامت بجرد هذا العنصر منال مجيد بصفتها مختصة في التراث ومطلعة على عادات وتقاليد الوطن القبلي الذي ولدت ونشأت فيه.
وتعرف منظمة اليونسكو التراث الثقافي اللامادي على أنه "الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات – وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية – التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحيانا الأفراد جزءا من تراثها الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها. وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها ويعزز من ثمة احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية".
ويتميز "كعك التمر" بطريقة إعداده الطريفة، بدءا بالمكونات ومعدات التحضير ووصولا إلى مراحل الطهي. بالنسبة إلى المكونات فإنه يصنع من حبوب القمح اللين التي يتم تحويلها إلى دقيق "فارينة" والسمن والتمر وزيت الزيتون وماء الزهر والسكر و"العكارة" بألوان مختلفة بحسب ما وصفته نجيبة بن خليفة.
حقل مفاهيمي وطقوس خاصة
وحول المرجعية التاريخية للحبوب المستعملة في صناعة الكعك أوضحت منال مجيد، أن متساكني قليبية كانوا في البداية يستعملون القمح الصلب صنف "المحمودي" أو "أم الربيع"، ونظرا للنوعية الجيدة لدقيق القمح اللين القادم من فرنسا من نوع "الفلورونس" تم إدراجه سنة 1963 في صناعة الكعك وأصبح يطلق عليه في تونس "قمح الفريطيسة" نسبة إلى ضيعة فلاحية عرفت بزراعته بجهة ماطر من ولاية بنزرت تحمل اسم "فريطيسة"، حتى إن دقيق هذا القمح كان العامة يطلقون عليه تسمية "فارينة الفرطاسة".
أما عن أدوات إعداد الكعك فلها خصوصياتها هي الأخرى، إذ يتم اعتماد "الميدة العربي" (مائدة مستديرة من الخشب) وقطعة خشب دائرية يصنعها كل نجار في قليبية خصيصا للكعك، حتى إنها لا تحمل اسما معينا إنما يتوجه الفرد للنجار ليطلب منه لوح "تمنقيش الكعك" حتى يسلمه إياه (أحيانا دون مقابل). وبالإضافة إلى هذه الأدوات تعتمد صانعات الكعك أيضا على "المنقاش" وهو أداة لتزيين الكعكة قبل وضعها في "الطابونة"، والطابونة هو الاسم التونسي للـ "فرن البوني" أو ما يطلق عليه أيضا "التنور القرطاجي".
جدير بالذكر في هذا السياق أنه تم في مدينة كركوان غير البعيدة عن قليبية، اكتشاف قطعة أثرية فخارية تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد وتجسد امرأة تضع الخبز داخل هذا الفرن البوني وبجانبها طفل. وهنا تكمن طرافة صناعة هذا المنتوج الغذائي إذ يرجح أن يكون أندلسيا وهو يطبخ في فرن من العهد القرطاجي وكأنه يستمد أصالته من حضارات وحقب تاريخية مختلفة، ثم إن هذا الفرن يخصص في مناطق أخرى من الجمهورية التونسية لصناعة الخبز فقط.
ومن مميزات صناعة الكعك أيضا أنها تقوم على العمل المشترك والتضامني بين النساء، إذ يتطلب إعداده ثلاث نساء أو أكثر حتى لا تجف مكونات العجين قبل وضع الكعك في الفرن، حسب نجيبة بن خليفة.
وتتسم مراحل إعداد هذا المنتج باعتماد حقل مفاهيمي خاص قد تتقاطع بعض كلماته مع حرف أخرى في مناطق تونسية مختلفة، فالمرحلة الأولى تسمى بـ"تسويم حبوب القمح اللين" والمقصود به التنظيف والغسل، ومن ضمن المراحل أيضا "التبشمير" وهو عملية التزيين باليد بعد "تدوير" الكعك، ومصطلح "التبشمير" يعتمد أيضا في مناطق أخرى من ولاية نابل، على غرار بني خيار، في حياكة الصوف أي أنه يحمل أكثر من معنى.
ومن المصطلحات الطريفة الأخرى، عبارة "التمنيش" وهي عملية التزيين النهائية بتشكيل "العكارة"، وهي مادة للزينة تتم إذابتها في ماء الزهر وتشكيلها حسب الرغبة في أشكال مختلفة للزينة (ورود أو أسماك أو غيرها)، وإلصاقها في الكعك.
وككل العادات الغذائية القائمة على العمل الجماعي، ترافق عملية إعداد الكعك العديد من الطقوس التي تقوم بها مجموعات النساء بدءا بسرد القصص حول تاريخ هذا المنتج الغذائي ووصولا إلى دندنة أغان من التراث المحلي للمنطقة.
فة ضاربة في التاريخ
ومن القصص المتداولة حول تاريخ الكعك في منطقة "وادي الخطف" التي يقول متساكنوها إنها أول من بدأ بإنتاجه، أن "ايد" (عمدة) المنطقة أهداه قديما إلى أحد البايات وقد دهش هذا الأخير بطريقة إعداده خاصة وأنه يطبخ في "الفرن البوني" ومحشو بالتمر بطريقة لا يفهمها إلا من يجيد صناعته.
وحول تاريخ صناعة الكعك في قليبية، تقول منال مجيد إن الروايات الشفوية ترجح أن يكون من أصول أندلسية، وتبين أنه رغم المعلومات القليلة والشحيحة حوله إلا أن المراجع تشير إلى أن هناك مجموعة من الأندلسيين الذين توافدوا على تونس استقروا بمنطقة الوطن القبلي بين بني خيار ورمبالية وسليمان وأربع أو خمس عائلات من ضمنهم استقروا بمنزل تميم ومن هناك بدأت عادة صنع الكعك، إذ يروى أن الأندلسيين آنذاك كانوا يقومون بتهريب الذهب في حلويات دائرية الشكل.
وتؤكد منال مجيد أن سكان قليبية هم من حافظوا على هذا الموروث وعلى مختلف العادات المرتبطة به في حين أدخل سكان المناطق الأخرى تغييرات على طريقة صناعة الكعك من ضمنها استعمال "السميد المحور" بدل القمح اللين في منطقتي منزل تميم وحمام الغزاز.
وفي السياق ذاته، تؤكد نجيبة بن خليفة على أن الكعك عادة متوارثة عبر الأجيال حتى إن أمها التي ولدت سنة 1919 هي من علمتها ذلك، ومكنتها من حضور جلسات النسوة.
وعن المتداول في هذه الجلسات، أشارت أنها تمتاز بترديد الأغاني المرتبطة بالبحر والبحارة نظرا لأن أغلب الرجال في أسر المنطقة آنذاك يعملون في البحر وأيضا لأن البحر من أهم مظاهر جمال قليبية.
وحول اختلاف خصوصيات الكعك من منطقة إلى أخرى، أشارت منال مجيد إلى أنه بالإضافة إلى الفرق في المكونات فإن هناك اختلافات في الحجم، ففي منطقة منزل تميم تعد النساء كعكا بأحجام صغيرة، في حين عرفت قليبية بالكعك كبير الحجم الذي يستمد شكله من دائرة البرج الأثري بقليبية ويحاكي أيضا شكل الخبز الذي ينجز في التنانير القرطاجية.
من نشاط منزلي إلى حرفة تستقطب السياح
حين تعلمت نجيبة حرفة صناعة الكعك لم تكن تعلم أنها ستصبح ذات يوم رائدة في بيعه وستتمكن من تحويله إلى رأس مال رمزي تواجه به مصاعب الحياة. تقول نجيبة في هذا الإطار "إلى غاية بداية الألفينات لم يكن الكعك يباع بل كان يصنع داخل الأسر بطريقة مجانية، ولكن بعد أن توفي زوجي ولم يكن لي أي مورد رزق امتهنت صناعة الكعك وبيعه للأفراد ولمحلات المرطبات وتحديدا منذ 2002".
وحول صعوبات هذه المهنة أشارت "الكعاكة" (اسم يطلق على صانعة الكعك)، إلى أن هذا العمل تطور عبر السنوات فبعد أن كانت النساء تعجن الدقيق بأيديهن، وهو أمر مرهق، أصبحن يعتمدن على آلة للعجن وهو ما خفف كثيرا من التعب الجسدي.
وفي حديثها عن إقبال الناس على شراء الكعك، قالت نجيبة إن الإقبال كبير جدا خاصة من متساكني الوطن القبلي ثم من مختلف ولايات الجمهورية بشكل عام، حتى إنها تمكنت بفضل هذه المهنة من تحسين أوضاع عائلتها وإعالة أبنائها إلى أن كبروا. واليوم بناتها وزوجات أبنائها توارثن المهنة وأصبحن يعملن معها.
باتت نجيبة بن خليفة اليوم مرجعا في صناعة الكعك والترويج له في منطقة قليبية، وهو ما جعل وسائل الإعلام تتوافد عليها لتصوير مختلف مراحل إعداد هذه الحلويات كما أصبحت قبلة لوفود من عديد الدول العربية والعالمية ممن يهتمون بالتراث الغذائي المحلي للشعوب.
وعن عادات الجدات الخاصة بالكعك تحدثت منجية، وهي امرأة من منطقة وادي الخطف تجاوزت الثمانين من عمرها، عن تمسكها بما علمتها إياه أمها، وهو أن يتم تخزين الدقيق المخصص للكعك قبل سنة من إعداده، وقالت إن القمح اللين كلما جف، أفرز دقيقا أكثر جودة، وأيضا تحدثت عن ضرورة استعمال زيت زيتون يكون قد مر على خروجه من المعصرة أكثر من سنة، وشددت على ضرورة شراء التمر وتنظيفه ورحيه وخلطه مع القرفة وشوش الورد بنفسها (بدل شراء المكونات جاهزة) حتى تضمن أن يكون على جودة عالية.
وتقول الخالة منجية إن عادة صناعة الكعك ضاربة في القدم فهي تتذكر أن أمها المتوفاة منذ أكثر من أربعين سنة كانت هي الأخرى تشارك ضمن اللقاءات النسائية المخصصة لصناعته.
وخلال بحثها عن مراجع توثق لتاريخ العادات والمهارات المرتبطة بالكعك كجزء من الهوية الثقافية القليبية، اكتشفت منال مجيد أن الكعك لقي نصيبا هاما من التوثيق، حيث حظي باهتمام عدد من الباحثين على غرار الكاتبة السويدية " Anna Wieslander أنا وايزلاندر" التي عاشت لفترة في المنطقة وكتبت أثرا بعنوان "En stad i Tunisien : Kelibia" سنة 1970، كما ورد الكعك أيضا في كتاب الباحث القليبي محمد الصادق عبداللطيف وعنوانه "قليبية مدينة تروي قصة التاريخ" (1999).
ولئن لقي كعك قليبية اهتمام وسائل الإعلام وبعض الجمعيات وتم حصره ضمن قائمة التراث اللامادي التي قام المعهد الوطني للتراث بجردها في مرحلة أولى، وتولى مركز الفنون والثقافة والآداب القصر السعيد تحيينها في مرحلة ثانية، فإن هذا الاهتمام بقي مرتبطا في أغلبه بالجانب الغذائي للمسألة في حين يتطلع العارفون إلى تعميق البحث فيه على أمل تسجيله على قائمة التراث العالمي اللامادي لليونسكو حتى تثمن المهارات المتعلقة بصناعة كعك قليبية كجزء من الخصوصيات الثقافية لهذه المنطقة وتحفظ من الاندثار.
"جاكراندا": مسرحية تبحث عن مخرج لجيل ضائع
"جاكراندا" مسرحية تحمل عنوانا باللغة الإنجليزية "Call Center Tragedy" (تراجيديا مركز النداء)، وهو عمل جديد من إنتاج المسرح الوطني الشاب التابع للمسرح الوطني التونسي، ومن تأليف ودراماتورجيا عبد الحليم المسعودي وإخراج وسينوغرافيا نزار السعيدي. ويأتي هذا التعاون ليشكل اللقاء الثاني بين المسعودي والسعيدي بعد عملهما المشترك في مسرحية "تائهون" سنة 2021.
تستعرض "جاكراندا" على مدى 120 دقيقة شخصيات مرهقة وتائهة تحمل ما تبقى من أحلام مؤجلة وتدور في حلقة مفرغة من الانتظار. الأشخاص في المسرحية هم موظفون في مركز نداء لكنهم مرآة لجيل بأكمله "لم يرث الوطن بل المأزق"، كما جاء في الورقة التقديمية للعرض. يتنقلون بين ماض مشوه وحاضر ضبابي دون أن يعثروا على سردية ينتمون إليها أو وطن يحتوي قلقهم.
وقد ضم طاقم العمل مجموعة من الشباب من خريجي مدرسة الممثل هم أنيس كمون وثواب العيدودي وحلمي الخليفي ومريم التومي ومحمد عرفات القيزاني، إلى جانب الممثلين حمودة بن حسين وأصالة كواص وحسناء غنام وهم من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي بتونس.
وجاءت هذه المسرحية الجديدة محملة بالرمزية وكثافة الدلالات ضمن إطار بصري يمزج بين العتمة والضوء وبين العبث والجد وبين الألم والسخرية.
"جاكراندا": من الشجرة إلى الإنسان
"جاكراندا" عنوان يحمل بعدا رمزيا مزدوجا، فجاكراندا هي شجرة بما تحمله من جمال خارجي وزهر بنفسجي آسر تخفي هشاشة داخلية، مما يجعلها استعارة دقيقة لوضع شخصيات المسرحية الذين يعكسون جيلا مكسورا من الداخل يخفي تحت قشرة الكلمات المعلبة والمواقف الجاهزة معاناة وجودية. أما العنوان بالإنجليزية "Call Center Tragedy" فهو يضع المتلقي مباشرة أمام فضاء رمزي جديد هو مركز النداء حيث تتقاطع الخطوط الهاتفية مع خطوط الحياة ويتحول العمل اليومي الرتيب إلى مرآة لأزمة الوعي الفردي والجماعي.
أما المستوى الفني الثاني الذي ارتكزت عليه المسرحية، فهو تميز النص بأسلوب درامي محكم قائم على ثلاثية درامية واضحة في كل مشهد من بداية وتطور ثم ذروة أو عقدة ونهاية. وقد اعتمد المخرج نزار السعيدي على هذه البنية لتوليد سردية متماسكة ومتداخلة تحافظ على إيقاع العرض وتمنع السقوط في الرتابة رغم امتداده على مدى ساعتين. وقد كانت النتيجة تجربة مسرحية غامرة مشحونة بإيقاع داخلي موظف بإحكام لفهم خبايا الشخصيات وتتبع سيرورة الأحداث.
وكان التوظيف المكثف لمفردات مستمدة من معجم العنف والقسوة، أبرز العناصر المميزة للنص المسرحي والحوار الدائر بين الشخصيات، فالعنف في "جاكراندا" لم يقتصر على إبراز الصراع الدائر بين الشخصيات فحسب، وإنما يتحول إلى "أنا" داخلية ممزقة تصارع ذاتها وتفقد صلتها بالآخر. واعتمد المخرج على أسلوب تكرار مصطلحات القسوة ليعمق الإحساس باللاجدوى والتيه والضياع مجسدا عبثية الواقع والاغتراب الوجودي الذي تعانيه الشخصيات.
مركز النداء: فضاء للاختناق الجماعي
وارتكز العرض على رموز بصرية ذات دلالات مكثفة أبرزها علامة "Exit" (مخرج) التي تلونت بالأحمر أو الأخضر حسب السياق الدرامي للأحداث والشخصيات. وقد كان الأحمر رمزا للاستحالة والاختناق أما الأخضر فبدا إشارة أمل هش أو حل وهمي. وقد تحول هذا الرمز "Exit" المستخدم عادة للدلالة على باب النجاة هنا إلى أداة للحصار والاختناق تسكن لاوعي المتفرج، بينما زادت الإضاءة القاتمة من الإحساس بالضيق مجسدة واقعا خانقا بلا أفق.
ويتخذ العرض من مركز نداء يحمل اسم "Tanit Call Center" مسرحا لأحداثه. وقد تم توظيفه في سياق المسرحية لما يحمله من مقاصد رمزية خاصة عندما نأخذ في الاعتبار أن تانيت هي أكبر آلهة في الحضارة القرطاجية وكانت ترمز إلى الخصوبة والحماية والأمومة والقداسة وكانت تتمتع بمكانة محورية في المعتقدات الدينية القديمة. ولعل توظيف هذا الاسم هو سخرية من الزمن المعاصر حيث تفرغ الرموز من محتواها الروحي لتستخدم كأسماء تجارية في إشارة ربما إلى أن الهوية صارت غلافا بلا معنى. وهذا الطرح يتقاطع مع فكرة المسرحية، فتانيت لم تعد آلهة الحماية بل صارت شاهدة صامتة على انهيار المعنى داخل فضاء خانق اقتصاديا وثقافيا وسياسيا بعد ثورة 17 ديسمبر 2010.
وهذه المفارقة هي قلب المشروع الفني للمسرحية حيث تتداخل الرموز القديمة مع مشاهد معاصرة لإنتاج خطاب نقدي حول الهوية المغتربة وحول الإنسان الذي لم يعد يرى في تاريخه مصدر قوة. وهنا يقف المتفرج أمام مشهد ساخر وموجع لمركز نداء يفترض به أن يكون نقطة تواصل لكنه يتحول إلى رمز لانقطاع المعنى. وهنا تلعب "Tanit Call Center" دور المجاز لوطن يتحول إلى شركة ولمقدس يتقلص إلى علامة تجارية ولشعب يبحث عن مخرج للأزمة الخانقة داخل هذا المركز حيث تتقاطع المصائر وتتشظى الشخصيات بحثا عن مخرج وعن معنى.
مسرحية "جاكراندا" هي مرآة لواقع اجتماعي مأزوم وسؤال وجودي مفتوح حول إذا ما كان للفرد أو للمجموعة القدرة على تجاوز مخلفات الماضي المأساوي نحو الأمل المنشود أم أن "Exit" سيبقى مجرد ضوء خافت يحيل على نفق لا ينتهي.
موقع "زاما" الأثري يكشف أسراره
كشف المعهد الوطني للتراث عن مجموعة جديدة من القطع الأثرية في موقع "زاما" بولاية سليانة (الشمال الغربي لتونس)، تضم 30 قطعة أثرية تمثل عينة صغيرة من مجموع الاكتشافات التي تم استخراجها خلال الحفريات التي جرت على مراحل منذ عام 1996. وتعود هذه القطع إلى حقبة ما بعد الميلاد، وتمثل جوانب متعددة من الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية في زاما.
وتم الكشف عن هذه القطع الأثرية، من قبل المدير العام للمعهد للوطني للتراث طارق البكوش الذي بين أن القطع المكتشفة يعود تاريخها إلى ما بعد الميلاد، وهي ذات قيمة أثرية وعلمية كبيرة حيث تتنوع بين منحوتات وأدوات كانت تستخدم في الطقوس الدينية داخل معابد قديمة. وأضاف أن هذه المجموعة من القطع لم يتم نشرها سابقا، رغم اكتشافها بين عامي 2001 و2006، مضيفا أن جهود الجرد والتوثيق الأخيرة ساعدت في التعرف عليها وتصنيفها بشكل دقيق.
وتحدث عن الأهمية العلمية والاكتشافات الحديثة في موقع زاما، موضحا أن القطع الأثرية المستخرجة تمثل جزءا من مجموعة أوسع تضم معابد وأماكن عبادة كانت قائمة قبل انتشار الديانة المسيحية، قائلا إن "الاكتشافات الأثرية في زاما تعكس تعددية دينية وثقافية، حيث وجدنا معابد كانت مخصصة للآلهة القديمة قبل ظهور المسيحية. وهذا يؤكد أن زاما كانت مركزا دينيا هاما في العصور القديمة".
برنامج تعاون تونسي-إيطالي لتثمين موقع زاما
في سياق متصل، تحدث المدير العام للمعهد الوطني للتراث أيضا عن اتفاقية تعاون ثنائية بين تونس وإيطاليا تهدف إلى تثمين موقع زاما وإعادة ترميمه، حيث ستساهم إيطاليا بمبلغ 200 ألف يورو سنويا أي ما يعادل 800 ألف أورو على مدى أربع سنوات من أجل إعادة تأهيل الموقع وتحويله إلى وجهة سياحية وأثرية مهمة.
وأضاف أن هذه الاتفاقية تأتي ضمن إطار أوسع للتعاون الثقافي بين البلدين، حيث تم إبرام عدة شراكات مع مؤسسات إيطالية، من بينها متحف الكولسيوم في روما من أجل إقامة معرض متنقل في العاصمة الإيطالية يعرض أهم الاكتشافات الأثرية التونسية ويعرف العالم بالإرث الحضاري الغني للبلاد.
وأوضح طارق البكوش أن المعرض المتنقل الذي سيقام في روما من 5 جوان إلى 5 نوفمبر 2025، سيضم قطعا أثرية هامة، بعضها سيخضع لعملية ترميم دقيقة بين شهر مارس وماي في إيطاليا، بهدف عرضها بحالة مثالية تليق بقيمتها التاريخية. كما سيتم إصدار كتالوغ علمي يرافق المعرض لتوثيق وتفسير القطع المعروضة.
زاما في روما لمدة 5 أشهر
وأكد أن هذا الحدث يمثل فرصة كبيرة لتونس من أجل التعريف بتراثها، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الثقافية الدولية، مشيرا إلى أن المعهد الوطني للتراث يعمل على تعزيز الشراكات مع دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وكندا من خلال 17 اتفاقية تعاون دولية في مجالات البحث الأثري والترميم، "وهو ما يدعم من قدراتنا البحثية ويسمح لنا بالاستفادة من أحدث التقنيات الأثرية". ونفى تفريط المعهد الوطني للتراث في عدد من القطع الأثرية، مشددا على أن الآثار ملك للدولة التونسية.
وفيما يتعلق بنقل وعرض القطع الأثرية في الكولوسيوم بروما، أكد المعهد الوطني للتراث أن الدولة التونسية اتخذت كافة الضمانات القانونية لحماية ممتلكاتها الأثرية، مشيرا إلى أن جميع القطع مشمولة بتأمين دولي قيمته 3.4 مليون يورو. وقال في هذا السياق: "كل قطعة أثرية يتم نقلها إلى الخارج تكون تحت تأمين قانوني شامل. في حال حدوث أي ضرر، تتحمل الجهة المستضيفة المسؤولية كاملة"، مضيفا: "هذه ليست المرة الأولى التي تشارك فيها تونس في معارض دولية، فقد أرسلنا مخطوطات نادرة إلى السعودية في إطار تعاون ثقافي والآن نعمل مع إيطاليا على مشروع زاما".
وأفاد أن الدولة التونسية تواصل استراتيجيتها في الاستثمار في التراث للحفاظ عليه من ناحية، واستغلاله كرافد اقتصادي من خلال السياحة الثقافية من ناحية أخرى، قائلا: " نسعى من خلال هذا المشروع إلى تثمين موقع زاما وتحويله إلى وجهة سياحية بارزة، فعندما يرى الزوار القطع الأثرية في روما سيهتمون بزيارة تونس لرؤية الموقع الأصلي، وهو ما يعزز تدفق السياح ويدعم الاقتصاد الثقافي". كما أبرز أن تونس تمتلك أحد أهم وأغنى المخزونات الأثرية في العالم، ما يجعلها محط أنظار الباحثين والخبراء الدوليين.
تاريخ البحث الأثري في تونس يعود إلى حقبة البايات
واستعرض المدير العام للمهعد الوطني للتراث تاريخ البحث الأثري في تونس، مشيرا إلى أنه يعود يعود إلى سنة 1847، حين بدأ أول فريق أمريكي عمليات التنقيب، تبعه الفرنسيون والإيطاليون خلال فترة الاستعمار. ومع استقلال تونس، استمر التعاون مع هذه الدول مما ساهم في نقل المعرفة الأثرية إلى الباحثين التونسيين وتمكينهم من إجراء أبحاث علمية متقدمة ونشرها في الملتقيات الدولية.
وذكر في هذا السياق أن البحث الأثري في تونس له جذور تاريخية تعود إلى القرن التاسع عشر، مضيفا: "خلال فترة الاستعمار، كانت هناك فرق فرنسية وإيطالية تعمل في المواقع الأثرية، لكن بعد الاستقلال، واصلنا هذه الشراكة بطريقة متكافئة وهو ما مكن الباحثين التونسيين من الوصول إلى أهم المنصات العلمية والمشاركة في الاكتشافات الدولية".
من جانبه، تحدث مدير مخبر المحافظة وترميم المجموعات الثقافية محمد بديع بيدوح عن تفاصيل التعاون في مجال ترميم وعرض القطع الأثرية لموقع زاما، مشيرا إلى أن تونس تمتلك كفاءات وخبرات متميزة في مجال المحافظة على التراث وترميم القطع الأثرية. وأكد أن عملية ترميم المجموعات الأثرية المستخرجة من زاما تتطلب دراسة دقيقة لمكوناتها، موضحا أن بعض القطع مصنوعة من "التيراكوتا" (الفخار الناضج على النار)، بينما توجد قطع أخرى من الرخام وهو ما يستدعي تحاليل متقدمة لتحديد المواد المكونة لكل قطعة قبل البدء في الترميم.
وقال في هذا السياق: "من الضروري معرفة التكوين المادي لكل قطعة عبر تحاليل دقيقة قبل الترميم، وهو ما يتم بالتعاون مع الشركاء الإيطاليين، خاصة في ظل التكنولوجيا الحديثة التي توفرها المختبرات الإيطالية مثل الذكاء الاصطناعي المسح الضوئي، وتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد".
وأوضحت مديرة دائرة المسح العام والبحوث بالمعهد الوطني للتراث سميرة السهيلي، وهي أيضا أستاذة جامعية مختصة في التاريخ القديم والآثار، أن موقع زاما يتميز بتاريخ طويل يمتد عبر عدة حضارات، حيث كان في الأصل موقعا نوميديا قبل أن يتأثر بالحضارة البونية نتيجة التفاعل مع القرطاجيين، لكنه لم يكن بونيا بالكامل. وأضافت: "مع مرور الزمن، دخل في مرحلة التأثير الروماني وأصبح جزءا من الحضارة الرومانية بعد الاحتلال الروماني لشمال إفريقيا".
وأضافت في حديثها عن أهمية هذا الموقع أن "زاما" هو موقع تأثر بالحضارة البونية واستمر تطوره عبر العصور، من الفترة النوميدية إلى الفترة الرومانية، مما يجعله شاهدا على تداخل الحضارات في تونس".
وأشارت الباحثة إلى أن الاكتشافات التي تضم 30 قطعة أثرية، وهي عينة فقط من المجموع الكلي الذي تم استخراجه من هذا الموقع. وهي قطع تنتمي إلى فترات مختلفة وتمثل جوانب متعددة من الحياة الدينية والثقافية في زاما. ومن بين أهم القطع المكتشفة تماثيل تمثل آلهة كانت تعبد في تلك الفترة قبل دخول المسيحية، إلى جانب أوان فخارية وأدوات متنوعة تعطي لمحة عن الأنشطة اليومية والحياة الاجتماعية في ذلك الوقت.
أهمية الاكتشافات في فهم تاريخ زاما
وأكدت السهيلي أن هذه القطع تعود لفترات مختلفة، حيث أن الفترة الزمنية التي تغطيها تمتد من ما بعد الفترة البونية، أي بعد تأثير القرطاجيين، إلى الحقبة الرومانية. كما أشارت إلى أن الحفريات في الموقع تمت على مراحل ضمن بعثات أثرية متعددة منذ عام 1996، مما أدى إلى تراكم الاكتشافات على مدى العقود الماضية.
وختمت حديثها بالتأكيد على أن هذه الاكتشافات تسلط الضوء على التطور الديني والثقافي لموقع زاما، وتعكس كيفية تفاعل المجتمعات القديمة مع المؤثرات الحضارية المختلفة. كما شددت على أهمية هذه الاكتشافات في تعزيز البحث العلمي وفهم أعمق لتاريخ المنطقة، خاصة في ظل جهود المعهد الوطني للتراث في الترميم والتوثيق والتثمين.
معرض تونس الدولي للكتاب نافذة على ثقافات العالم
يعد معرض تونس الدولي للكتاب أحد أبرز التظاهرات الثقافية في العالم العربي، إذ لا يقتصر دوره على عرض آخر الإصدارات الأدبية والعلمية، بل يتحول إلى ملتقى حضاري تتلاقى فيه ثقافات العالم وتعرض خصوصيات البلدان المشاركة. ففي كل دورة، يحتفي المعرض بالتراث الثقافي من خلال فعاليات متنوعة تشمل معارض للفنون والحرف التقليدية، وأمسيات فنية، ولقاءات فكرية تبرز ملامح الهوية الثقافية لكل بلد، وبذلك، يغدو المعرض أكثر من مجرد سوق للكتاب، بل هو جسر تواصل وحوار بين الشعوب، ومناسبة لاكتشاف ثراء التراث الإنساني وتنوعه.
وخصصت دورة هذا العام أجنحة تعرض جوانب من الهوية الثقافية للدول المشاركة، حيث يكتشف الزائر بين الرفوف المخطوطات النادرة، والفنون التشكيلية التقليدية، والمنتجات الحرفية، إضافة إلى عروض موسيقية وندوات فكرية تسلط الضوء على قضايا الثقافة المعاصرة. مشهد متكامل يجعل من المعرض رحلة عبر الأزمنة والثقافات، تفتح أمام الجمهور نافذة على تراث شعوب مختلفة من العالم العربي وإفريقيا وأوروبا وآسيا.
"البشت الحساوي السعودي" نموذجا
وفي طيات هذا البعد الإنساني العميق، ومن أبرز ملامح هذا التنوع الثقافي نجد الحضور اللافت للصناعات التقليدية، مثل عرض "البشت الحساوي السعودي" في جناح المملكة العربية السعودية، حيث التقت "وكالة تونس افريقيا للانباء" الحرفي وصانع العبايات حبيب محمد بوخضر الذي تحدث عن عراقة هذا الزي التقليدي وتاريخه في الفخامة، والأصالة، والهوية الثقافية.
وفي تقديمه لهذا اللباس، بين بوخضر أن "البشت" عو عبارة عن عباءة يرتديها الرجال العرب منذ القدم، ويبدأ طول البشت من الكتف إلى القدم، وهو لباس ليس له أكمام ولكن له فتحتين من أجل إخراج اليدين. وينسج بعناية في منطقة الاحساء شرق المملكة العربية السعودية، بخصوصيات تراثية جعلته أكثر من مجرد لباس رسمي، ليصبح عنوانا للهيبة والمكانة الاجتماعية للرجال والنساء، ويحمل هذا اللباس أشكالا مختلفة من "البشوت الحساوية" ومنها "الدقة الملكية" و"المخومس" و"الرداء" و"العباية" والمتوسع" وغيرها من الأصناف، مبينا أن الخياطة اليدوية بالدقة الملكية تحتاج الى المهارة والثبات والصبر وتستغرق حياكته باعتباره صنفا فاخرا من 15 إلى 20 يوما ، لضمان تناسق الغرز ودقة النسيج.
ويتعاقب على حياكته ما يصل إلى ثمانية حرفي كل حسب تخصصه وبراعته في إضفاء الجمالية في عملية الطرز الدقيقة، مضيفا أن الخيوط المستخدمة في هذه المرحلة من صناعة هذا الصنف تتعدد فيها الأنواع من حيث الجودة والمتانة والطلي المحبوك بالذهب، إذ توجد خيوط الفضة المطلية بالذهب أو ما يعرف باسم "الزري" (عيار 5 ونصف وعيار 7 وعيار 10) وتكون مستوردة عادة من ألمانيا، أما صناعة العبايات العادية فتكون بالخيوط المستوردة من فرنسا أو الهند.
وتوارث سكان منطقة الاحساء صناعة البشت منذ أكثر من مئات السنين، وذلك بإتقان فنون الحياكة والغزل، مستفيدين من الموقع الجغرافي المميز لمنطقتهم وتواصلها التجاري مع مناطق الخليج والعراق والشام. وقد كان البشت في بداياته لباسا للملوك، والأمراء، والعلماء، ورجال الدين، قبل أن ينتشر تدريجيا بين مختلف فئات المجتمع.
وفي محاولة للحفاظ على هذا الموروث التراثي، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية أخرى لإدراجه، بوصفه أحد عناصر التراث الثقافي غير المادي، ضمن قائمة التراث الثقافي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من خلال إعداد ملف عربي مشترك وتقديمه للمنظمة الأممية.
ورغم التطورات التي شهدها العالم في مجال الأزياء، لا يزال البشت الحساوي محافظا على مكانته في المناسبات الرسمية مثل حفلات الزواج، والأعياد، واللقاءات الدبلوماسية، واحتفالات التخرج. وفي السنوات الأخيرة، أصبح البشت الحساوي محط اهتمام عالمي، حيث تتسابق دور الأزياء الحديثة إلى إدخاله في تصاميمها، مما أعطاه بعدا عصريا دون أن يفقد أصالته.
وبحضور مثل هذه الأوجه للصناعات التقليدية العربية، يتجاوز معرض تونس الدولي للكتاب وظيفته التقليدية كفضاء لتداول الكتب إلى فضاء متعدد الأبعاد الثقافية. إذ تخصص الأجنحة المشاركة، خاصة تلك التي تمثل الدول العربية والأجنبية، مساحات هامة لعرض جوانب من تراثها المادي وغير المادي، مثل المخطوطات القديمة، والأزياء التقليدية، والحرف اليدوية، والموسيقى الشعبية. كما تنظم ندوات وجلسات حوارية تضيء على تطور الحركة الفكرية والأدبية في مختلف البلدان، مما يفتح أمام الزوار آفاقا لفهم التنوع الثقافي العالمي.