محمد سمير ندا: القلق عنصر أساسي في بناء الهوية العربية.. وشعرت بالنجاح بعد نيل جائزة البوكر

محمد سمير ندا كاتب روائى حصل مؤخرا على الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عام 2025 عن روايته «صلاة القلق» الصادرة سنة 2024 عن دار مسكيليانى، وهى العمل الروائى الثالث لمحمد سمير ندا بعد عملين صدر أولهما سنة 2016 تحت عنوان «مملكة مليكة» والثانى سنة 2021 بعنوان «بوح الجدران».
وفى السطور التالية يتحدث محمد سمير ندا مع الشروق عن اهتمامه الشديد باللغة العربية وما تدور حوله قرية «نجع المناسى» فى الرواية، كما يرد على الجدل حول إذا كانت الجائزة تونسية أم مصرية.
< ما الحدود بين الخيال والحقيقة فى رواية «صلاة القلق»؟
ـــــ الإجابة عن هذا السؤال حق أصيل للقارئ، ولكن يمكننى القول بأن الواقع العربى يفوق الخيال فى قسوته، ولعلنا نتحدث هنا عن الوضع العربى فى ظل ما جرى ويجرى فى فلسطين الآن.
< كان هناك تعدد للأصوات فى الرواية، فهل كان هذا دليلا على النماذج المختلفة فى المجتمع المصرى؟
ـــــ تعدد الأصوات هنا خدعة سردية تنجلى فى ختام النص، وقد استخدمته كمحاولة لمنح القارئ ثمانى كاميرات ترصد الحدث ذات من زوايا ومواقع مختلفة.
< وضعت فى رواية «صلاة القلق» احتمالات للأشياء، لماذا اخترت هذه الطريقة فى الكتابة وهل واجهت صعوبة فيها؟
ــــ لأننى أراهن أن كلمة النهاية فى أى نص يجب أن تترك للقارئ، لقد منحت للقارئ ثلاث نهايات مختلفة فى نهاية الرواية، وتركت له حرية اختيار النهاية التى تناسبه. أو أؤمن بأن العمل الإبداعى هو عملية شراكة بين الكاتب والمتلقى، وربما لهذا جعلت نهايات الروايات الثلاث التى نشرت لى حتى الآن مغلقة على أسرارها، لكنى منحت القارئ المفتاح فى ذات الوقت.
< لماذا اخترت اسم «نجع المناسى» لأحداث الرواية وهل الاسم إشارة واضحة على حال البلدة التى تدور فيها الأحداث؟
ــــ لأننا نتحدث عن شعوب منسيّة، تقبل بالنسيان وتمارسه فى ذات الوقت.
< هل ترى أن القلق أصبح ملازما للأمة العربية وهل الشعوب سبب فيه أم مجبورة على القلق؟
ـــــ بكل تأكيد، القلق بات مكونًا رئيسًا فى تشكيل الهوية العربية، أما عن مسئولية الشعوب عن ذلك، فأعتقد أن المسئولية مشتركة وجامعة، إذ تشمل جميع أطياف المجتمعات العربية منذ عام 1948.
< تتميز «صلاة القلق» بلغة مختلفة، فما علاقتك باللغة العربية؟
ــــ أنا من دراويش اللغة، إن صح التعبير، أحب اللغة العربية كثيرًا، أستمتع بمذاقها كما يلعق الطفل الآيس كريم، هذا على صعيدى القراءة والكتابة، أؤمن أن اللغة تتطور، ولكنى لا أؤمن أن بعض خلاياها/مفرداتها تموت أو تسقط بالتقادم، من هنا أرى أن اللغة فى صلاة القلق، ليست مختلفة، إنما هى تشبث بالأصل وعدم اكتفاءٍ بما تثمره الفروع الأقرب إلى عقل القارئ.
< هل شخصية «شواهى» الغجرية دليل على أن الحرية مرتبطة بأن يكون تفسيرها غير أخلاقى أو غير منظم ولماذا اخترت هذا الاسم؟
ـــــ غير أخلاقى؟ شواهى كانت أكثر سكان النجع شرفًا ونزاهة! الغجر هم قفلة الحرية التى تجوب أصقاع الكوكب، يجعلون من فكرة الحياة بحرية وطنًا غير ملموس، ولا يحاربون بغية الاستيلاء عن أرض بعينها، وشواهى هى ابنة الغجر، وهى رمز للحياة الحرة، واسمها مشتق من اشتهاء الناس للحياة، وحلمهم بملامستها، لكنها قررت ألا يمسسها سوى رجل حر!
< ماذا كان يريد محمد سمير ندا من الانفعالات والمشاعر المختلفة التى كان تتميز بها الشخصيات فى العمل؟
ــــ أن أنقل لكِ ولكل قارئ جرعة مكثفة من القلق، تدفعه إلى الجلوس، والتفكّر، ثم البحث عن حل لهذه الأزمة، من منظور الفرد ومنظور الكل كوطن.
< هل يمكن أن نقول إن «صلاة القلق» إعادة لقراءة النكسة من وجهة نظرك؟
ــــ صلاة القلق لم تقدم تناولاً تاريخيًّا لأحداث هزيمة 67، ولم تغص فى التاريخ بحثًا عن الأسباب والنتائج، لكنها حاولت رصد المتن بعين من يسكن الهامش، وانطلقت من هزيمة 67 لتشرّح هزيمة كبرى تمتد منذ عام 1948 حتى اليوم. صلاة القلق تعتمد الرمزية، إذا تشير صوب الجبل ليدرك القارئ أن ثمّة محيطا شاسعا خلف الجبل، وتشير إلى المحيط، ليعرف القارئ أن ثمة أسماكا بديعة تسبح فى جوفه. لهذا قد يشير النص إلى حقبة زمنية (يحق للكاتب تناولها) وإلى أشخاص بعينهم، لكنه يقصد تعميمًا أبعد بكثير مما يظهر فى الرواية، فنحن لا نتحدث عن هزيمة 67 فقط، ولا عن مصر فقط، ولا عن زمان واحد، وزعيم واحد!
< لماذا اخترت أن تتحول وجوه الشخصيات لسلاحف بالأخص؟
ـــــ هى مسألة رمزية، فالسلاحف تليق بالشعوب العربية كثيرًا، لأننا نقطع فى عقود ما يقطعه العالم فى بضعة أسابيع.
<ما سر جملتك «أن الروائى أصدق من المؤرخ» بالرغم أن الرواية قد تحتمل أحداثا غير حقيقية؟
ــــــ الروائى يكتب انطلاقًا من همٍّ خاص، أما المؤرخ فقد يكتب بإملاء من سلطان أو بإيماء من سجان، ولنا فى التاريخ العربى الطويل عبرة، باختصار أن أقول ذلك ولا أقصد به التعميم، لأن لدينا العديد من المؤرخين العظماء، لكنى أميل إلى الإيمان بأن صدقيّة الروائى فى ما يكتبه، أكبر من صدقيّة المؤرخ الذى عاصر الحدث ذاته. ودائمًا أقول، إن أردتِ قراءة التاريخ الفلسطينى، فعليكِ بقراءة روايات إبراهيم نصر الله المندرجة تحت مسمّى: الملهاة الفلسطينية.
< برأيك هل يضع الكاتب أفكاره السياسية فى عمله؟
ــــــ لا أعتقد أن صوت الكاتب ينبغى أن يظهر فى نصوصه، فهذا خرق لبنود عقد التخييل الذى وقعه مع القارئ، ولكن، من الوارد أن تتسرّب هموم الكاتب وآراؤه -ليس السياسية فقط – إلى النص من خلال شخصية ما، وربما تتوزّع على أكثر من شخصية، المهم أن يظل ذلك مرتبطًا بروح الشخصية، وصوتها هى، لا صوت الكاتب.
< من هم أبرز الكُتاب الذين تأثر بهم محمد سمير ندا؟
ــــــ هناك أبى أولا، ثم محمد المنسى قنديل وعبد الحكيم قاسم ونجيب محفوظ وعادل عصمت ويحيى حقى وصبرى موسى وخيرى شلبى وإبراهيم عبد المجيد وإبراهيم أصلان وبدر الديب وعلاء الديب ورضوى عاشور وآخرون كُثُر، عربيًّا هنالك جبرا إبراهيم جبرا وحنا مينة والطيب صالح، فواز حداد وإنعام كجه جى وإبراهيم نصر الله وأمير تاج السر وسعد محمد رحيم ورشيد الضعيف وجبور الدويهى وربيع جابر ومحسن الرملى وحسن مطلك وآخرون كُثُر أيضًا. من الجيل القريب لى عمريًّا، هناك عشرات الروائيّات والروائيّين الآخرين. باختصار؛ ككاتب، أنا مدين بالفضل لكل من قرأت له حرفًا، وأحرص على قراءة نصوص كتاب جدد أولًا بأول.
< بمناسبة الفوز بجائزة البوكر العربية هل كنت تتوقع الفوز.. وما تعليقك على حصولك على تلك الجائزة وشعورك وقتها؟
ــــ الفرح بكل تأكيد، الشعور بانتصار النص على ما عطل صدوره، وانتصار النص لنفسه. لم أكن أتوقع الفوز بمنتهى الأمانة، ولم أبدأ الحلم به إلا خلال رحلة السفر إلى الإمارات.
< ما رأيك فى أهمية الجوائز للكتاب والمبدعين؟
ــــ الجوائز مهمة، وهى غاية مشروعة لكل كاتب، وأهميتها مادية ومعنوية، والشعور بالتقدير هو أحد أهم المكافآت التى قد ينالها الكاتب، كما تمنحه الجزائز علاوة على ذلك؛ الشعور بالجدوى وتشجعه على الاستمرار.
< نشرت رواية «صلاة القلق» خارج مصر بإحدى الدور التونسية مما أثار الجدل حول هل الجائزة مصرية أم تونسية، فما ردك؟ وهل ترى أن هناك أزمات للنشر فى الوطن العربى؟
ــــــ هذا جدل هزلى، مضحك ومؤسف، ولو كلّف أحدهم نفسه عناء مراجعة الروايات الفائزة بالجائزة، لوجد أن 11 فائزًا من أصل 18، نُشروا رواياتهم خارج بلادهم! الأزمة فى النشر تشمل العالم العربى كله، ولكن لو تحدثنا عن سوق النشر فى مصر تحديدًا، فصناعة النشر تعانى أزمة تزوير الكتب، وارتفاع تكلفة خامات الطباعة، علاوة على جنوح العديد من دور النشر إلى ما أسميه اللعب على المضمون، وكل هذا الأزمات مرتبطة ببعضها ارتباطًا مباشرًا