إسرائيل أم أمريكا: خلافات داخل إدارة ترامب نتيجة ضربة نتنياهو لإيران

إسرائيل أم أمريكا: خلافات داخل إدارة ترامب نتيجة ضربة نتنياهو لإيران

نشرت مجلة بولتيكو الأميركية تقريرًا كشفت فيه عن الانقسام العميق داخل معسكر ترامب بعد الضربة الإسرائيلية على منشآت نووية في طهران، في وقت يجد فيه الرئيس الأمريكي نفسه أمام أصعب اختبار لعقيدته “أميركا أولاً”.

وبينما تحاول واشنطن النأي بنفسها رسميًا عن العملية، فإن أوساط اليمين المؤيد لترامب تموج بالغضب، وسط تحذيرات من الانزلاق إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط قد تُعيد سيناريو العراق أو أشد تعقيدا.

منذ أن دشن دونالد ترامب حملته الانتخابية الأولى في عام 2016، رفع شعار “أميركا أولاً” وهاجم بعنف ما وصفه بـ”المغامرات الخارجية الفاشلة” للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وسخر من الغزو الأميركي للعراق، وانتقد الانخراط الطويل في أفغانستان، وتعهد بعدم توريط بلاده في حروب جديدة لا طائل من ورائها.

لكن مع فجر أمس، عندما شنت إسرائيل ضربة استباقية على منشآت نووية إيرانية، بدا أن ذلك الإرث الموعود يواجه أخطر اختباراته.

الضربة الجوية، التي لم تشارك فيها الولايات المتحدة مباشرة وفقًا للرواية الرسمية، فتحت الباب واسعًا أمام احتمالات الانجرار إلى صراع عسكري جديد في المنطقة، ووضعَ ترامب بين نارين: الوفاء بتعهده بعدم خوض حروب جديدة، أو دعم أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط “إسرائيل” حال تعرضها لرد إيراني مدمر.

القاعدة الغاضبة

 

داخل معسكر “اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا”، الذي أعاد ترامب إلى الحكم، اندلعت موجة من الغضب الصريح بعد الإعلان عن الهجوم الإسرائيلي. الأصوات التي طالما دافعت عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” باتت تحذر من أن الضربة تمثل “استفزازًا مدروسًا” يهدف إلى جر واشنطن إلى حرب مع إيران، وهي حرب يخشى أن تكون أعنف وأطول من حرب العراق.

قال الإعلامي اليميني سااجار إنجيتي، أحد أبرز وجوه الإعلام الجديد لدى اليمين الأميركي: “إسرائيل الآن تسخر من الولايات المتحدة”، مضيفًا: “إذا انجرت أميركا إلى هذا الصراع، فستبدو كارثة العراق وكأنها نزهة”. وذهب إنجيتي أبعد من ذلك حين قال، إن “الهجوم الإسرائيلي كان متعمدًا لنسف المسار الدبلوماسي”، في إشارة إلى المحادثات التي كانت مقررة بين المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وطهران غدا الأحد.

أما تشارلي كيرك، مؤسس منظمة “تيرنينج بوينت يو إس إيه”، والذي يتمتع بنفوذ كبير داخل البيت الأبيض، فقد صرح أمام أنصاره بعد الضربة مباشرة: “ما حدث اليوم سيقلب المشهد السياسي الأميركي رأسًا على عقب. لن يكون الحديث فقط عن دعم إسرائيل عسكريًا، بل عن مصير استراتيجية ترامب برمتها”.

 

انقسام داخل معسكر ترامب: دعم الحليف أم تجنب الحرب؟

الضربة الإسرائيلية جاءت في لحظة شديدة الحساسية لترامب، فقبلها بساعات، كانت قيادات بارزة في معسكره تُناشد علنًا التدخل لمنع إسرائيل من تنفيذ العملية.

وكتبت مولي هيمنجواي، رئيس تحرير مجلة “ذا فيدراليست” ومقربة من ترامب، أن “السماح بالهجوم دون تدخل سيُعد خيانة لا تُغتفر بالنسبة لملايين الناخبين الذين أعادوه إلى الرئاسة”.

أما جاك بوسوبيك، أحد أبرز الأصوات القومية المؤيدة لترامب، فقد حذر من تداعيات اقتصادية مباشرة: “ماذا تتوقعون أن يحدث لأسعار الوقود في الصيف إذا اندلعت حرب مع إيران؟”.

تلك التحذيرات تعكس قناعة متزايدة بين أنصار ترامب أن “الضربات الاستباقية” ليست سوى فخ إسرائيلي هدفه إحراج الرئيس الأمريكي، أو فرض أمر واقع عليه.

 

هل فقد ترامب السيطرة على نتنياهو؟

السؤال الذي تردّد كثيرًا مساء الخميس: هل حاول ترامب بالفعل منع الضربة وفشل؟ أم أنه وافق عليها سرًا على الرغم من معارضة قاعدته الشعبية؟ وبينما تصر الإدارة الأميركية على نفي أي دور في الهجوم، فإن التوقيت والملابسات يثيران الشكوك.

وقال أحد المسئولين في البيت الأبيض: “الرئيس حذر علنًا من أن الضربة قد تحدث، وأكد أنه يفضل المسار الدبلوماسي”، لكن منتقدين في اليمين يرون أن تحذير ترامب لم يكن كافيًا، وأنه إذا لم يمنع الضربة، فإنه يتحمل مسئوليتها، سواء رضي بذلك أم لا.

واعتبر الصحفي المحافظ مات بويل، المقرب من ترامب،  أن “الرئيس في لحظة حاسمة. عليه أن يوازن بين حماية إسرائيل وتجنب توريط أميركا في حرب جديدة. هذه لحظة فارقة قد تُعرّف رئاسته كلها”.

الغضب يتحول إلى قلق انتخابي

في الخلفية، لا يغيب هاجس الانتخابات النصفية المقبلة، والتي يخشى أن يتضرر منها الجمهوريون إذا اشتعل صراع جديد في الشرق الأوسط. “هل يدرك البيت الأبيض أن الشقاق داخل معسكر دعم ترامب قد يكلفه أغلبية الكونجرس؟” تساءل أحد المعلقين على بودكاست ستيف بانون “وور روم”.

ومع تقارير عن إجلاء بعض المسئولين الأميركيين في المنطقة، وتصاعد المخاوف من ردود إيرانية على قواعد أميركية في الخليج والعراق وسوريا، بدا أن المخاوف من التورط في المواجهة ليست نظرية.

 ترامب يحاول التماسك.. أمريكا أولا أم إسرائيل أولا؟

في مواجهة هذا الضغط غير المسبوق، خرج ترامب في ساعة متأخرة ليؤكد أن إدارته “لا تزال ملتزمة بحل دبلوماسي لقضية إيران النووية”، مضيفًا على منصته “تروث سوشيال”: “لقد أصدرت تعليماتي للإدارة بالتركيز الكامل على التفاوض”.

لكن بعد ساعات من هذا التصريح، كانت طائرات إسرائيلية تقصف أهدافًا داخل طهران، لتسقط رسائل التهدئة على وقع القنابل.

سؤال اللحظة: إلى أين تتجه عقيدة ترامب؟

يبدو أن الهجوم الإسرائيلي كشف هشاشة إحدى أهم ركائز سياسة ترامب الخارجية. فالمعادلة التي اعتمد عليها منذ حملته الأولى -إسرائيل شريك استراتيجي لا خلاف عليه، وفي الوقت نفسه لا تدخل عسكري أميركي جديد- لم تعد قابلة للاستمرار.

ومع تصاعد الأصوات الغاضبة من داخل قاعدته، سيكون على ترامب أن يوضح موقفه أكثر من أي وقت مضى: هل يستطيع فعلاً إبقاء أميركا بعيدًا عن الحرب؟ وهل بوسعه، في الوقت نفسه، الحفاظ على تحالفه الحديدي مع نتنياهو؟ أم أن واحدة من هاتين الركيزتين ستسقط لا محالة؟

في النهاية، قد تكون تلك الضربة هي اللحظة التي تُعرّف ولاية ترامب الثانية، وتكشف حدود “أميركا أولاً” في مواجهة “إسرائيل أولاً”.